الدولة الإسلامية / مفخرة سيدني لم تسلَم أي عملية للدولة الإسلامية في عقر دار الكافرين، من ...

الدولة الإسلامية / مفخرة سيدني

لم تسلَم أي عملية للدولة الإسلامية في عقر دار الكافرين، من التشكيك والتخوين سواء تبنتها الدولة الإسلامية رسميا أو أشادت بها ضمنيا أو سكتت عنها عمدا وتركت العدو حائرا مترددا، وسواء تلقّى المهاجمون توجيهها ودعمها أو كانوا ثمرة تحريضها ومنهاجها، وسواء استهدفت المرتدين أو الصليبيين أو حتى اليهود الملاعين، فكل بطولاتكم أيها الغرباء لن تعجب الغثاء والدهماء.

وكان من جملة المزايدات على تلك الهجمات العابرة للحدود أنها لا تستهدف اليهود، فلمّا وقعت مذبحة اليهود في أستراليا على أيدي الثنائي الفريد، ازدادوا طعنا وفجورا وتخوينا، بل أشادوا بخائن اعترض طريق الأسود صونا لدماء اليهود، في مفارقة ليست عجيبة -على الأقل بالنسبة إلينا- لأننا ندرك يقينا أن جُدُر اليهود تملأ الآفاق، ولا يحلم المسلمون أن ينتصروا على اليهود قبل إسقاط هذه الجُدُر، وبالطبع لا نقصد الجُدُر المصطنعة فهذه تهون.

على هامش الهجوم، نخاطب الذين يقيسون الحق بقتال اليهود دون غيرهم! ويزكّون الأفراد والجماعات تبعا لذلك؛ في لوثة وطنية أُشربتها قلوبهم وأَلبسوها -غصبا- عمامة وثوبا قصيرا، ويظن هؤلاء أنه بمجرد مهاجمة اليهود، فإن الناس سيصفّقون لهم ويرضون عنهم ويلتحقون بهم، فإليكم عينة واسعة من ردود الغثاء على مفخرة سيدني، الناس -قبل الحكومات- يطعنون ويخوّنون وينسجون خيوط نظرية المؤامرة على أنغام الحانوكاه!، فأكثر الناس للحق كارهون وعنه معرضون.

ومع أن الدولة الإسلامية لم تتح لها ظروف الالتحام مع اليهود بعد؛ لم تتوقف محاولات جنودها ووفودها وأنصارها عن التخطيط لضرب اليهود في كل مكان في حرب مستعرة غير مرئية بين أجناد الخلافة وأجهزة المخابرات العالمية المسخّرة طوعا أو كرها لحماية اليهود، وقد قضى في هذه الحرب نفر أباة من خيرة جنودها لا تعلمونهم الله يعلمهم.

ولذلك، فامض أيها المجاهد في طريقك ولا تنشغل بهؤلاء ولا تلتفت إلى أولئك، وإذا عزمت فتوكل على الله، فما جاء أحدٌ بمثل ما جئتَ به إلا عودي، فأنت في سنوات خداعات كما أخبرك نبيك -صلى الله عليه وسلم- يُؤمَّن فيها الخائن، ويُخوَّن فيها الأمين، حتى غدا فيها قاتل اليهود -تديُّنا- مشبوها منبوذا، وحاميهم الشقي الأذمّ بطلا محمودا يتصدر الشاشات ويتلقى الإشادات! هذا هو واقع أمتنا اليوم، ومن الخيانة للدين، تزييفه وتجميله فانتبهوا أيها الدعاة.

أما أنتم أيها الصليبيون واليهود، فابحثوا عن هيكلية تطاردونها، وقيادة تغتالونها وخلية تعتقلونها، ابحثوا عن معسكر أو مضافة تقصفونها، وابحثوا عن مصادر تمويل تجفّفونها وخطوط إمداد تقطعونها، ابحثوا وابحثوا فلن تجدوا سوى الحسرة، ولن تجنوا سوى الفشل، فلقد دخل الجهاد مراحل أصعب وأعقد، تقف فيها كل تقنياتكم عاجزة عن وقفه، بل لعلها تكون سببا في إمضائه!

فلم يعد المجاهد اليوم بحاجة إلى كل تلك التجهيزات والتعقيدات التي كانت في مرحلة "ما قبل الدولة الإسلامية"، ولم تعد هناك حاجة ماسة إلى تحمُّل كل تلك الأعباء التشغيلية؛ الأمر يحتاج فقط إلى مجاهد تشرَّب التوحيد ونجا من شِباك الجماعات قبل شراك الحكومات، ثم تلقّى "شيفرة جهادية" هنا أو هناك عربية أو معرّبة! فانطلق كالإعصار يبحث عن هدف يهودي أو صليبي يُعْمل فيه ما تعلمه في منهاج النبوة.

منهاج النبوة لا غير، هو الضامن الوحيد لاستمرار مثل هذه الهجمات المتفرّدة، وهو ما تقدّمه الدولة الإسلامية اليوم لمجاهديها المنتشرين في بقاع العالم، تجنّدهم منهجيا وتعبئهم معنويا، ثم ترمي بهم في نحر عدوها فتدميه وتصيبه في مقتل، ولم يعد بإمكانه فعل أي شيء للخروج من هذا الكابوس.

إن إستراتيجية تلقّي الأوامر عبر الفضاء الإلكتروني تطبيقا للأمر الإلهي بقتال المشركين أينما ثُقفوا؛ هي إستراتيجية ناجعة لا تتطلب الكثير من موارد الجهاد وتتخطى كثيرا من العقبات، وتُدخل الأعداء في دوامة غير متناهية من الاستنزاف، والحل الوحيد لمواجهتها هو غلق هذا الفضاء الإلكتروني الذي صار نقمة عليهم.

ولطالما حرّضت خطابات الدولة الإسلامية وكتاباتها الرسمية باستمرار على استهداف اليهود والنصارى في أعيادهم وتجمّعاتهم، وشرحت طرقا عملية لذلك، وبيّنت أن نجاح الهجوم مقدّم على توثيقه إذا تعسّر أو تعذر، وسواء ترك المهاجم تذكارا صغيرا في مسرح الهجوم أو لم يفعل؛ فليست متلهفة لتبنّي كل هذه الهجمات المباركة -رسميا-، خصوصا أن اسمها محفور عليها بمنهاجها ودماء مجاهديها، فمن يُطيق ما تطيق؟ ومن يتبنى ما تتبنى في زمن الرقة والاستجداء؟!

وها هم اليهود اليوم ينزفون في شوارع أستراليا بعد أن لبّى الغيارى النداء ونفّذوا التوصيات باستهداف الأعياد والتجمُّعات، وتزودوا بمنهاج النبوة وانطلقوا لا يلفتون وجوههم، وانغمسوا حاسرين في عيد الحانوكاه وأحالوه مأتما، ولم يستمعوا لكل أصوات الغثاء من الأدعياء والدهماء، الذين عصموا دماء اليهود بمناهج الوهن والتمييع.
وعطفا على ما سبق، فإننا ندير سهام التحريض نحو "بلجيكا" التي تغص بـ "اللاجئين" نقول لهم: أما آن لكم أن تسجّلوا أسماءكم في قوائم المهاجرين وتترفعوا عن مراتع اللجوء، ثم تمتثلوا الأوامر الإلهية بقتال اليهود والنصارى، وهم في كل شارع بين ظهرانيكم تختلط أنفاسكم بأنفاسهم وتتراءى ناركم ونيرانهم! وتعترضكم كُنُسهم وكنائسهم، فسارعوا وسابقوا وانتهزوا الفرصة فما زال موسم الأعياد قائما، وسوق الجنة مشرعا، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

من زاوية أخرى، كشفت بعض ردود الأفعال على "هجوم سيدني" حقيقة التعاطف الكاذب مع غزة، فكثير ممّن أعاروها عواطفهم كانوا أول من استنكر الهجوم وخوّن منفّذيه، فالثوار مثلا ردّدوا في "عيد تحريرهم" في شوارع سوريا: "غزة شعار" لكن سرعان ما بان كذب هذا الشعار بعد أيام فقط في شوارع "سيدني" إلى درجة أنهم اتهموا اليهود بتدبير الهجوم!! لأسباب يندى جبين كل عاقل لمجرد مناقشتها.

وأما التعليق على مقتل جنود البنتاغون في تدمر، فمن المعضلات توضيح الواضحات، وليس أوضح من اختلاط دماء جنود "الصليب" بجنود "الثورة" في الدلالة على حقيقة القوم لمن لا يؤمن بغير المحسوس، فماذا ينتظر المترددون أكثر من ذلك وقد سبقهم السابقون وحسموا أمرهم وهاجموا القوات المشتركة معا، وكأنّ الطلقات قد أصابت قلب الجولاني ونظامه قبل أن تصيب البنتاغون وجنوده؛ تماما كما وقعت طلقات أبطال "سيدني" في قلوب المنافقين قبل اليهود أنفسهم؛ كأنهم جسد واحد أو روح في جسدين، فهل بعد هذا البيان بيان؟ {إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}.



• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 526
السنة السابعة عشرة - الخميس 27 جمادى الآخرة 1447 هـ

المقال الافتتاحي:
مفخرة سيدني