#خواطر_رمضانية_7 تجــديد الشـــــــكر بتجــــدد النـــــــــعمة ( وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ ...
#خواطر_رمضانية_7
تجــديد الشـــــــكر بتجــــدد النـــــــــعمة
( وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ ۚ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ) الشورى (28).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقول الألوسي رحمه الله تعالى ( وهو الذي ينزل الغيث أي المطر الذي يغيثهم من الجدب ولذلك خص بالنافع منه فلا يقال غيث لكل مطر، وقرأ الجمهور (ينزل) مخففا.
من بعد ما قنطوا يئسوا منه، وتقييد تنزيله بذلك مع تحققه بدونه أيضا لتذكير كمال النعمة؛ وقرأ الأعمش . وابن وثاب (قنطوا) بكسر النون وينشر رحمته أي منافع الغيث وآثاره في كل شيء من السهل والجبل والنبات والحيوان أو رحمته الواسعة المنتظمة لما ذكر انتظاما أوليا، وقيل: الرحمة هنا ظهور الشمس لأنه إذا دام المطر سئم فتجيء الشمس بعده عظيمة الموقع ذكره المهدوي وليس بشيء، ومن البعيد جدا ما قاله السدي من أن الرحمة هنا الغيث نفسه عدد النعمة نفسها بلفظين، وأيا ما كان فضمير رحمته لله عز وجل، وجوز على الأول كونه للغيث).
ذم القنوط من رحمة الله تعالى :
قال تعالى: {قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ . قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر:55-56]. قال الطبري: "قال ضيف إبراهيم له: بشرناك بحقِّ يقين، وعلم منَّا بأن الله قد وهب لك غلامًا عليمًا، فلا تكن من الذين يقنطون من فضل الله فييأسون منه، ولكن أبشر بما بشرناك به واقبل البُشرى... فقال إبراهيم للضيف: ومن ييأس من رحمة الله إلا القوم الذين قد أخطؤوا سبيل الصواب، وتركوا قصد السبيل في تركهم رجاء الله، ولا يخيب من رجاه، فضلوا بذلك عن دين الله"(جامع البيان: [17/113]). قال الواحدي: " {فَلَا تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ} [الحجر من الآية:55]: من الآيسين، والقنوط: اليأْس من الخير. {قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر:56]. قال ابن عباس: يريد ومن ييئس من رحمة ربه إلا المكذبون، وهذا يدلُّ على أنَّ إبراهيم لم يكن قانطًا، ولكنه استبعد ذلك، فظنت الملائكة به قنوطًا، فنفى ذلك عن نفسه، وأخبر أنَّ القانط من رحمة الله ضالٌّ"(الوسيط في تفسير القرآن المجيد: [3/47]). - وقال تعالى: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم:36]. "خبر تعالى عن طبيعة أكثر الناس في حالي الرَّخاء والشدة؛ أنهم إذا أذاقهم الله منه رحمة من صحة، وغنى، ونصر، ونحو ذلك فرحوا بذلك فرح بطر، لا فرح شكر وتبجح بنعمة الله. {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} أي: حال تسوؤهم وذلك {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} من المعاصي، {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} ييأسون من زوال ذلك الفقر والمرض ونحوه. وهذا جهل منهم وعدم معرفة" ((تيسير الكريم الرحمن) للسعدي: [1/642]). قال الماوردي: "{إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} فيه وجهان: أحدهما: أن القنوط اليأْس من الرحمة والفرج، قاله الجمهور، الثاني: أن القنوط ترك فرائض الله في اليسر، قاله الحسن" (النكت والعيون: [4/315]). قال البغوي: "{إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ}، ييأسون من رحمة الله، وهذا خلاف وصف المؤمن، فإنه يشكر الله عند النعمة ويرجو ربه عند الشدة" ((معالم التنزيل) للبغوي: [3/579])، (المحرر الوجيز) لابن عطية: [4/338]). - وقال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53]. "{لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ} أي: لا تيأسوا منها، فتلقوا بأيديكم إلى التهلكة، وتقولوا قد كثرت ذنوبنا، وتراكمت عيوبنا، فليس لها طريق يزيلها، ولا سبيل يصرفها، فتبقون بسبب ذلك مصرين على العصيان، متزودين ما يغضب عليكم الرحمن، ولكن اعرفوا ربكم بأسمائه الدالة على كرمه وجوده، واعلموا أنه يغفر الذنوب جميعًا من الشرك، والقتل، والزنا، والربا، والظلم، وغير ذلك من الذنوب الكبار" ((تيسير الكريم الرحمن) للسعدي: {/727} .
عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ الله خلق الرَّحمة يوم خلقها مائة رحمة، فأمسك عنده تسعًا وتسعين رحمة. وأرسل في خلقه كلِّهم رحمة واحدة، فلو يعلم الكافر بكلِّ الَّذي عند الله من الرَّحمة، لم ييأس من الجنَّة، ولو يعلم المسلم بكلِّ الذي عند الله من العذاب، لم يأمن من النَّار» (رواه البخاري: (6469)]. قال بدر الدين العيني: "«لم ييأس من الجنة» من اليأْس وهو القنوط.. وقوله: «لم ييأس من الجنة» قلت: قيل: المراد أن الكافر لو علم سعة الرحمة لغطى على ما يعلمه من عظيم العذاب فيحصل له الرجاء، وقيل: المراد أن متعلق علمه بسعة الرحمة مع عدم التفاته إلى مقابلها يطمعه في الرحمة" (عمدة القاري شرح صحيح البخاري) لبدر الدين العيني: [23/67]، (فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر [11/302]). - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع في جنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة، ما قنط من رحمته أحد» (رواه مسلم: [2755]). قال المباركفوري: "إن المؤمن قد اختص بأن يطمع في الجنة، فإذا انتفى الطمع منه فقد انتفى عن الكل، وكذلك الكافر مختص بالقنوط، فإذا انتفى القنوط عنه فقد انتفى عن الكل. وورد الحديث في بيان كثرة رحمته وعقوبته كيلا يغتر مؤمن برحمته فيأمن من عذابه ولا ييأس كافر من رحمته ويترك بابه" (مرعاة المفاتيح : 8/80)
لا بدّ من تجديد الشكر بتجدد النعمة :
إن الله تعالى يحب من عباده إذا جدد لهم نعمة أن يجددوا له شكرًا فاشكروا الله عباد الله واحمدوه على سوابق نعمه الوافرة يزدكم بركة وفضلًا: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7]، عباد الله إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ولا يعطي الدين إلا من يحب، حليم كريم ينعم على العاصي والمطيع ليزداد المطيع من شكره وحده فيكون ذلك كفارة لذنوبه ويزداد العاصي شقاوة وبعدًا عن الله فيكون ذلك العطاء استدراجًا له من الله ومكرًا به، يقول - صلى الله عليه وسلم -: (إذا رأيت العبد يعطى وهو على غير تقوى لله فاعلم أنه استدراج، ثم قرأ ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾ [الأنعام: 44]) , وهو سبحانه طبيب عباده يبتلي بالضراء ليذكر، ويبدلها بالسراء ليشكر، يحبس المطر عن قوم ويصرفه إلى آخرين ليلهج إليه من صرفه عنهم بالدعاء ويلتجئ إليه، وليحمده ما أنعم به عليه ويشكره ويثني عليه، خزائنه ملأى لا تغيض مع كثرة الإنفاق، يقول تبارك وتعالى: ﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا ﴾ [الفرقان: 50]، صرفه عن هؤلاء ليشكروه، فعكسوا الأمر وخالفوه، فكفروا نعمة الله ونسوه فأبى أكثر الناس إلا كفورا أي أبوا إلا أن يكفروا نعمة الله وينسبوها إلى غيره، يقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا، أو يقولون: مطرنا بسبب النجم الفلاني أو الفصل الفلاني أو بسبب الريح الموسمية أو الجنوبية والغربية، فبهذا القوة كفروا بنعمة الله ونسبوها إلى غيره، وهذا معنى قوله تعالى: ﴿ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ﴾ [الواقعة: 82] أي لما أنعم عليكم بالمطر نسبتموه إلى الأنواء والنجوم وجعلتم شكركم لله كذبًا افتريتموه على الله بنسبتكم المطر إلى النجوم، فاحذروا يا عباد الله أن يخدعكم الشيطان وتكفروا بالله عند تجدد نعمه، فإذا أسقاكم المطر تنسبونه إلى الأنواء والنجوم أو الفصول، وإذا تفضل عليكم بصحة الأبدان تنسبونها إلى غيره أي إلى تقدم الطب وإجادة الأطباء، وإذا أوسع لكم في الرزق تنسبونه إلى مخلوق أيا كان فيعاقبكم الله بنقيض قصدكم ويبدلكم بعد السعة ضيقًا وبعد الصحة سقمًا وبعد الأمن خوفًا وبعد العز ذلًا وبعد الخصب جدبًا، واعلموا أن ما بكم من نعمة كبيرة أو صغيرة فمن الله فقيدوا نعمه بشكرها.
كتبه الشـــــــــــــيخ شــــــــــرماركي مـــحـــمــــــــد عيـــــــــــــــسى (بخاري)
هــــــــــــــــــــرجيـــــــــــــــسيــــــــــا 7/رمـــــــــضــــــــــان/1440.
أبــــــــــــــــــــــــــــو الأثيـــــــــــــــــــــر الصــــــــــــــومـــــــــــــالي
تجــديد الشـــــــكر بتجــــدد النـــــــــعمة
( وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ ۚ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ) الشورى (28).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقول الألوسي رحمه الله تعالى ( وهو الذي ينزل الغيث أي المطر الذي يغيثهم من الجدب ولذلك خص بالنافع منه فلا يقال غيث لكل مطر، وقرأ الجمهور (ينزل) مخففا.
من بعد ما قنطوا يئسوا منه، وتقييد تنزيله بذلك مع تحققه بدونه أيضا لتذكير كمال النعمة؛ وقرأ الأعمش . وابن وثاب (قنطوا) بكسر النون وينشر رحمته أي منافع الغيث وآثاره في كل شيء من السهل والجبل والنبات والحيوان أو رحمته الواسعة المنتظمة لما ذكر انتظاما أوليا، وقيل: الرحمة هنا ظهور الشمس لأنه إذا دام المطر سئم فتجيء الشمس بعده عظيمة الموقع ذكره المهدوي وليس بشيء، ومن البعيد جدا ما قاله السدي من أن الرحمة هنا الغيث نفسه عدد النعمة نفسها بلفظين، وأيا ما كان فضمير رحمته لله عز وجل، وجوز على الأول كونه للغيث).
ذم القنوط من رحمة الله تعالى :
قال تعالى: {قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ . قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر:55-56]. قال الطبري: "قال ضيف إبراهيم له: بشرناك بحقِّ يقين، وعلم منَّا بأن الله قد وهب لك غلامًا عليمًا، فلا تكن من الذين يقنطون من فضل الله فييأسون منه، ولكن أبشر بما بشرناك به واقبل البُشرى... فقال إبراهيم للضيف: ومن ييأس من رحمة الله إلا القوم الذين قد أخطؤوا سبيل الصواب، وتركوا قصد السبيل في تركهم رجاء الله، ولا يخيب من رجاه، فضلوا بذلك عن دين الله"(جامع البيان: [17/113]). قال الواحدي: " {فَلَا تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ} [الحجر من الآية:55]: من الآيسين، والقنوط: اليأْس من الخير. {قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر:56]. قال ابن عباس: يريد ومن ييئس من رحمة ربه إلا المكذبون، وهذا يدلُّ على أنَّ إبراهيم لم يكن قانطًا، ولكنه استبعد ذلك، فظنت الملائكة به قنوطًا، فنفى ذلك عن نفسه، وأخبر أنَّ القانط من رحمة الله ضالٌّ"(الوسيط في تفسير القرآن المجيد: [3/47]). - وقال تعالى: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم:36]. "خبر تعالى عن طبيعة أكثر الناس في حالي الرَّخاء والشدة؛ أنهم إذا أذاقهم الله منه رحمة من صحة، وغنى، ونصر، ونحو ذلك فرحوا بذلك فرح بطر، لا فرح شكر وتبجح بنعمة الله. {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} أي: حال تسوؤهم وذلك {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} من المعاصي، {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} ييأسون من زوال ذلك الفقر والمرض ونحوه. وهذا جهل منهم وعدم معرفة" ((تيسير الكريم الرحمن) للسعدي: [1/642]). قال الماوردي: "{إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} فيه وجهان: أحدهما: أن القنوط اليأْس من الرحمة والفرج، قاله الجمهور، الثاني: أن القنوط ترك فرائض الله في اليسر، قاله الحسن" (النكت والعيون: [4/315]). قال البغوي: "{إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ}، ييأسون من رحمة الله، وهذا خلاف وصف المؤمن، فإنه يشكر الله عند النعمة ويرجو ربه عند الشدة" ((معالم التنزيل) للبغوي: [3/579])، (المحرر الوجيز) لابن عطية: [4/338]). - وقال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53]. "{لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ} أي: لا تيأسوا منها، فتلقوا بأيديكم إلى التهلكة، وتقولوا قد كثرت ذنوبنا، وتراكمت عيوبنا، فليس لها طريق يزيلها، ولا سبيل يصرفها، فتبقون بسبب ذلك مصرين على العصيان، متزودين ما يغضب عليكم الرحمن، ولكن اعرفوا ربكم بأسمائه الدالة على كرمه وجوده، واعلموا أنه يغفر الذنوب جميعًا من الشرك، والقتل، والزنا، والربا، والظلم، وغير ذلك من الذنوب الكبار" ((تيسير الكريم الرحمن) للسعدي: {/727} .
عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ الله خلق الرَّحمة يوم خلقها مائة رحمة، فأمسك عنده تسعًا وتسعين رحمة. وأرسل في خلقه كلِّهم رحمة واحدة، فلو يعلم الكافر بكلِّ الَّذي عند الله من الرَّحمة، لم ييأس من الجنَّة، ولو يعلم المسلم بكلِّ الذي عند الله من العذاب، لم يأمن من النَّار» (رواه البخاري: (6469)]. قال بدر الدين العيني: "«لم ييأس من الجنة» من اليأْس وهو القنوط.. وقوله: «لم ييأس من الجنة» قلت: قيل: المراد أن الكافر لو علم سعة الرحمة لغطى على ما يعلمه من عظيم العذاب فيحصل له الرجاء، وقيل: المراد أن متعلق علمه بسعة الرحمة مع عدم التفاته إلى مقابلها يطمعه في الرحمة" (عمدة القاري شرح صحيح البخاري) لبدر الدين العيني: [23/67]، (فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر [11/302]). - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع في جنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة، ما قنط من رحمته أحد» (رواه مسلم: [2755]). قال المباركفوري: "إن المؤمن قد اختص بأن يطمع في الجنة، فإذا انتفى الطمع منه فقد انتفى عن الكل، وكذلك الكافر مختص بالقنوط، فإذا انتفى القنوط عنه فقد انتفى عن الكل. وورد الحديث في بيان كثرة رحمته وعقوبته كيلا يغتر مؤمن برحمته فيأمن من عذابه ولا ييأس كافر من رحمته ويترك بابه" (مرعاة المفاتيح : 8/80)
لا بدّ من تجديد الشكر بتجدد النعمة :
إن الله تعالى يحب من عباده إذا جدد لهم نعمة أن يجددوا له شكرًا فاشكروا الله عباد الله واحمدوه على سوابق نعمه الوافرة يزدكم بركة وفضلًا: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7]، عباد الله إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ولا يعطي الدين إلا من يحب، حليم كريم ينعم على العاصي والمطيع ليزداد المطيع من شكره وحده فيكون ذلك كفارة لذنوبه ويزداد العاصي شقاوة وبعدًا عن الله فيكون ذلك العطاء استدراجًا له من الله ومكرًا به، يقول - صلى الله عليه وسلم -: (إذا رأيت العبد يعطى وهو على غير تقوى لله فاعلم أنه استدراج، ثم قرأ ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾ [الأنعام: 44]) , وهو سبحانه طبيب عباده يبتلي بالضراء ليذكر، ويبدلها بالسراء ليشكر، يحبس المطر عن قوم ويصرفه إلى آخرين ليلهج إليه من صرفه عنهم بالدعاء ويلتجئ إليه، وليحمده ما أنعم به عليه ويشكره ويثني عليه، خزائنه ملأى لا تغيض مع كثرة الإنفاق، يقول تبارك وتعالى: ﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا ﴾ [الفرقان: 50]، صرفه عن هؤلاء ليشكروه، فعكسوا الأمر وخالفوه، فكفروا نعمة الله ونسوه فأبى أكثر الناس إلا كفورا أي أبوا إلا أن يكفروا نعمة الله وينسبوها إلى غيره، يقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا، أو يقولون: مطرنا بسبب النجم الفلاني أو الفصل الفلاني أو بسبب الريح الموسمية أو الجنوبية والغربية، فبهذا القوة كفروا بنعمة الله ونسبوها إلى غيره، وهذا معنى قوله تعالى: ﴿ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ﴾ [الواقعة: 82] أي لما أنعم عليكم بالمطر نسبتموه إلى الأنواء والنجوم وجعلتم شكركم لله كذبًا افتريتموه على الله بنسبتكم المطر إلى النجوم، فاحذروا يا عباد الله أن يخدعكم الشيطان وتكفروا بالله عند تجدد نعمه، فإذا أسقاكم المطر تنسبونه إلى الأنواء والنجوم أو الفصول، وإذا تفضل عليكم بصحة الأبدان تنسبونها إلى غيره أي إلى تقدم الطب وإجادة الأطباء، وإذا أوسع لكم في الرزق تنسبونه إلى مخلوق أيا كان فيعاقبكم الله بنقيض قصدكم ويبدلكم بعد السعة ضيقًا وبعد الصحة سقمًا وبعد الأمن خوفًا وبعد العز ذلًا وبعد الخصب جدبًا، واعلموا أن ما بكم من نعمة كبيرة أو صغيرة فمن الله فقيدوا نعمه بشكرها.
كتبه الشـــــــــــــيخ شــــــــــرماركي مـــحـــمــــــــد عيـــــــــــــــسى (بخاري)
هــــــــــــــــــــرجيـــــــــــــــسيــــــــــا 7/رمـــــــــضــــــــــان/1440.
أبــــــــــــــــــــــــــــو الأثيـــــــــــــــــــــر الصــــــــــــــومـــــــــــــالي