الدولة الإسلامية - قصة شهيد أبو مثنى الحسيني (تقبله الله) (أذاق الله على يديه وإخوانه مرتدي ...
الدولة الإسلامية - قصة شهيد
أبو مثنى الحسيني (تقبله الله)
(أذاق الله على يديه وإخوانه مرتدي الـPKK الويلات)
في أسرة عرفت التوحيدَ مبكراً وسط منطقة فشا فيها الجهل بالدين، وسيطر الصوفيةُ المشركون على منابر الدعوة فيها، ولد (راغب محمد المغير) سنة 1412 هـ في قرية (السعدة الشرقية) القريبة من بلدة (ميسرة) جنوبي ولاية البركة، حيث كان والده تقبله الله من الداعين إلى نبذ البدع والخرافات، محاربا للمشركين من أتباع الطرق الصوفية الرفاعية والخزنوية، كما كان له ولمن معه من الإخوة في المنطقة مشاركة في جهاد العراق، يعينون المجاهدين هناك بإدخال المهاجرين عبر الحدود، وتسهيل دخولهم إلى الشام عند الحاجة.
ومن أجل ذلك كله نال الأسرة كلها الملاحقة من مخابرات الطاغوت، فسُجن أبو راغب تقبله الله وابن أخته عبد الرحمن الحجاب سنين لدعوتهم إلى التوحيد وإعانتهم لمجاهدي العراق، وقتل عبد الرحمن تقبله الله في أحداث سجن "صيدنايا" إثر مشاركته في العصيان الذي قاده المجاهدون، حيث تمكنوا -بفضل الله- من السيطرة على السجن لقرابة 9 أشهر.
ولمّا شبّ أبو المثنى تقبله الله تعالى، وفي مرحلة دراسته الجامعية على وجه الخصوص، حيث درس الرياضيات في جامعة الفرات بمدينة الخير، بدأ يبحث عن الشباب الداعين إلى التوحيد والسنة في الوسط الجامعي وخارجه ويتعرف عليهم، فارتبط بمجموعة تعمل في تهريب المجاهدين إلى العراق، كانت هي إحدى المجموعات التي ابتدأت لاحقا نشاط الدولة الإسلامية في "المنطقة الشرقية" من الشام.
- من نصرة المجاهدين إلى صفوفهم
حين بدأت المظاهرات ضد طاغوت الشام بدأ الإخوة بتجميع صفوفهم كلٌ في منطقته، وهم يعلمون أن لا فائدة من هذه المظاهرات سوى إشغال أجهزة المخابرات، وخلق الفوضى في البلاد، وأن عليهم الاستفادة من هذه المرحلة في بناء أنفسهم وإطلاق عمل جهادي يمكنه -بإذن الله تعالى- إزالة حكم الطاغوت وإقامة حكم الله تعالى في هذه الأرض، وبدأت الدولة الإسلامية بإدخال المجاهدين ليبدأوا بتأسيس العمل، وإعلان الجهاد في الشام، بالاستعانة بالإخوة الموجودين سابقا فيها، وتحويل مجموعات التنسيق والتهريب إلى خلايا مقاتلة.
وتأسست أولى المجموعات الجهادية المرتبطة بالدولة الإسلامية في قريتي (السعدة الشرقية) و(غريبة الشرقية) بالإضافة إلى مجموعة أخرى في قرية (الظاهرية) شرق القامشلي، ومفارز أمنية صغيرة بدأت بالتشكل في مدينتي القامشلي والحسكة، ولم يتأخر النظام النصيري كثيرا في العمل على القضاء عليها، فوجّه قوات كبيرة إلى قرية الظاهرية لاعتقال المجاهدين فيها، حيث قتل أكثرهم -تقبلهم الله تعالى- في الاشتباك مع الجيش النصيري الذي استعمل الأسلحة الثقيلة في هجومه بعد أن رفضوا تسليم أنفسهم، وأما المجاهدون في (السعدة) فقد وجّه النظام إليهم قوتين في آن واحد، الأولى انطلقت من الحسكة والقامشلي شمالا، والثانية من مدينة الخير جنوبا، حيث قامتا بتطويق القرية والبدء بتمشيطها بحثا عن المطلوبين من شبابها وهم بالعشرات، وتحصّن بعض الإخوة في تل بقريتهم واشتبكوا مع جنود الجيش النصيري وعناصر الأمن العسكري عدة ساعات حتى قتلوا تقبلهم الله تعالى بعد نفاد ذخيرتهم، واعتقل المرتدون أبا المثنى تقبله الله مع عشرات من الشباب في القرية بشكل جماعي، ولبث في سجون "الأمن العسكري" في مدينة الخير بضعة شهور.
وعند خروجه من السجن كان عودُ المجاهدين في المنطقة قد اشتدّ أكثر، وقد جاءت حملة الجيش النصيري بنتيجة عكسية، فالقاعدون في المنطقة تأثروا كثيرا بثبات المجاهدين وقتالهم حتى الموت بعد أن نكلوا في النصيرية، والمعتقلون الذين كان أكثرهم لا نشاط لهم يذكر خرجوا من السجون وهم يتشوقون لقتال النصيرية، وهكذا صار عديدُ المجاهدين في قرية (السعدة) وما جاورها في منطقة (ميسرة) يبلغ العشرات، بعد أن كانوا لا يتجاوزون أصابع اليدين تقريبا، وأصبحت المنطقة هي مركز قيادة جنود الدولة الإسلامية في المنطقة الشرقية، بعد أن استقر فيها (الشيخ غانم الشمري) تقبله الله تعالى، وكان حينها أميرا للمنطقة ومسؤولا إداريا لجبهة النصرة آنذاك، يرتبط بها مجموعات أخرى في كل من (الشحيل) و(جديد العكيدات)، وزاد في هذه المرحلة ارتباط أبي مثنى بالجماعة، خاصة وأن الشيخ غانم كان يقيم في مضافة عمّه أبي حامد تقبله الله تعالى.- الثبات مع الجماعة
وصل الخبيثُ "أبو مارية الهراري" مبعوثا من "الجولاني" ليبدأ مشروعه التخريبي في المنطقة، والذي سعى لتكراره في كل المناطق التي حلّ فيها، بالطعن في الأمراء الموجودين، وتأليب المجاهدين عليهم، ثم العمل على شق صف المجاهدين أنفسهم على أسس عشائرية ومناطقية، ليربطهم به دون غيره، فبدأ أولا يطعن بالشيخ غانم ويراسل الجولاني طالباً منه أن يولّيه المنطقة الشرقية، الأمر الذي لاقى هوى عند الجولاني الذي بدأ يخطط لإبعاد الأوفياء للدولة الإسلامية عن المناصب في جبهة النصرة تمهيدا لنقض البيعة والاستقلال بقيادة من تحت يده من العناصر، خاصة وأن الجولاني كان جنديا تحت إمرة الشيخ غانم في العمل الإداري بولاية نينوى التي عمل فيها الجولاني بعد خروجه من السجن، ثم بدأ الجولاني بتقسيم المجاهدين على أسس عشائرية بعد أن كانوا إخوة في الإسلام، وصار يقرب منهم ويبعد بمقدار الولاء له، وفي الوقت نفسه يتخلص من كل مجاهدي العراق الموجودين في المنطقة أو الذين يرسلهم أمير المؤمنين لتقوية الجهاد في الشام، بإدخالهم إلى المناطق المحاصرة في مدينة الخير، كما فعل مع الشيخ أبي ياسر، أو إرسالهم إلى عمليات ذات خطورة عالية على أمل التخلص منهم فيها، وكادت المشكلات -التي سببها الأساسي الفتنة العشائرية التي أحدثها عدو الله- أن تشق صف المجاهدين في الشرقية، حيث لم يبقَ حلٌ آنذاك إلا بعزله عن إمارتها رغم رفض الجولاني، وتولية (الشيخ أبي أسامة العراقي) تقبله الله ليصلح ما أفسده، ويطور العمل العسكري في المنطقة.
وشارك أبو المثنى رحمه الله في أكثر الغزوات التي حدثت في المنطقة الشرقية، وكان أهمها غزوة فتح الشدادي التي قادها الشيخ أبو أسامة العراقي، وما تلاها من فتوح في شرق وشمال ولاية البركة، التي فُصلت آنذاك هي وولاية الرقة عن ولاية "دير الزور"، والتي غير اسمها فيما بعد إلى ولاية الخير.
حين نقَضَ الغادرُ الجولاني عهده، مستعينا بالظواهري، كان يتوقع أن تكون المنطقة الشرقية كلها معه في قراره الآثم، فحضر إليها ليلتقي مع الأمراء ويقنعهم بالبقاء معه، وعقد اجتماعا في بلدة (الشحيل) التي كانت مركز أتباع "الهراري" والموالين له في المنطقة، وكانت المفاجأة أن يسمع بصراحة من أحد الأمراء من يعلن رفضه نقض البيعة، ويصر على البقاء في صفوف الدولة الإسلامية، حين جامل الكثيرون وداهنوا عاجزين عن مصارحة الغادر بموقفهم منه، وكان ذاك الصادع بالحق هو أبو المثنى تقبله الله الذي كان حينها أميرا لمفصل الأمن في ولاية البركة.
وثبت تقبله الله على موقفه هو وبعض الإخوة معه منهم ابن عمه أبو عزام الحسيني (صالح المغير)، وأبو أسامة الأنصاري (أبو حمزة الرفدان)، وأبو المثنى المشهداني، تقبلهم الله جميعا، وكان في ذلك سبب لتثبيت المجاهدين في ولاية البركة على بيعة أمير المؤمنين، والتي تولى أمرها الشيخ أبو أسامة العراقي بعد ذلك، وثبت أبا مثنى في إمارته للمفصل الأمني الذي بقي فيه حتى نهاية حياته.
- مع الجهاز الأمني للدولة الإسلامية
مع وصول بعض الكوادر الأمنية من العراق، نشطَ العملُ الأمني في المنطقة الشرقية عموما، فبدأ أبو أنس وأبو أحمد العراقيان -تقبلهما الله- بسلسلة من العمليات الأمنية في الرقة -قبل فتحها- ضد النظام النصيري وعملائه، ثم أكملوا تحت إمرة الشيخ (أبي لقمان الرقي) العمل على رؤوس الردة من علمانيين وقادة الصحوات، في الوقت الذي نشط (أبو عمر قرداش) تقبله الله في ولاية الخير ضد عملاء النظام ورؤوس الجيش الحر المرتدين، فتمكن مع مجموعة من المجاهدين من قطف رؤوس بعضهم، ودفع آخرين إلى الفرار من المنطقة خوفا من القتل، وكانت تلك العمليات تتم بسرية ودون إعلان وهذا كله قبل حادثة غدر الجولاني ومن معه، كما نفذ أبو المثنى تقبله الله تعالى والإخوة معه عدة عمليات استهدفت عملاء للصليبيين وللنظام في منطقة الشدادي ومحيطها.
وفي ذلك الوقت بدأ المفصل الأمني في الدولة الإسلامية عموما يتحضّر لخروج الصحوات التي أيقن أمراءُ الدولة الإسلامية بخروجها بعد حين، وذلك بجمع المعلومات عن قادة الفصائل وتحركاتهم ومخططاتهم وما يجرونه من لقاءات في رحلاتهم إلى تركيا على وجه الخصوص، وقد تمكن الإخوة بفضل الله من اصطياد الكثير منهم أثناء عودتهم من تلك الرحلات محمّلين بالأوامر والأموال والأسلحة.ومع خروج الصحوات بدأت المفارز الأمنية بالعمل ضد الصحوات في ولايتي الخير والبركة بعد تطهير ولاية الرقة من المرتدين، حيث كان المجاهدون يتسللون إلى عمق مناطق الصحوات وينفذون الكمائن والإغارات ويفجرون المفخخات والعبوات على الحواجز والمقرات ويغتالون رؤوس الردة من قادة الصحوات، وكان أبو مثنى ومن معه من مجاهدي المفصل الأمني في الولاية يدخلون إلى قرية (غريبة الشرقية) التي جعلها مرتدو "جبهة الجولاني" آنذاك مركزا لقيادة عملياتهم في جبهة (ميسرة) فيرصدون التحركات ويجمعون المعلومات التي يستفيد منها الأمراء العسكريون في تخطيط معاركهم، وكاد أن يعتقل في إحدى المرات بعد أن دخل -تقبله الله- مقرا للمرتدين وهو مقنع لا يعرفونه! ليستطلعه من الداخل ويحاول الحصول على معلومات من المتواجدين فيه، فسلّمه الله منهم بأن أسرع بالخروج وأفلت منهم حين شكوا بأمره وهمّوا بأسره.
- العمل الأمني ضد مرتدي الـ PKK
وبعد أن فتح الله على المجاهدين في العراق فأخذوا المناطق وكسروا الحدود، وعلى المجاهدين في الشام فدحروا الصحوات وأخرجوهم من كل المنطقة الشرقية، وبدأت دواوين الدولة ومفاصلها بالتشكل من جديد، انتقل أبو مثنى رحمه الله للعمل في الأمن الخارجي، تحت إمرة الشيخ (أبي اليمان الأردني) تقبله الله والي دمشق الأسبق، الذي أمّره الشيخُ (أبو أسامة العراقي) على مدينة البركة، حيث بدأ الإخوة يعدون العدة للهجوم عليها، وكان المخطط بأن ينشط العمل الأمني داخلها أولا من أجل زعزعة قوة المرتدين فيها، وجمع المعلومات الوافية عنها، وتقوية وجود المفارز الأمنية داخلها لتكون سندا وعونا للمجاهدين المقتحمين لها من خارجها.
وهكذا بدأ عمل أبي مثنى مع مجموعة من المجاهدين في التخطيط وتنفيذ عمليات كثيرة في مختلف مناطق ولاية البركة الواقعة تحت حكم المرتدين، وتمكن المجاهدونمن توجيه ضربات كثيرة للنصيرية ومرتدي الـ PKK، والتي مهّدت للهجوم الكبير لفتح مدينة البركة في رمضان 1436، حيث فتح اللهُ على المجاهدين مناطق كبيرة من المدينة، وكادت تسقط كلها بأيديهم، لولا تدخل طائرات التحالف الصليبي الذي شنّ مئات الغارات الجوية على مواقع المجاهدين وخطوط الاشتباك بينهم وبين المرتدين، وانتقل أبو مثنى تقبله الله تعالى إثر هذا إلى العمل في مجموعة أمنية لاستهداف مرتدي الـ PKK وقوات التحالف الصليبي في مختلف المناطق، وهيأ الله تعالى لها النجاح في تنفيذ العديد من الهجمات ضدهم والتي حصدت المئات من المرتدين بين قتيل وجريح.
- شهادة في سبيل الله نحسبه
في السنة الأخيرة من حياته طلب أبو مثنى تقبله الله تفريغه لطلب العلم، والتحق بدورة شرعية في معهد (الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله) في مدينة الميادين، درس فيها علوم الآلة وفقه الإمام أحمد من كتاب (شرح عمدة الفقه) وحفظ الحديث من كتابة (عمدة الأحكام) وأجزاء من القرآن الكريم، قبل أن يعود مجددا للعمل في المفصل الأمني في الفترة التي بدأ العمل فيها على إخراج عدد من الإخوة العاملين في هذا المفصل لإنشاء مفارز أمنية فاعلة في دار الكفر يقع على عاتقها تنشيط العمل الجهادي ضد المرتدين في المراحل اللاحقة.
فعاد رحمه الله تعالى للعمل الأمني في ولاية البركة، ونشط في مناطق الشدادي وميسرة والصور التي يعرفها جيدا مع بعض الإخوة، وتمكن معهم بفضل الله تعالى من إيقاع الكثير من الخسائر في صفوف مرتدي الـ PKK الذين باتوا يشعرون بوجوده في المنطقة، وهم يعرفونه سابقا من أثر العمليات الكثيرة التي أشرف عليها طوال سنتين من الصراع معهم، وبات البحث عنه مستمراً في المنطقة، وطلب اعتقاله ملحّاً لديهم ولدى أسيادهم الصليبيين، وكان هو حذرا حريصا على أن لا يمكّنهم من نفسه وإخوانه، فيكثر التنقل بين المناطق للعمل أو الإقامة، ويأخذ بأسباب الأمن في اتصالاته ولقاءاته بالإخوة، ولكن قدر الله تعالى أسرع ولا يجدي معه الحذر.
وهكذا تفاجأ تقبله الله تعالى بحاجز "طيار" للمرتدين جنوبي الشدادي أثناء انتقاله بين القرى بدراجة نارية، فاستلّ سلاحه واشتبك معهم فورا موقعا فيهم قتلى وجرحى، وتمكنوا هم من إصابته بجروح قاتلة، مات على إثرها تقبله الله تعالى.
ولا زال إخوان أبي مثنى الحسيني -تقبله الله تعالى- في البركة والخير والرقة وحلب ينكلون بمرتدي الـ PKK وأسيادهم الصليبيين، وتزداد وطأة ضرباتهم عليهم، وتنالهم وهم في عقر دارهم، ولن يوقف الجهاد في سبيل الله تعالى مقتل جندي ولا أمير، ولا انحياز من قرية أو مدينة، فهو قائم بحمد الله حتى قيام الساعة، يرفع الراية فيه أقوام من بعد أقوام حتى يرث اللهُ الأرض ومن عليها.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 193
الخميس 29 ذي القعدة 1440 هـ
أبو مثنى الحسيني (تقبله الله)
(أذاق الله على يديه وإخوانه مرتدي الـPKK الويلات)
في أسرة عرفت التوحيدَ مبكراً وسط منطقة فشا فيها الجهل بالدين، وسيطر الصوفيةُ المشركون على منابر الدعوة فيها، ولد (راغب محمد المغير) سنة 1412 هـ في قرية (السعدة الشرقية) القريبة من بلدة (ميسرة) جنوبي ولاية البركة، حيث كان والده تقبله الله من الداعين إلى نبذ البدع والخرافات، محاربا للمشركين من أتباع الطرق الصوفية الرفاعية والخزنوية، كما كان له ولمن معه من الإخوة في المنطقة مشاركة في جهاد العراق، يعينون المجاهدين هناك بإدخال المهاجرين عبر الحدود، وتسهيل دخولهم إلى الشام عند الحاجة.
ومن أجل ذلك كله نال الأسرة كلها الملاحقة من مخابرات الطاغوت، فسُجن أبو راغب تقبله الله وابن أخته عبد الرحمن الحجاب سنين لدعوتهم إلى التوحيد وإعانتهم لمجاهدي العراق، وقتل عبد الرحمن تقبله الله في أحداث سجن "صيدنايا" إثر مشاركته في العصيان الذي قاده المجاهدون، حيث تمكنوا -بفضل الله- من السيطرة على السجن لقرابة 9 أشهر.
ولمّا شبّ أبو المثنى تقبله الله تعالى، وفي مرحلة دراسته الجامعية على وجه الخصوص، حيث درس الرياضيات في جامعة الفرات بمدينة الخير، بدأ يبحث عن الشباب الداعين إلى التوحيد والسنة في الوسط الجامعي وخارجه ويتعرف عليهم، فارتبط بمجموعة تعمل في تهريب المجاهدين إلى العراق، كانت هي إحدى المجموعات التي ابتدأت لاحقا نشاط الدولة الإسلامية في "المنطقة الشرقية" من الشام.
- من نصرة المجاهدين إلى صفوفهم
حين بدأت المظاهرات ضد طاغوت الشام بدأ الإخوة بتجميع صفوفهم كلٌ في منطقته، وهم يعلمون أن لا فائدة من هذه المظاهرات سوى إشغال أجهزة المخابرات، وخلق الفوضى في البلاد، وأن عليهم الاستفادة من هذه المرحلة في بناء أنفسهم وإطلاق عمل جهادي يمكنه -بإذن الله تعالى- إزالة حكم الطاغوت وإقامة حكم الله تعالى في هذه الأرض، وبدأت الدولة الإسلامية بإدخال المجاهدين ليبدأوا بتأسيس العمل، وإعلان الجهاد في الشام، بالاستعانة بالإخوة الموجودين سابقا فيها، وتحويل مجموعات التنسيق والتهريب إلى خلايا مقاتلة.
وتأسست أولى المجموعات الجهادية المرتبطة بالدولة الإسلامية في قريتي (السعدة الشرقية) و(غريبة الشرقية) بالإضافة إلى مجموعة أخرى في قرية (الظاهرية) شرق القامشلي، ومفارز أمنية صغيرة بدأت بالتشكل في مدينتي القامشلي والحسكة، ولم يتأخر النظام النصيري كثيرا في العمل على القضاء عليها، فوجّه قوات كبيرة إلى قرية الظاهرية لاعتقال المجاهدين فيها، حيث قتل أكثرهم -تقبلهم الله تعالى- في الاشتباك مع الجيش النصيري الذي استعمل الأسلحة الثقيلة في هجومه بعد أن رفضوا تسليم أنفسهم، وأما المجاهدون في (السعدة) فقد وجّه النظام إليهم قوتين في آن واحد، الأولى انطلقت من الحسكة والقامشلي شمالا، والثانية من مدينة الخير جنوبا، حيث قامتا بتطويق القرية والبدء بتمشيطها بحثا عن المطلوبين من شبابها وهم بالعشرات، وتحصّن بعض الإخوة في تل بقريتهم واشتبكوا مع جنود الجيش النصيري وعناصر الأمن العسكري عدة ساعات حتى قتلوا تقبلهم الله تعالى بعد نفاد ذخيرتهم، واعتقل المرتدون أبا المثنى تقبله الله مع عشرات من الشباب في القرية بشكل جماعي، ولبث في سجون "الأمن العسكري" في مدينة الخير بضعة شهور.
وعند خروجه من السجن كان عودُ المجاهدين في المنطقة قد اشتدّ أكثر، وقد جاءت حملة الجيش النصيري بنتيجة عكسية، فالقاعدون في المنطقة تأثروا كثيرا بثبات المجاهدين وقتالهم حتى الموت بعد أن نكلوا في النصيرية، والمعتقلون الذين كان أكثرهم لا نشاط لهم يذكر خرجوا من السجون وهم يتشوقون لقتال النصيرية، وهكذا صار عديدُ المجاهدين في قرية (السعدة) وما جاورها في منطقة (ميسرة) يبلغ العشرات، بعد أن كانوا لا يتجاوزون أصابع اليدين تقريبا، وأصبحت المنطقة هي مركز قيادة جنود الدولة الإسلامية في المنطقة الشرقية، بعد أن استقر فيها (الشيخ غانم الشمري) تقبله الله تعالى، وكان حينها أميرا للمنطقة ومسؤولا إداريا لجبهة النصرة آنذاك، يرتبط بها مجموعات أخرى في كل من (الشحيل) و(جديد العكيدات)، وزاد في هذه المرحلة ارتباط أبي مثنى بالجماعة، خاصة وأن الشيخ غانم كان يقيم في مضافة عمّه أبي حامد تقبله الله تعالى.- الثبات مع الجماعة
وصل الخبيثُ "أبو مارية الهراري" مبعوثا من "الجولاني" ليبدأ مشروعه التخريبي في المنطقة، والذي سعى لتكراره في كل المناطق التي حلّ فيها، بالطعن في الأمراء الموجودين، وتأليب المجاهدين عليهم، ثم العمل على شق صف المجاهدين أنفسهم على أسس عشائرية ومناطقية، ليربطهم به دون غيره، فبدأ أولا يطعن بالشيخ غانم ويراسل الجولاني طالباً منه أن يولّيه المنطقة الشرقية، الأمر الذي لاقى هوى عند الجولاني الذي بدأ يخطط لإبعاد الأوفياء للدولة الإسلامية عن المناصب في جبهة النصرة تمهيدا لنقض البيعة والاستقلال بقيادة من تحت يده من العناصر، خاصة وأن الجولاني كان جنديا تحت إمرة الشيخ غانم في العمل الإداري بولاية نينوى التي عمل فيها الجولاني بعد خروجه من السجن، ثم بدأ الجولاني بتقسيم المجاهدين على أسس عشائرية بعد أن كانوا إخوة في الإسلام، وصار يقرب منهم ويبعد بمقدار الولاء له، وفي الوقت نفسه يتخلص من كل مجاهدي العراق الموجودين في المنطقة أو الذين يرسلهم أمير المؤمنين لتقوية الجهاد في الشام، بإدخالهم إلى المناطق المحاصرة في مدينة الخير، كما فعل مع الشيخ أبي ياسر، أو إرسالهم إلى عمليات ذات خطورة عالية على أمل التخلص منهم فيها، وكادت المشكلات -التي سببها الأساسي الفتنة العشائرية التي أحدثها عدو الله- أن تشق صف المجاهدين في الشرقية، حيث لم يبقَ حلٌ آنذاك إلا بعزله عن إمارتها رغم رفض الجولاني، وتولية (الشيخ أبي أسامة العراقي) تقبله الله ليصلح ما أفسده، ويطور العمل العسكري في المنطقة.
وشارك أبو المثنى رحمه الله في أكثر الغزوات التي حدثت في المنطقة الشرقية، وكان أهمها غزوة فتح الشدادي التي قادها الشيخ أبو أسامة العراقي، وما تلاها من فتوح في شرق وشمال ولاية البركة، التي فُصلت آنذاك هي وولاية الرقة عن ولاية "دير الزور"، والتي غير اسمها فيما بعد إلى ولاية الخير.
حين نقَضَ الغادرُ الجولاني عهده، مستعينا بالظواهري، كان يتوقع أن تكون المنطقة الشرقية كلها معه في قراره الآثم، فحضر إليها ليلتقي مع الأمراء ويقنعهم بالبقاء معه، وعقد اجتماعا في بلدة (الشحيل) التي كانت مركز أتباع "الهراري" والموالين له في المنطقة، وكانت المفاجأة أن يسمع بصراحة من أحد الأمراء من يعلن رفضه نقض البيعة، ويصر على البقاء في صفوف الدولة الإسلامية، حين جامل الكثيرون وداهنوا عاجزين عن مصارحة الغادر بموقفهم منه، وكان ذاك الصادع بالحق هو أبو المثنى تقبله الله الذي كان حينها أميرا لمفصل الأمن في ولاية البركة.
وثبت تقبله الله على موقفه هو وبعض الإخوة معه منهم ابن عمه أبو عزام الحسيني (صالح المغير)، وأبو أسامة الأنصاري (أبو حمزة الرفدان)، وأبو المثنى المشهداني، تقبلهم الله جميعا، وكان في ذلك سبب لتثبيت المجاهدين في ولاية البركة على بيعة أمير المؤمنين، والتي تولى أمرها الشيخ أبو أسامة العراقي بعد ذلك، وثبت أبا مثنى في إمارته للمفصل الأمني الذي بقي فيه حتى نهاية حياته.
- مع الجهاز الأمني للدولة الإسلامية
مع وصول بعض الكوادر الأمنية من العراق، نشطَ العملُ الأمني في المنطقة الشرقية عموما، فبدأ أبو أنس وأبو أحمد العراقيان -تقبلهما الله- بسلسلة من العمليات الأمنية في الرقة -قبل فتحها- ضد النظام النصيري وعملائه، ثم أكملوا تحت إمرة الشيخ (أبي لقمان الرقي) العمل على رؤوس الردة من علمانيين وقادة الصحوات، في الوقت الذي نشط (أبو عمر قرداش) تقبله الله في ولاية الخير ضد عملاء النظام ورؤوس الجيش الحر المرتدين، فتمكن مع مجموعة من المجاهدين من قطف رؤوس بعضهم، ودفع آخرين إلى الفرار من المنطقة خوفا من القتل، وكانت تلك العمليات تتم بسرية ودون إعلان وهذا كله قبل حادثة غدر الجولاني ومن معه، كما نفذ أبو المثنى تقبله الله تعالى والإخوة معه عدة عمليات استهدفت عملاء للصليبيين وللنظام في منطقة الشدادي ومحيطها.
وفي ذلك الوقت بدأ المفصل الأمني في الدولة الإسلامية عموما يتحضّر لخروج الصحوات التي أيقن أمراءُ الدولة الإسلامية بخروجها بعد حين، وذلك بجمع المعلومات عن قادة الفصائل وتحركاتهم ومخططاتهم وما يجرونه من لقاءات في رحلاتهم إلى تركيا على وجه الخصوص، وقد تمكن الإخوة بفضل الله من اصطياد الكثير منهم أثناء عودتهم من تلك الرحلات محمّلين بالأوامر والأموال والأسلحة.ومع خروج الصحوات بدأت المفارز الأمنية بالعمل ضد الصحوات في ولايتي الخير والبركة بعد تطهير ولاية الرقة من المرتدين، حيث كان المجاهدون يتسللون إلى عمق مناطق الصحوات وينفذون الكمائن والإغارات ويفجرون المفخخات والعبوات على الحواجز والمقرات ويغتالون رؤوس الردة من قادة الصحوات، وكان أبو مثنى ومن معه من مجاهدي المفصل الأمني في الولاية يدخلون إلى قرية (غريبة الشرقية) التي جعلها مرتدو "جبهة الجولاني" آنذاك مركزا لقيادة عملياتهم في جبهة (ميسرة) فيرصدون التحركات ويجمعون المعلومات التي يستفيد منها الأمراء العسكريون في تخطيط معاركهم، وكاد أن يعتقل في إحدى المرات بعد أن دخل -تقبله الله- مقرا للمرتدين وهو مقنع لا يعرفونه! ليستطلعه من الداخل ويحاول الحصول على معلومات من المتواجدين فيه، فسلّمه الله منهم بأن أسرع بالخروج وأفلت منهم حين شكوا بأمره وهمّوا بأسره.
- العمل الأمني ضد مرتدي الـ PKK
وبعد أن فتح الله على المجاهدين في العراق فأخذوا المناطق وكسروا الحدود، وعلى المجاهدين في الشام فدحروا الصحوات وأخرجوهم من كل المنطقة الشرقية، وبدأت دواوين الدولة ومفاصلها بالتشكل من جديد، انتقل أبو مثنى رحمه الله للعمل في الأمن الخارجي، تحت إمرة الشيخ (أبي اليمان الأردني) تقبله الله والي دمشق الأسبق، الذي أمّره الشيخُ (أبو أسامة العراقي) على مدينة البركة، حيث بدأ الإخوة يعدون العدة للهجوم عليها، وكان المخطط بأن ينشط العمل الأمني داخلها أولا من أجل زعزعة قوة المرتدين فيها، وجمع المعلومات الوافية عنها، وتقوية وجود المفارز الأمنية داخلها لتكون سندا وعونا للمجاهدين المقتحمين لها من خارجها.
وهكذا بدأ عمل أبي مثنى مع مجموعة من المجاهدين في التخطيط وتنفيذ عمليات كثيرة في مختلف مناطق ولاية البركة الواقعة تحت حكم المرتدين، وتمكن المجاهدونمن توجيه ضربات كثيرة للنصيرية ومرتدي الـ PKK، والتي مهّدت للهجوم الكبير لفتح مدينة البركة في رمضان 1436، حيث فتح اللهُ على المجاهدين مناطق كبيرة من المدينة، وكادت تسقط كلها بأيديهم، لولا تدخل طائرات التحالف الصليبي الذي شنّ مئات الغارات الجوية على مواقع المجاهدين وخطوط الاشتباك بينهم وبين المرتدين، وانتقل أبو مثنى تقبله الله تعالى إثر هذا إلى العمل في مجموعة أمنية لاستهداف مرتدي الـ PKK وقوات التحالف الصليبي في مختلف المناطق، وهيأ الله تعالى لها النجاح في تنفيذ العديد من الهجمات ضدهم والتي حصدت المئات من المرتدين بين قتيل وجريح.
- شهادة في سبيل الله نحسبه
في السنة الأخيرة من حياته طلب أبو مثنى تقبله الله تفريغه لطلب العلم، والتحق بدورة شرعية في معهد (الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله) في مدينة الميادين، درس فيها علوم الآلة وفقه الإمام أحمد من كتاب (شرح عمدة الفقه) وحفظ الحديث من كتابة (عمدة الأحكام) وأجزاء من القرآن الكريم، قبل أن يعود مجددا للعمل في المفصل الأمني في الفترة التي بدأ العمل فيها على إخراج عدد من الإخوة العاملين في هذا المفصل لإنشاء مفارز أمنية فاعلة في دار الكفر يقع على عاتقها تنشيط العمل الجهادي ضد المرتدين في المراحل اللاحقة.
فعاد رحمه الله تعالى للعمل الأمني في ولاية البركة، ونشط في مناطق الشدادي وميسرة والصور التي يعرفها جيدا مع بعض الإخوة، وتمكن معهم بفضل الله تعالى من إيقاع الكثير من الخسائر في صفوف مرتدي الـ PKK الذين باتوا يشعرون بوجوده في المنطقة، وهم يعرفونه سابقا من أثر العمليات الكثيرة التي أشرف عليها طوال سنتين من الصراع معهم، وبات البحث عنه مستمراً في المنطقة، وطلب اعتقاله ملحّاً لديهم ولدى أسيادهم الصليبيين، وكان هو حذرا حريصا على أن لا يمكّنهم من نفسه وإخوانه، فيكثر التنقل بين المناطق للعمل أو الإقامة، ويأخذ بأسباب الأمن في اتصالاته ولقاءاته بالإخوة، ولكن قدر الله تعالى أسرع ولا يجدي معه الحذر.
وهكذا تفاجأ تقبله الله تعالى بحاجز "طيار" للمرتدين جنوبي الشدادي أثناء انتقاله بين القرى بدراجة نارية، فاستلّ سلاحه واشتبك معهم فورا موقعا فيهم قتلى وجرحى، وتمكنوا هم من إصابته بجروح قاتلة، مات على إثرها تقبله الله تعالى.
ولا زال إخوان أبي مثنى الحسيني -تقبله الله تعالى- في البركة والخير والرقة وحلب ينكلون بمرتدي الـ PKK وأسيادهم الصليبيين، وتزداد وطأة ضرباتهم عليهم، وتنالهم وهم في عقر دارهم، ولن يوقف الجهاد في سبيل الله تعالى مقتل جندي ولا أمير، ولا انحياز من قرية أو مدينة، فهو قائم بحمد الله حتى قيام الساعة، يرفع الراية فيه أقوام من بعد أقوام حتى يرث اللهُ الأرض ومن عليها.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 193
الخميس 29 ذي القعدة 1440 هـ
