- ومن سبل العلاج التفكر والتأمل في مخلوقات الله وآياته. قال تعالى آمرا عباده بالتفكر والتأمل في ...

- ومن سبل العلاج التفكر والتأمل في مخلوقات الله وآياته. قال تعالى آمرا عباده بالتفكر والتأمل في مخلوقاته: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ}[يونس:101].

قال ابن كثير رحمه الله: "يرشد تعالى عباده إلى التفكر في آلائه وما خلق في السموات والأرض من الآيات الباهرة لذوي الألباب...وقوله: {وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} أي: وأي شيء تجدي الآيات السماوية والأرضية، والرسل بآياتها وحججها وبراهينها الدالة على صدقها، عن قوم لا يؤمنون، كما قال: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ}". [التفسير].

وقال تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ}[يوسف:105].

قال ابن كثير رحمه الله: "يخبر تعالى عن غفلة أكثر الناس عن التفكر في آيات الله ودلائل توحيده". [التفسير].

قال ابن تيمية رحمه الله: "والنظر إلى المخلوقات العلوية والسفلية على وجه التفكر والاعتبار مأمور به مندوب إليه".[مجموع الفتاوى].

- ومنها تذكر الموت وعذاب القبر والنار. فإن من تذكر هذه الأمور زالت عنه الغفلة بإذن الله، إذ أن تذكر هذه الأمور يزيل طول الأمل الذي هو من أعظم أسباب الغفلة.

- ومنها سؤال الله ذلك. قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}[غافر:60].
قال ابن كثير رحمه الله: "هذا من فضله، تبارك وتعالى، وكرمه أنه ندب عباده إلى دعائه، وتكفل لهم بالإجابة". [التفسير].


- فائدة في الدعاء

والدعاء في الآية السابقة، يُفسر بنوعي الدعاء؛ دعاء العبادة ودعاء المسألة.

قال ابن القيم رحمه الله: "والدعاء نوعان دعاء عبادة ودعاء مسألة والعابد داع كما أن السائل داع وبهما فسر قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}. قيل أَطِيعُونِي أثبكم وَقيل سلوني أعطكم، وَفسّر بهما قَوْله تَعَالَى:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}، وَالصَّوَاب أَن الدُّعَاء يعم النَّوْعَيْنِ وَهَذَا لفظ متواطئ لَا اشْتِرَاك فِيهِ". [جلاء الأفهام].

وليكن لسان حالك كما قيل:

لبست ثوب الرجا والناس قد رقدوا
وقمت أشكو إلى مولاي ما أجد
وقلت يا عدتي من كل نائبة
ومن عليه في كشف الضر أعتمد
أشكو إليك أمورا أنت تعلمها
مالي على حملها صبر ولا جلد
وقد مددت يدي بالذل معترفا
إليك يا خير من مدت إليه يد
فلا تردها يا رب خائبة
فبحر جودك يروي كل من يرد

- ومنها ترك صحبة الغافلين وملازمة الصالحين. وقد سبق دليل ذلك في أسباب الغفلة.


أخي المجاهد، ها هي الأيام تنقضي سريعًا والسنون تذهب ولا تعود، وفي كل يوم يُفتح لك ديوان يُسجَّل فيه قولك وعملك، كما قال سبحانه وتعالى: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ق:17].

فاحذر من الغفلة عن ذلك، واجعل أيامك مزرعة للآخرة تجد نفعها وخيرها يوم لا ينفع مال ولا بنون، ويكفي للمرء ليستشعر خطر الغفلة وسوء عاقبتها، أن يتدبر قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[يونس:7-8].

وفي المقابل ما أعده الله لعباده المؤمنين الذين قارعوا الغفلة بالعمل والإيمان فكانت النتيجة: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.[يونس:9-10].


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 186
الخميس 10 شوال 1440 ه‍ـ