{ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } كثيرة هي الأساطير والخرافات ...

{ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ }


كثيرة هي الأساطير والخرافات المتداولة في أوساط الأحزاب المنتسبة للإسلام زوراً، والتي يتلقفها الأفراد مِن أفواه مَن يتبعونهم على ضلال دون تحقيق أو قياس إلى الواقع، بعضها يكون منشؤه دعائيا ثم يتحول إلى منهج عمل، وبعضها لا يقصد منه إلا خداع السذج والأغرار من الأتباع ليستمروا في السير على الطريق المرسوم لهم.

ومن الكلام الدارج كثيراً على ألسنة قادة تلك الأحزاب المرتدة، والذي جعلوه قاعدة ثابتة وأصلاً راسخاً، قولهم إن الناس في بلدان المسلمين إذا رُفعت عنهم قبضة الصليبيين والطواغيت فإنهم سيختارون -بدون شك- أن يُحكموا بشريعة الإسلام، ولذلك فإن تلك الأحزاب تزعم أن عملها يقتصر على فتح المجال أمام الناس ليختاروا هم إقامة الدين بحرية، وأنهم بذلك يحترمون إرادة الناس.

ومثل هذا الكلام ينطوي على أمور عديدة، منها ما هو أخبار لا تثبت أمام امتحان الشرع والعقل والواقع، ومنها ما هو وعود وعهود أثبت الواقع كذبها وغدْر مَن يُطلقها، ومنها ما هو إعلان مراوغ للرضا بالكفر يخفيه مطلقوه تحت ستار من الوجوه المحتملة.

ويكفي لتكذيب هذا الكلام ما رأيناه ونراه واقعا في بعض البلدان التي يختار فيها الناس مَن يريدون مِن الحكام وما يحكمون به، فإنهم لم يختاروا كلهم مَن يزعمون أنهم يدافعون عن الإسلام، ويسعون لإعادته حاكما للناس، بل اختاروا بدلاً عنهم مَن يصرّحون علناً بمعاداة الإسلام والحرص على العلمانية! وحسبنا أن نعلم أن عدد الكفار والمرتدين الذين اختاروا الطاغوت "محمد مرسي" لحكم مصر مساو -تقريباً- لعدد مَن انتخبوا خصمه الطاغوت "أحمد شفيق"! ولا شك أن "شفيق" كان معروفا لأهل مصر بكفره وعدائه للدين لكونه مِن رجال الطاغوت الأسبق "مبارك"، وكذلك الأمر في تركيا إذ أن الكفار والمرتدين المنتخبين للطاغوت "أردوغان" هم أقلية إذا ما قورنوا بمجموع الكفار والمرتدين الذين انتخبوا كل خصومه في الانتخابات.

فإن كان مقياس الانتخابات الشركية التي يسعى إليها مرتدو الأحزاب الكافرة مقبولاً لديهم، فهو قد أثبت مراراً أن الأمر ليس كما يزعمون، وأن الناس إن تُركوا لحريتهم فسيختار كل منهم مَن يوافق هواه، أو يحسب أنه سيقدم له نفعاً أو يدرأ عنه ضرراً، أو مَن هو أقدر على خداعهم وتضليلهم بالوعود والشعارات، ولن يختار مَن يزعمون رغبتهم بتحكيم الشريعة إلا أقلية!، خاصة إن خاف الناس أن تؤدي إقامة الدين إلى إغضاب الكفار وأن تتأثر بذلك معاشاتهم واقتصادات بلدانهم.

ويندرج تحت هذه القضية سؤال مهم يتهرب مرتدو الديموقراطية من الإجابة عنه، وهو إن كانوا يعذرون متخذي الطواغيت الحاكمين آلهة لهم بأنهم متأولون بفعلهم، لكونهم يختارون إقامة الإسلام من خلال انتخاب أولئك الطواغيت، فلا يكفرونهم، فبأي عذر يعذرون مَن ينتخبون الطواغيت الذين يصرّحون علناً بعدائهم للإسلام وعزمهم على تغيير شرائعه وتبديل أحكامه؟! ولعل معرفتنا أنه في حالة مَن انتخبوا الطاغوت "أحمد شفيق" في مصر كانوا قرابة 12 مليوناً من الناس يوضح حجم المشكلة على حقيقتها.

ومن جانب آخر نرى أن تلك الأحزاب المرتدة تكذّب بنفسها مزاعمها السابقة بثقتها في رغبة أكثر الناس في بلدان المسلمين بتحكيم الشريعة، بمجرّد أن يمكنها الله تعالى في أي بقعة من الأرض، حيث تمتنع عن إقامة الدين معلنة أن الناس غير مهيئين بعد لأن يحكموا بالشريعة، وأنهم سيفرغون جهودهم لدعوة الناس وتعريفهم من جديد بدين الإسلام حتى يصبحوا مهيئين لأن يحكموا بدين الإسلام.

والحق الذي هدى الله تعالى قادة الدولة الإسلامية إليه هو التفصيل الذي يتيح تكوين تصور واقعي لحال الناس والحكم عليه ومعاملتهم وفق ذلك، فليس كل الناس الذين يعيشون في بلدان المسلمين هم من الذين سينصرون الدعوة لإقامة الدين وتحكيم شريعة الله على كل حال ومهما كانت التوقعات لتعرضهم لضرر في معاشهم جراء ذلك، ولا أغلبهم، وكذلك فليس كلهم سيُظهرون المعاداة لهذا الأمر ويناصبونه العداء ويمنعونه بكل ما استطاعوا.

بل الناس منقسمون إلى ثلاث طوائف، مؤمن بالله تعالى يحبّ دينه ويحرص على إقامته ويدافع عنه، فهذا يُحكم بإسلامه ويعامل معاملة المسلمين في كل شيء، وقسم ثانٍ كافر معاند محارب لدين الله تعالى، يُظهر العداء له والحرب عليه، أو يظاهر أولياءه الكافرين على المسلمين لمنع إقامة الدين وتثبيت حكم الجاهلية، فهذا يُحكم بكفره ويقاتل عليه، وقسم ثالث لا يحبّ الدين وأهله أو يحبّ الشرك وأهله، أو يحبّ ما ينفعه في دنياه ويكره ما يضرّه فيها ولو كان دين الله سبحانه!، ولكنه مع ذلك لا يظهر شيئا من ذلك بل يعيش بين المسلمين ويظهر أنه واحد منهم ولا يظهر الموالاة للكفار والمرتدين عليهم، فهذا منافق يُعامل معاملة المسلمين ما بقي على حاله، فهو مسلم في الظاهر كافر مرتد في الباطن حسابه على الله العظيم، فإن أظهر الكفر بأي صورة كانت، ألُحق بالطائفة السابقة وعومل معاملة المرتدين ولو كان يزعم الإسلام.

فمن المهم على العاملين لإقامة الدين أن ينتبهوا لهذا الأمر قبل تمكنهم في الأرض، وأن يفرقوا بين الناس، فينصروا المؤمنين ويستنصروهم لإقامة الدين، ويحذروا من المنافقين ويتعرفوا عليهم بسيماهم، ويحاربوا الكفار والمرتدين ويغلظوا عليهم، والحذر كل الحذر أن يخلطوا بين هذه الطوائف في المعاملة، فيعاملوا المؤمن معاملة الكافر، أو يعاملوا المنافق معاملة المؤمن، فهو ظلم عظيم، وهو من أبواب الهزيمة والخسارة في الدنيا والآخرة، والحمد لله رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 274
الخميس 6 رجب 1442 هـ