حجج المفلسين بعد موجة التقارير الأمنية التي أطلقها الصليبيون طوال الفترة الماضية، وكانت تحذّر ...

حجج المفلسين


بعد موجة التقارير الأمنية التي أطلقها الصليبيون طوال الفترة الماضية، وكانت تحذّر من إمكانية "عودة" الدولة الإسلامية، وتعرب عن "قلقهم" من ذلك؛ هاهم اليوم يقرون صاغرين في أحدث تقاريرهم بأن الدولة الإسلامية عادت ووقع ما كانوا يحذرون، لكنهم عمدوا إلى تفسير أسباب هذه "العودة" بتفسيرات واهية لا تعدو كونها محاولات تبرير وترقيع، وحجج مفلسين حائرين عاجزين تقطعت بهم الأسباب وفقدوا الحلول.

لكن الصليبيون لم يعترفوا بهذه "العودة" من أول مرة، بل استغرقوا السنوات الثلاث الأخيرة وهم يتدرجون في هذا الإقرار الثقيل الذي أفسد عليهم نشوتهم التي لم تدم طويلا بعد ملحمة القرن "الباغوز"، والتي قالوا عنها إنها "الجيب الأخير" لجنود الخلافة!

ليتضح لاحقا للصليبيين ولغيرهم أنها كانت بعثا جديدا لمشروع الدولة الإسلامية وانتقالا له إلى أصقاع أخرى من الأرض، كما كانت دافعا إيمانيا قويا ونموذجا يُحتذى لالتحاق جيل جديد من المسلمين بهذه الدولة المباركة، بعد أن رأوا ذلك الثبات الأسطوري لقادتها وجنودها وذراريهم في وجه تلك الأهوال التي لم يعرف عنها العالم إلا القليل وحسبنا أن الله تعالى رأى وعلم.

وتدرّج الصليبيون في هذا الاعتراف بدءا بتصريحاتهم القديمة حول "وجود خلايا ما زالت تنشط في العراق والشام" إلى قولهم إن الدولة الإسلامية "يصعب القضاء عليها نهائيا" وقولهم إنها "لا تزال تشكل تهديدا حقيقيا" ثم قولهم إنها "نجحت في إعادة تجميع شتاتها" إلى محاولتهم تخفيف هول الصدمة على أنفسهم وأتباعهم بالإعلان عن أن "تنامي نشاطها" يقتصر على ملاذات ومناطق معينة ومحاولة حصر المشكلة في هذه المناطق دون غيرها، وظلوا يتهربون من الحقيقة ويرقّعون إلى أن اتسع الخرق عليهم وأصبحت "عودتها" أمرا واقعا لا تخطئه العين، فلم يجد الصليبيون بدّا من الاعتراف بذلك لأسباب مختلفة منها تهيئة شعوبهم وجيوشهم لما هو أسوأ!
ففرنسا مثلا الدويلة الصليبية التي غرقت جيوشها في رمال إفريقية، كانت مطلع العام تقول إنه "يمكن الحديث عن شكل من أشكال عودة الدولة الإسلامية"، ثم لم يمضِ سوى ثلاثة أشهر فقط على هذا التصريح، حتى عادت وزارة دفاعهم خاسئة لتعترف بأن الدولة الإسلامية "عادت للظهور مجددا".

ومع تأكيدنا على أن الدولة الإسلامية لم تختف لتظهر مجددا ولم تذهب لكي تعود كما يتحدث هؤلاء، بل ظلت باقية صامدة ماضية في جهادها، ولا أدلّ على ذلك من حصاد عملياتها العسكري الذي لم يتوقف بفضل الله تعالى في مختلف الولايات؛ إلا أننا نسلط الضوء اليوم على فشل الحكومات والجيوش الصليبية وتخبّطها في حربها ضد جنود الخلافة، وكيف حطّم المجاهدون بمعاول الإيمان وثن القوى الصليبية التي أخفقت -بقطبيها الأمريكي والروسي- أمام ثبات جنود الدولة الإسلامية والذين مازالوا ماضين ومصممين على مواصلة طريقهم حتى دابق وروما والقدس بإذن الله تعالى.

ولتبرير بقاء الدولة الإسلامية وانتشارها بعد كل حملاتهم عليها، صار الصليبيون يصرّحون بأنها "نقلت قاعدة عملياتها ومركز ثقلها إلى مناطق جديدة" غير العراق والشام، فمرة إلى خراسان، ومرة إلى جنوب شرق آسيا، ومرة إلى إفريقية والساحل، ومرة إلى سيناء، وكلما تصاعدت هجمات المجاهدين في صقع من الأرض قالوا إن الدولة الإسلامية نقلت مركز ثقلها إليه.

والحقيقة التي يحاول الصليبيون أن يغمضوا أعينهم عنها، هي أن الدولة الإسلامية لم تنقل مركز ثقلها من منطقة إلى أخرى، بل زادت أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم في كل مكان وطأته أقدام جنودها الأباة، وهذا هو التطبيق العملي لفريضة الجهاد التي لا تحدها حدود ولا سدود.

وغدا من الطبيعي أن يقول الصليبيون مرة بعد أخرى إن هجمات جنود الخلافة "خلال فترة معينة من العام قد زادت بشكل كبير مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق" ولم يعد يمر عليهم عام إلا والذي بعده أشدّ عليهم وأنكى بهم بفضل الله تعالى.

وللتغطية على خيبتهم، أرهق الصليبيون والمرتدون أنفسهم وهم يحاولون تفسير أسباب هذه "العودة" بتفسيرات كثيرة متناقضة، بعضها قديم قدم هذا الصراع بين الحق والباطل، وبعضها يتجدد مع كل تمدد يحرزه المجاهدون على الأرض.

ومِن هذه التبريرات قولهم: إن "الانسحاب الأمريكي من العراق ساهم في ولادة الدولة الإسلامية"، فما الذي أجبرهم على الانسحاب إذا؟ وهل هذا الانسحاب سبب لعودتها أم نتيجة لحروب الاستنزاف التي سعّرها المجاهدون عليهم في كل مكان نزلوا فيه؟!

ومنها: انشغال الحكومات الكافرة بالتصدي للوباء الفتاك، فأين كان الوباء يوم هربوا أول مرة من العراق؟ وهل كان الوباء سببا لسقوط الموصل والرقة وفرار جيوش حلفائهم بالمئات أمام تقدم المجاهدين؟!

ومِن أسخفها قولهم: "عدم جدية التحالف والحكومات في محاربة الدولة الإسلامية"! ولو تعرضت دولهم لعشر معشار القصف الذي صمد تحته أشبال الخلافة فضلا عن جنودها في الباغوز والموصل، لسقطت دولهم إلى الأبد.

ومِن أكثر الحجج والتفسيرات التي يكررها الصليبيون ويفضّلها المرتدون حول أسباب تضاعف أعداد المجاهدين؛ هي الفقر والبطالة!، فمن وجهة نظرهم يشكّل الفقر عاملا أساسيا في صعود الدولة الإسلامية في غرب ووسط إفريقية مؤخرا، فهلّا يخبرنا هؤلاء ما الذي دفع المئات من أثرياء المسلمين من أبناء الجزيرة العربية إلى النفير إلى دولة الإسلام؟ وما الذي دفع المئات من المسلمين في أوروبا الصليبية ليفعلوا الأمر نفسه؟ وما الذي يدفع رجالا يتحرقون شوقا اليوم للوصول إلى بوادي الشام وصحاري الأنبار أو مستنقعات تشاد أو إلى عشش سيناء؟!، إلى غيرها من دعاوى البطالين وحجج المفلسين.

إننا إذْ نستعرض هذا الإخفاق والإفلاس الصليبي، فإننا نستذكر يوم كانت الحمم تنهمر في الباغوز على أجساد المؤمنين الذين نهلوا من معين التوحيد الصافي فأنساهم عذوبته هول الموقف! بينما ظنّ الصليبيون والمنافقون يومها أنهم قضوا على المجاهدين في ذلك "الجيب"، إلا أن ظنونهم خابت بفضل الله تعالى واشتعلت جذوة التوحيد اليوم، وسيتعاظم أوارها حتى تحرق جيوشهم في دابق.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 284
الخميس 17 رمضان 1442 هـ