ما يتعلق بألفية ابن مالك-رحمه الله تعالى- من مُلَحٍ وطرائف ونوادر جمع وإعداد: محمد علي عباد ...

ما يتعلق بألفية ابن مالك-رحمه الله تعالى- من مُلَحٍ وطرائف ونوادر
جمع وإعداد: محمد علي عباد حميسان

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن اقتدى بهداه، أما بعد.
فمن المعلوم أن ألفية ابن مالك -رحمه الله تعالى- في النحو والصرف، والمسماة بـ "الخلاصة" من المنظومات اللاتي تلقّاها أهل العلم بالقبول، وبلغت شهرتها الخافقين، وسارت بها الركبان، واعتكف عليها المشايخ وطلبة العلم حفظاً وشرحاً، وهذا دليل إخلاص ناظمها، وغزارة فوائدها، وجودة سبكها.
ولما اهتم العلماء بنشر فوائدها وتوضيح مكنوناتها، وذكر شواهدها، حصل من ذلك بعض المُلَح والنوادر التي لا تخلو من فائدة أو طرفة، وقد جمعت ما استطعت الوصول إليه من ذلك، فجمعتُ من فوائد بعض المشايخ في ملتقى أهل الحديث وبطون الكتب، وما استفدته مشافهة من بعض مشايخي الفضلاء، فأرجو أن تنال استحسان القراء الكرام، وأكون ممن يُدخل السرور على أخيه المسلم، راجياً ممن قرأها دعوة صالحة، فنشرع وبالله تعالى التوفيق والسداد.

1 - قال ابن حمدون في حاشيته على شرح المكودي 1/ 23 :" ويروى أن ابن مالك زاد بعد هذا " [أي قول ابن مالك في المقدمة: فائقة ألفية ابن معطي] "فائقة منها بألف بيت" ثم وقف، ولم يستطع الزيادة على هذا الشعر أياماً، فرأى شخصاً في منامه فقال: سمعت أنك تضع ألفية في النحو، قال ابن مالك : نعم، فقال: إلى أين وصلت فقال: إلى "فائقة منها بألف بيت" فقال: ما منعك من إتمام هذا البيت؟، فقال له: عجزت منذ أيام، فقال له: أتريد إتمامه؟ قال له: نعم، فقال له: " والحي قد يغلب ألف ميت"، فقال له: لعلك أنت ابن معطي، قال له: نعم، فاستحيا منه، فلما أصبح أسقط ذلك الشطر وقال "وهو بسبق... الخ ".والإنصاف أن نظم ابن مالك أجمع وأوعب، ونظم ابن معطي أسلس وأعذب.

***
2 - أتى امحمد ولْ أحمديورَ يومًا إلي حي بني مالكٍ التندغيين مرافقًا عمه و شيخه العلامة محمدْ فالْ بن محمذن - ببَّها، فاستقبلهم شيخ الحي. وكان لمرابط ببّها يعرفه عن طريق السماع فقط، و لم يسبق له أن رآه.
فلما كان منهما الرجل بمكان لا يستطيع فيه امحمدْ تعريف لمرابط ببّها بالرجل، قال امحمدْ: "أيٌّ كَما"، ففهم لمرابط ببها الإشارة وسلم على الرجل باسمه.
والنكتة في القصة أن قول امحمد "أي كما" مقطعٌ من بيت من ألفية ابن مالك هو:

أيٌ كَما وأُعربتْ ما لمْ تُضفْ
وصدرُ وصلها ضميرٌ انحذفْ


وشاهد البيت قول الشاعر:
إذا ما لقيتَ بني مالكٍ
فسلِّمْ على أيُّهمْ أفضلُ


فعند ذكر امحمد للمقطع، انصرف ذهن لمرابط ببها إلى بيت الألفية، ثم من بعده إلى شاهده، ثم فهم من الشاهد أنه بصدد السلام على أفضل بني مالك، أي رئيسهم .. فسلم عليه باسمه.
(منقولة عن حامد ولد الفالي)

3 - وقد ذكر أحد الفضلاء أنه وقع للرجلين موقف مشابه لما وقع في قصة "أيٌّ كما "، ذلك أن أسرة أهل اشْنِـينْ كانوا نازلين بقرب الحي الذي فيه لمرابط ببها و امحمد، فأتى والدهم بابَ ولْ اشنينْ يومًا للسلام على لمرابط ببها وكان امحمد حاضرا بالمجلس مدركاً أن عمه وشيخه لم يعرف الرجل فقال امحمد مخاطبا لمرابط ببها: "هلْ رأيتَ الذيب قط" ففهم منها لمرابط الإشارة إلى المذق الذي وصفه الراجز بقوله:
حتى إذا جنَّ الظلامُ و اختلطْ
جاؤوا بمذقٍ هلْ رأيت الذيب قطْ


وذلك المذق الذي تلك صفته هو ما يعرف عندنا محلياً ب " إشنينْ" و لا يخفى ما في ذلك من الإشارة لاسم الأسرة النازلة بقربهم، عندها سلم لمرابط علي باب و بدأ معه الحديث.

***
4 - ذكر أبو عبد الرحمن عبد الله بن اجدود الملقب "العباد" طرفة في كتابه "الضبط لعلمي الرسم والضبط" ص 79 بعد إنْ انتهى من ذكر بعض ما يقع فيه الطلبة من فاحش لحن الخط مع ذكر نماذج لذلك لئلا يقع فيها أمثالهم نحو (كماء أنزلناه) قد يكتبها البعض (كما إن أنزلناه)، أو (فتنقلبوا) يكتبها (فتن قلبوا) فقال:
طرفة: هذا النوع يسمى التحنكيل بالعامية، والفعل منه "حنكل" ويقال إن اشتقاقه أن أبا عذرته كتب بيت الخلاصة من باب "لا الجنسية" [هكذا]:

وَرَكّبِ الْمُفْرَدَ فَاتِحَاً كَلاَ
حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ وَالْثَّانِ اجْعَلاَ

كتبه هكذا:
وَرَكّبِ الْمُفْرَدَ فَاتِ حَنكَلاَ
حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ وَالْثَّانِ اجْعَلاَ


فجعل "فات" كلمة و"حنكل" كلمة، فصار كل من فعل شيئاً من هذا القبيل يقال له: "قد حنكل"

***
5 – ذكر العلامة محمد الحسن ولد الددو –حفظه الله تعالى- أثناء لقاء معه على قناة دليل الفضائية في برنامج "سوانح الذكريات" الحلقة الخامسة أن أحد جداته نزل عليها ضيوف –رجال مسافرون- وبينهما وبينهم ساتر خفيف، وهم يظنون أنها لا تسمعهم، فأرسلَتْ إليهم كل لبن الإبل، فلما شربوه ظنوا أنه ممزوج بماء، فقال أحدهم:
ونعتوا بجملةٍ منكّرا
فأُعطيتْ ما أعطيتُهُ خبرا


فسمعت جدته ذلك، وسمعت ضحك الضيوف، فعرفت أنه ما قصد هذا البيت، وإنما قصد البيت الذي بعده، وهو:
وامنع هنا إيقاع ذات الطَّلَبِ
وإنْ أتت فالقولَ أضمِرْ تُصبِ


فالبيت هذا شاهده:


أتيت غسان ومعزاهم تئطْ

بلبنٍ لها ورَسْلٍ وأقِطْ

حتى إذا جَنَّ الظلامُ واختلَطْ

جاءَوا بِمَذْقٍ هل رأيتَ الذئبَ قَطْ


فأجابتهم من وراء الساتر، فقالت: لا والله ليس فيه ماء، وإنما الإبل في الصيف ليس لها غذاء إلا ما تشربه من المياه، فاستغربوا وقالوا: ما تكلمنا في هذا الموضوع، قالت: بلى، أنت قلت هذا البيت إشارة إلى الى البيت الذي بعده، والذي شاهده كذا وكذا...

***
6 – حدثنا شيخنا العلامة د. أحمد بن عبد العزيز الحداد –حفظه الله تعالى- أن أحد العلماء المغاربة كان مسافراً للحج، فمر على إحدى البلدان ولعلها مصر، فسأل عن عالم بها حتى يستريح عنده ويؤانسه، فدُلَّ على بيت أحدهم، فطرق عليه الباب، فسأل صاحبُ البيت: مَن الطارق؟، فقال: رجل. وكان صاحب المنزل عالماً بالنحو، فقال: لا يجوز الابتدا بالنكرة.
فقال الشيخ المسافر:
.....................................
مَا لَمْ تُفِدْ كَعِنْدَ زَيْدٍ نَمِرَهْ

وَهَلْ فَتَىً فِيكُم فَمَا خِلٌّ لَنَا
وَرَجُلٌ مِنَ الكِرَامِ عِنْدَنَا

وَرَغْبَةٌ فِي الخَيْرِ خَيْرٌ وَعَمَلْ
بِرٍّ يَزِينُ وَلْيُقَسْ مَا لَمْ يُقَلْ


فانظر كيف أجاب، وشرح حاله، وطلب البر، وغير ذلك، بأبيات من الألفية.

وللفائدة: فالشافعية يذكرون بأن المقصود في هذه الأبيات هو الإمام النووي، بينما يذكر الحنابلة أن ابن مالك قصد محمد بن أبي الفتح البعلي، وهو أوّل شارح للألفية، وهما من تلاميذ ابن مالك –رحم الله تعالى الجميع-.

***

7 - نقل أحد طلبة العلم عن الشيخ عبد العزيز البِرْماوي -رحمه الله تعالى-أنه حدثهم أثناء شرحه الألفية فقال: كان بالأزهر شيخ شديد على الطلاب يقال له الشيخ الخراشي، وذات يوم امتحن الشيخ الطلاب، وكان أحد الطلاب يعاني من شدة الشيخ عليه، فجاء من نصيب الطالب سؤال عن الترخيم، وطلب منه الشيخ أن يسمعه ما قال ابن مالك في الترخيم، فكان ينبغي أن يذكر الطالب قول ابن مالك :
تَرْخِيماً احذِفْ آخِرَ المُنَادَى
كَيَا سُعَا فِيمَنْ دَعَا سُعَادا


لكن الطالب أراد أن يحرج الشيخ فغيّر في البيت وقال:
ترخيما احذف آخر الحواشي
كيا (خرا) لمن دعا خراشي


فغضب الشيخ ، وعُقِد للطالب مجلسٌ لتأديبه ومحاكمته وقرروا فصله من الجامعة لمدة سنة على ما أذكر بسبب هذا البيت .

8 - ومثلها ما ذكره الكاتب سعيد الصباح تحت عنوان "تساؤل صديق" قائلاً:
روى لي الشاعر الجزائري السائحي الأكبر، أثناء انعقاد مؤتمر الأدباء والكتّاب العرب في تونس، أواخر العام 1990 ، أن له صديقاً يدعى زهنون الخراشي، فاتبع مبدأ الترخيم حين ناداه ِشعراً:
ترخيماً إحذف آخر الحواشي
كــ”يا…..” [فيمن] دعا خراشي


***

9 - كان أحد المدرسين في أحد المعاهد يشرح ألفية ابن مالك، فجاء الحديث عن علامات الفعل الماضي، فقال الطالب للمدرس: ما رأيكم بقول ابن مالك؟:
وجوزوا دخول لم على المضي
كـ لم أتى ولم سعى ولم رضي


فاحتار المدرس وقتاً داخل المعهد وخارجه، وفي الأخير أفاده الطالب أنه من اختلاقه.
***

10 - قيل بأن أحد النحاة كان له بنت في سن الزواج، فجاء لخطبتها رجلان، أحدهما، ابن عمها وهو فقير، والثاني تاجر من التجار لكنه بعيد.
فعرض الأب على ابنته الأمر، فقال لها : ما رأيكِ؟
فقالت: الأمر لك يا والدي. [وكان هواها مع ابن عمها]
فقال لها: أمّا أنا فأختار لك التاجر؛ لأنه سيريحيك، ووو ..
فقالت وكانت فطنة: ولكن ابن مالك يقول :
وَفِى اخْتِيَارٍ لاَ يَجِيءُ الْمُنْفَصِـلْ
إِذَا تَأَتَّى أَنْ يَجِيءَ الْمُتَّصِـلْ


فقال الأب: سلمنا لابن مالك !!

***
11 - قال أحد الفضلاء: حدثنا شيخنا النحوي الفاضل محمد أحيد ولد عمر ولد محم بوبة نزيل المدينة النبوية حفظه الله أن الشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي -رحمه الله تعالى- (ت:1363هـ) استضافه أحد الناس فقدم له طعاما ووضع الملاعق حوله فأكل الشيخ بيده ولم يأكل بالملعقة فقال الرجل للشيخ محمد: مالك لا تأكل بالملعقة يا شيخ؟ فقال الشيخ على البديهة: يقول ابن مالك في ألفيته:
وَفِى اخْتِيَارٍ لاَ يَجِيءُ الْمُنْفَصِـلْ
إِذَا تَأَتَّى أَنْ يَجِيءَ الْمُتَّصِـلْ


والملعقة في حكم المنفصل .

قال لي الشيخ الفاضل د. محمد أبو بكر باذيب –حفظه الله تعالى-: والذي نحفظه وهو مثبت في كتب رحالة الحضارم ومدوناتهم أن الذي استشهد ببيت الألفية في تناول الأكل باليد دون الملاعق هو العلامة الفذ الحبيب أحمد بن حسن العطاس تـ 1334هـ. قال ذلك في ضيافة أقامها له شيخ الإسلام الأنبابي تـ 1313هـ بمناسبة وفود الحبيب أحمد إلى القاهرة.
ولا مانع من تعدد الحادثة للشيخ الحبيب وغيره.
***

12 - في حاشية ابن الحاج على شرح المكودي للألفية 1/130 :قال ابن غازي : ورد علينا أيام كنا بمدينة مكناسة من أعيان ( سلا ) الأديب المجيد أبو سعيد بن محمد فحاجانا بقوله:

يا قارئا في النحو ألفيةً قد جمعت
في النحو معظم ما في النحو قد قيلا

إن كنت تفهمها فهما تحوز به
أسرارها حين تخفى والأقاويلا

في أي بيت بها قد جاء فاعلها
فعلا ومن فاعلٍ قد جاء مفعولا


قال ابن غازي بعد بيتي أبي سعيد :فأوقع الله في قلبي أنه أراد: ويرفعُ الفاعلَ فـِـعلٌ أضمرا، فقلت مجيباً له :

فدتك نفسي فقد أحسنت تمثيلا
وفُقْت كلَّ الورى نظماً وتسجيلا

قد جاء ذاك بها في باب فاعلها
من بعد أربعة في النظم تكميلا


يريد ابن غازي البيتَ الخامس من باب الفاعل: ترفع كان المبتدا اسماً ...إلخ

13 - وألغز فيه أحدهم فقال:
يا قارئاً ألفية الجياني
وسالكاً في أحسن المعاني

في أي بيت جاء فعل فاعلا
والمبتدأ من بعد مفعولا


فأجاب ابن حمدون:
يا أيها الحبر الهمام السيد
أبقاك رب للعباد ترشد

أهديت لغزا في الخلاصة بدا
في قوله ترفع كان المبتدا


وأجاب أحدهم أيضاً فقال:
ألغزت لغزاً يا خليلي قد بدا
في قوله: ترفع كان المبتدا


***
14 - قال الشيخ عصام البشير-حفظه الله تعالى-: حدثني شيخي الشيخ مصطفى النجار أن أحد الطلبة قرأ على شيخه عنوان (أفعال المقاربة) من ألفية ابن مالك، فصحفها وقال: (أبغال المغاربة).

***
15 - قال الشيخ أبو مصعب الجهني –حفظه الله تعالى-: كنت مع مجموعة من صغار الطلبة -في السن-فجاء أحد الشباب يريد أن يدرس شئياً من الألفية على أحد زملائه، وكان قد أصيب بوعكة عقلية قبل ذلك، فقال له: اشرح لي قول ابن مالك:

وكل حرف مستحق للبنا
والأصل في المجنون أن يُسَكَنا


يسكن بلهجتنا يعني أن توضع الأغلال في يديه كيلا يضر الاخرين

***

16 - قال ابن مالك في ألفيته:

تَرْفَعُ كَانَ المبْتَدَا اسْماً وَالْخبَرْ
تَنْصِبُهُ كَكَانَ سَيِّداً عُمَرْ


فقام أحد الرافضة بتغييره، فقال في حاشيته على البهجة المرضية للسيوطي:

ترفع كان المبتدأ وما يلي
تنصبه ككان سيدا علي


***

17 - كان الشيخ الشاعر عامر الأنبوطي (ت.1173) –رحمه الله تعالى-يعمد إلى المتون المشهورة فيعارضها، ومما جاء في معارضته لألفية ابن مالك:

يقول عامـر هو الأنبـــــوطي
أحمد ربي لســــت بالقنوطــي

وأستعيـــــن الله في ألفــية
مقاصد الأكل بــها محـــــوية

فيـــها صنوف الأكل والمطـاعم
لذت لكل جائع وهـــــــاتم


وفيها يقول :

طعامنا الضاني لذيذ للنهم
لحماً وسمناً ثم خبزاً فالتقـم

فإنها نفيسة والأكل عـمّ
مطاعماً إلى سناها القلب أمّ


وفيها:
والأصل في الأخباز أن تقمّرا
وجوزوا التقديد إذ لا ضررا

وامنعه حين يستوي الخرفان
فإنه يعيق أكل الضــاني


ويقول أيضاً:

وخير ما في غربنا يلتمس
حبّ مكركب يسمى الكسكس

وقهوتان في الصباح والمسا
ومن يزد عليهما فقد أسى


***
18 - سئل الشيخ عدود –رحمه الله تعالى- عن لبس السراويل في الإحرام؟
فقال من ألفية ابن مالك :

ولِسَراويلَ بِهذا الجمعِ
شَبَهٌ اقتضى عمومَ المَنعِ


وسئل ما حكم شرب البيبسي؟
فقال منها – أيضاً:

والرفْعُ في غيرِ الذي مَرَّ رَجَحْ
فما أُبيحَ افْعَلْ ودَعْ ما لمْ يُبَحْ


***

19 - ذكر الشيخ العيكفي –أيده الله تعالى-أن أحد المدرسين في درس الألفية قرأ:

وَمِثْلُ كَانَ دَامَ مَسْبُوقاً بِمَا
كَأعْطِ ما دمت مُصِيباً دِرْهَما


فسأله طالب أليس الحديث "أن تصدق وأنت صحيح شحيح" فالمظنون بابن مالك أن يكون هذا مراده: كأعط ما دمت صحيحاً درهماً.
فلما رجعنا إلى الشروح لم نجد تخريجاً أحسن من هذا.

***

20 - ألغز ابن غازي المكناسي –رحمه الله تعالى- فقال:

حاجيتكم معشر جمع النبلا
المعربين مفردا وجملا

ما ألف بيت دون شطر نصبت
بوتد منه رقيتم للعلا


والإجابة هي ألفية ابن مالك عدا الشطر الأول من البيت الأول، فـ "قال": فعل، و"محمد" فاعله، وجملة "هو ابن مالك" معترضة لا محل لها من الإعراب، وما بعدها إلى آخر الألفية في محل نصب بـ "قال".
وقد أجاب العالم الموريتاني أباه بن أبوه نظماً فقال:

ألفية بن مالك الحبر الأجل
هي الجواب ما عدا الشطر الأُوَل

نصب محلها بقال قد ظهر
وكون قال وتدا فيه نظر



***
21 - مما قيل في مدح الألفية قول ابن المجراد:

خلاصة النحو لا أبغي بها بدلا
مستغرقا درسها في كل أوقاتي

قد جمعت لب علم النحو مختصرا
نظما بديعا حوى جل المهمات

قل لابن مالك إني قد شغفت بها
لم يأت مثل لها يوما، ولا يأتي

وها أنا أسأل الرحمن مغفرة
له تبوئه في خير جنات


***

22 - وقال بعض المغاربة يمدح ألفية ابن مالك ويعرض باللخمي –رحمه الله تعالى- صاحب "التبصرة" لمخالفته مذهب الإمام مالك في بعض المسائل وتخريجها على غير مذهبه، حتى قيل إنه ممزق مذهب مالك ومقطع أوصاله.

لقد مَزَّقتْ قلبي سِهامُ جُفونها
كما مَزَّق اللخميُّ مذهبَ مالكِ

وصال على الأوصال بالقَدِّ قَدُّها
فأضحت كأبيات بتقطيع مالكِ

وقُلِّدْتُ إذْ ذاك الهوى لمرادها
كتقليد أعلامِ النحاة ابْن مالك

وملكتها رقّي لرقّة لفظِها
وإن كنت لا أَرضاه مِلْكا لمالك

وناديتها: يا مُنْيتي، بَذْل مُهْجتي
ومالي قليلٌ في بديع جمالكِ


***
محمد بن يوسف المراكشي التاولي المالكي أحد فقهاء المغاربة الممتطين سنام الفضل وغاربه، ... وعَلم فضل أشهر من نار على علم، له فى الأدب يد لا تقصر عن إدارك غاية، وباع تلقى راية البلاغة فكان عرابة تلك الراية، ومن نوابغ كلمه... قوله من أرجوزة ضمّن فيها مصاريع من ألفية ابن مالك مدح بها شيخه الحافظ أبا العباس المقرئ وقال فيه:

ذاك الإمام ذو العلاء والهمم ... "كعلم الأشخاص لفظاً وهو عم"
فلن ترى فى علمه مثيلا ... "مستوجباً ثنائي الجميلا"
ومدحه عندى لازم أتى ... "فى النظم والنثر الصحيح مثبتا"
أوصاف سيدى بهذا الرجز ... "تقرب الأقصى بلفظ موجز"
فهو الذى له المعالى تعتزي ... "وتبسط البذل بوعد منجز"
رتبته فوق العلى يا من فهم ... "كلامنا لفظ مفيد كاستقم"
وكم أفاد دهره من تحف ... "مبدي تأول بلا تكلف"
لقد رقى إلى المقام الباهر ... "كطاهر القلب جميل الظاهر"
وفضله للطالبين وجدا ... "على الذي فى رفعه قد عهدا"
قد حصل العلم وحرر السِّيَر ... "وما بإلا أو بإنما انحصر"
فى كل فن ماهر فيه ولا ... "يكون إلا غاية الذى تلا"
سيرته سارت على نهج الهدى ... "ولا يلى إلا اختيارا ابدا"
وعلمه وفضله لا ينكر ... "مما به عنه مبينا يخبر"
يقول دائما بصدر انشرح ... "اعرف بنا فاننا نلنا المنح"
يقول مرحبا لقاصد ومَن ... "يصل إلينا يستعن بنا يعن"
والزم جنابه واياك الملل ... "إن يستطل وصل وإن لم يستطل"
واقصد جنابه ترى مآثره ... "والله يقضى بهبات وافره"
وانسب له فإنه ابن معطى ... "ويقتضى رضا بغير سخط"
واجعله نصب العين والقلب ولا ... "تعدل به فهو يضاهى المثلا"

ترجمته من كتاب خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر 4/272




تم بحمد الله تعالى