أبي عبد الرحمن شريف بن محمود سليم ١. درس تفسير الاستعاذة القولُ في تأويلِ الاستعاذةِ ١. ...

أبي عبد الرحمن شريف بن محمود سليم

١. درس تفسير الاستعاذة
القولُ في تأويلِ الاستعاذةِ ١.
تأويلُ قولِه: "أعُوذُ". و الاستعاذةُ الاستجارةُ.
وتأويلُ قولِ القائلِ: "أعُوذُ باللَّهِ مِن الشيطانِ": أسْتَجِيرُ باللَّهِ دونَ غيرِه مِن سائرِ خلقِه، مِن الشيطانِ، أن يَضُرَّني في ديني، أو يَصُدَّني عن حقٍّ يَلْزَمُني لربِّي.
تأويلُ قولِه: "مِن الشيطانِ". والشيطانُ في كلامِ العربِ كلُّ مُتَمَرِّدٍ مِن الجنِّ والإنسِ والدَّوابِّ وكلِّ شيءٍ. ولذلك قال ربُّنا جلّ ثناؤُه: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ﴾ [الأنعام: ١١٢]. فجلذي جعَل مِن الجنِّ.
وقال عمرُ بنُ الخطابِ رحمةُ اللَّهِ عليه، وركِب بِرْذَوْنًا فجعَل يَتَبَخْتَرُ به، فجعَل يَضْرِبُه فلا يَزْدادُ إلا تَبَخْتُرًا، فنزَل عنه، وقال: ما حمَلْتُموني إلا على شيطانٍ، ما نزَلْتُ عنه حتى أنْكَرْتُ نفسي.
حدَّثنا بذلك يونسُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: أخبرَنا ابنُ وهبٍ، قال: أخبرَني هشامُ بنُ سعدٍ، عن زيدِ بنِ أسْلَمَ، عن أبيه، عن عمرَ .
قال أبو جعفرٍ: وإنما سُمِّي المُتَمَرِّدُ مِن كلِّ شيءٍ شيطانًا؛ لمفارقةِ أخلاقِه وأفعالِه أخلاقَ سائرِ جنسِه وأفعالَه، وبُعدِه مِن الخيرِ. وقد قيل: إنه أُخِذ مِن قولِ القائل:شطَنَت دارِي مِن دارِك. يُريدُ بذلك: بَعُدَت. ومِن ذلك قولُ نابغةِ بني ذُبْيانَ :
نأتْ بسعادَ عنكَ نَوًى شَطُونُ … فبانَت والفؤادُ بها رَهينُ
والنَّوَى: الوجهُ الذي نوَتْه وقصَدَتْه. والشَّطونُ: البعيدُ. فكأن الشيطانَ على هذا التأويلِ فَيْعَالٌ مِن: شَطَن. ومما يَدُلُّ على أن ذلك كذلك قولُ أميةَ بنِ أبي الصَّلْتِ :
أَيُّمَا شاطِنٍ عَصَاه عَكاه … ثم يُلْقَى في السِّجْنِ والأكْبالِ
ولو كان فَعْلانَ مِن: شاط يَشِيطُ لَقال: أَيُّمَا شائطٍ. ولكنه قال: أَيُّمَا شاطنٍ؛ لأنه مِن: شَطَن يَشْطُنُ، فهو شاطنٌ.
تأويلُ قولِه: "الرَّجيمِ".
وأما الرجيمُ فهو فَعيلٌ بمعنى مفعولٍ ، كقولِ القائلِ: كفٌّ خَضيبٌ، ولحيةٌ دَهينٌ، ورجلٌ لَعينٌ. يريدُ بذلك: مخضوبةٌ، ومدهونةٌ، وملعونٌ. وتأويلُ الرجيمِ: الملعونُ المشْتومُ. وكلُّ مَشْتومٍ بقولٍ رَديءٍ أو سبٍّ فهو مَرْجُومٌ. وأصلُ الرجمِ الرَّمْيُ، بقولٍ كان أو بفعلٍ. ومِن الرجمِ بالقولِ: قولُ أبي إبراهيمَ لإبراهيمَ صلواتُ اللَّهِ عليه: ﴿لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ﴾ [مريم: ٤٦].
وقد يجوزُ أن يكونَ قيل للشيطانِ: رجيمٌ؛ لأن اللَّهَ جلّ ثناؤُه طرَدَه مِن سماواتِه، ورجَمه بالشُّهُبِ الثَّواقبِ.
وقد رُوِي عن ابنِ عباسٍ أن أولَ ما نزَل جبريلُ [على النبيِّ صلى الله عليه وسلم علَّمه الاستعاذةَ] .