بارك الله في قليلنا ومحق كثير المشركين مضت سنة الله سبحانه وتعالى أن يتصارع الحق والباطل، ...
بارك الله في قليلنا ومحق كثير المشركين
مضت سنة الله سبحانه وتعالى أن يتصارع الحق والباطل، ويتقاتل رجالهما، لكي لا يسود في الأرض الكفر والفساد، كما قال تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40]، وكما قال سبحانه: {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء: 76].
وغالبا ما يجد المؤمنون في زماننا أنفسهم قلة ضعافا أمام أعداء كثر متجبرين، فلا يتخذون من قوة عدوهم مبررا لتعطيل شعيرة الجهاد، كما فعل كثير من أهل الضلال المتَّبعين لأسلافهم الذين قالوا لنبيهم: {إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ} [المائدة: 22]، ولا أوجبوا القعود بانتظار أن يقاتل الله أعداءه بنفسه كما قال الظالمون: {إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24]، بل أخذوا بالعزيمة وقاتلوا بما أعانهم الله به من سلاح ورجال وشعارهم قول أسلافهم الصالحين: {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 249].
فالقليل المبارك يكثّره الله تعالى بفضله، والكثير الفاسد يمحقه الله تعالى بقدرته، وما على المؤمنين إلا أن يعملوا على تكثير ما عندهم وتقليل ما عند عدوهم، والصبر على فعل ذلك، ليكون النصر حليفهم -بإذن الله- طال الزمان أم قصر.
وإن أفضل وسيلة لتحقيق هذا كله هي الجهاد في سبيل الله تعالى، ففي كل معركة يكتب الله تعالى فيها النصر والفتح للمؤمنين، يزدادون عددا بانضمام المزيد من المجاهدين إليهم، كما قال تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} [النصر: 1-2]، ويزدادون مالا وسلاحا وعتادا، كما قال عليه الصلاة والسلام: (وجعل رزقي تحت ظل رمحي) [رواه أحمد]، ويزدادون ثقة بأنفسهم وهيبة في قلوب أعدائهم، وفي الوقت نفسه ينقص أعداؤهم بقتلهم وأسرهم وانفضاض الناس عنهم، وخسارتهم للأموال والمناطق باستمرار، حتى تتوازن قوة الطرفين، فيُمكن للمؤمنين ويظهرون على عدوهم.
ومن ينظر في سيرة النبي عليه الصلاة والسلام، يجد أن سراياه الأُول -بعد أن أذن الله له بالجهاد- كانت بأعداد قليلة من الصحابة، حتى بلغت بضع مئات في غزوة بدر، فلما كتب الله تعالى فيها الفتح كان جيشه في أحد أضعاف ما كان عليه، وهكذا استمرت قوة الجيش تزداد وقوة المشركين في مكة تنقص، حتى كان الفتح الأخير بلا قتال تقريبا، إذ استنفدت قريش كل أسباب قوتها في الصراع الذي دام عقدا من السنين، في القتال والحرب الاقتصادية، والنزيف المستمر للرجال الخارجين من فساط الشرك إلى فسطاط الإيمان.
وأما القعود عن الجهاد وتعطيل هذه الشعيرة المباركة بدعاوى الإعداد الكاذبة وانتظار الفرص وما شابه من الأعذار، فإنه وإن كان لا يقدم في أقدار الله على القاعدين شيئا، فهو يؤخر النصر لأمة الإسلام على أمم الشرك، ويزيد في تيه القاعدين وضلالهم عن المنهج القويم لتحقيق التمكين في الأرض، عقوبة من الله لهم كما عاقب أسلافهم الأولين الذين قال تعالى فيهم: {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [المائدة: 26].
وما أظهره الله تعالى على أيدي جنود الدولة الإسلامية من النصر والتمكين في بضع سنين لهو حجة على الناس في هذا الزمان، ليتمسكوا بطريق الجهاد في سبيل الله، وينهضوا كلما كبت جيادهم ليتابعوا جهادهم، ويطلبوا النصر من الله تعالى بطاعتهم له فيما أمر من جهاد المشركين، وترك ما نهى عنه وزجر من القعود وترك النفير، ليبارك الله سبحانه في قليلهم، ويمحق كثير عدوهم، أو يجعله في أيديهم بعد حين، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 184
الخميس 25 رمضان 1440 هـ
مضت سنة الله سبحانه وتعالى أن يتصارع الحق والباطل، ويتقاتل رجالهما، لكي لا يسود في الأرض الكفر والفساد، كما قال تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40]، وكما قال سبحانه: {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء: 76].
وغالبا ما يجد المؤمنون في زماننا أنفسهم قلة ضعافا أمام أعداء كثر متجبرين، فلا يتخذون من قوة عدوهم مبررا لتعطيل شعيرة الجهاد، كما فعل كثير من أهل الضلال المتَّبعين لأسلافهم الذين قالوا لنبيهم: {إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ} [المائدة: 22]، ولا أوجبوا القعود بانتظار أن يقاتل الله أعداءه بنفسه كما قال الظالمون: {إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24]، بل أخذوا بالعزيمة وقاتلوا بما أعانهم الله به من سلاح ورجال وشعارهم قول أسلافهم الصالحين: {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 249].
فالقليل المبارك يكثّره الله تعالى بفضله، والكثير الفاسد يمحقه الله تعالى بقدرته، وما على المؤمنين إلا أن يعملوا على تكثير ما عندهم وتقليل ما عند عدوهم، والصبر على فعل ذلك، ليكون النصر حليفهم -بإذن الله- طال الزمان أم قصر.
وإن أفضل وسيلة لتحقيق هذا كله هي الجهاد في سبيل الله تعالى، ففي كل معركة يكتب الله تعالى فيها النصر والفتح للمؤمنين، يزدادون عددا بانضمام المزيد من المجاهدين إليهم، كما قال تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} [النصر: 1-2]، ويزدادون مالا وسلاحا وعتادا، كما قال عليه الصلاة والسلام: (وجعل رزقي تحت ظل رمحي) [رواه أحمد]، ويزدادون ثقة بأنفسهم وهيبة في قلوب أعدائهم، وفي الوقت نفسه ينقص أعداؤهم بقتلهم وأسرهم وانفضاض الناس عنهم، وخسارتهم للأموال والمناطق باستمرار، حتى تتوازن قوة الطرفين، فيُمكن للمؤمنين ويظهرون على عدوهم.
ومن ينظر في سيرة النبي عليه الصلاة والسلام، يجد أن سراياه الأُول -بعد أن أذن الله له بالجهاد- كانت بأعداد قليلة من الصحابة، حتى بلغت بضع مئات في غزوة بدر، فلما كتب الله تعالى فيها الفتح كان جيشه في أحد أضعاف ما كان عليه، وهكذا استمرت قوة الجيش تزداد وقوة المشركين في مكة تنقص، حتى كان الفتح الأخير بلا قتال تقريبا، إذ استنفدت قريش كل أسباب قوتها في الصراع الذي دام عقدا من السنين، في القتال والحرب الاقتصادية، والنزيف المستمر للرجال الخارجين من فساط الشرك إلى فسطاط الإيمان.
وأما القعود عن الجهاد وتعطيل هذه الشعيرة المباركة بدعاوى الإعداد الكاذبة وانتظار الفرص وما شابه من الأعذار، فإنه وإن كان لا يقدم في أقدار الله على القاعدين شيئا، فهو يؤخر النصر لأمة الإسلام على أمم الشرك، ويزيد في تيه القاعدين وضلالهم عن المنهج القويم لتحقيق التمكين في الأرض، عقوبة من الله لهم كما عاقب أسلافهم الأولين الذين قال تعالى فيهم: {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [المائدة: 26].
وما أظهره الله تعالى على أيدي جنود الدولة الإسلامية من النصر والتمكين في بضع سنين لهو حجة على الناس في هذا الزمان، ليتمسكوا بطريق الجهاد في سبيل الله، وينهضوا كلما كبت جيادهم ليتابعوا جهادهم، ويطلبوا النصر من الله تعالى بطاعتهم له فيما أمر من جهاد المشركين، وترك ما نهى عنه وزجر من القعود وترك النفير، ليبارك الله سبحانه في قليلهم، ويمحق كثير عدوهم، أو يجعله في أيديهم بعد حين، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 184
الخميس 25 رمضان 1440 هـ
