#خواطر_رمضانية_8 عشق المحبين ورونقة الخاشعين . قال تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ ...

#خواطر_رمضانية_8
عشق المحبين ورونقة الخاشعين .
قال تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ ﴾ (البقرة: 165) .
الحُبُّ من أعمال القلوب، فإنَّ حُبَّ الله جل جلاله من أعظم أعمال القلب، ولن يستطيعه إلا القلب السليم، فإنَّ محبة الله جل جلاله تصلحه، فإذا امتلأ قلب العبد بحب الله جل جلاله، انساقت للقلب الجوارح؛ لأنها تابعة له، فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( ألا وإنَّ في الجسد مضغة، إذا صلَحت صلح الجسد كله، وإذا فسَدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)) رواه البخاري
وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ((أسألُكَ حُبَّكَ، وحُبَّ مَنْ يحبُّك، وحُبَّ عملٍ يُقرِّب إلى حُبِّكَ))؛ صحيح سنن الترمذي .
والعلاقة بين الحب والإيمان يوضحها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاث من كُنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحَبَّ إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار)) [4].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وإذا كان الحُبُّ أصلَ كُلِّ عملٍ من حقٍّ وباطلٍ، وهو أصل الأعمال الدينية وغيرها، وأصل الأعمال الدينية حب الله ورسوله، كما أنَّ أصلَ الأقوال الدينية تصديق الله ورسوله، فالتصديقُ بالمحبة هو أصل الإيمان، وهو قولٌ وعملٌ .

فإذا أصبح حُبُّ الله جل جلاله في قلب العبد في أعلى المراتب، يكون العبد قد بلغ مرتبة الإحسان، عند ذاك تتحرك الجوارح كافة على مراد الله جل جلاله، فيحب في الله، ويكره في الله، ويعطي لله، ويمنع لله، ويوالي في الله، ويعادي في الله جل جلاله.

وقد ذكر العلماء عشر علامات تدل على حب العبد لربه وهي :-

العلامة الأولى : محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فلا يتصور حب لله من دون حب لرسوله صلى الله عليه وسلم الذي عرَّفنا بربِّنا، وبلَّغنا رسالته، وبيَّن لنا الطريق إليه؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31]، قال الحسن البصري رحمه الله: "زعم قوم أنهم يحبُّون الله، فابتلاهم الله بهذه الآية"، وقال ابن كثير رحمه الله: "هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادَّعى محبَّة الله، وليس هو على الطريقة المحمدية، فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر، حتى يتبع الشرع المحمدي".
وهل صادق مَنْ يدَّعي حُبَّ ربِّه ****وأمسى عن اللَّذات غير صبور
ويسلو عن الدنيا وعن كل شهوة****وعن كل ما يودي بوصل سرور

العلامة الثانية : حُبُّ مَنْ يحبُّه الله عز وجل من عباده المصطفين الأخيار .
وذالك كحُبِّ الرسول صلى الله عليه وسلم، وصحابته، وأولياء الله الصالحين، وليس ذلك حبًّا مع الله؛ بل هو من تمام حب الله؛ لأنه حب لأجل الله، وفي الله؛ قال ابن القيم رحمه الله: "فأصل العبادة محبَّة الله؛ بل إفراده بالمحبَّة، وأن يكون الحبُّ كله لله، فلا يحبُّ معه سواه؛ وإنما يحبُّ لأجله وفيه، كما يحبُّ أنبياءه، ورسله، وملائكته، وأولياءه، فمحبَّتنا لهم من تمام محبَّته، وليست محبَّةً معه".
فالذي يبغض صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا حَظَّ له في محبَّة الله، والذي يُنكِر وجود الملائكة، لا حظَّ له في محبَّة الله، والذي يتَّهم أولياء الله بالجهل، لا حظَّ له في محبَّة الله... وهكذا.

العلامة الثالثة : الرضا بما يعطي الله وبما يمنع .
فلا تسخُّط، ولا تأفُّف، ولا تأوُّه؛ لأنه أعطاك ليختبرك، ومنعك ليبتليك، وهو تعالى في الأمرين يحبُّك، فقابل تقديره بالقبول، وابتلاءه بالرضا، وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ((وأسألك الرضاء بعد القضاء))؛ صحيح سنن النسائي.

ومن كلام ابن مسعود رضي الله عنه: "لأن ألحَسَ جمرةً أحرقت ما أحرقت، وأبقت ما أبقت، أحبُّ إليَّ من أن أقول لشيء كان: ليته لم يكن، أو لشيء لم يكن: ليته كان".
ولقد سأل رجل الفضيل بن عياض رحمه الله، فقال: يا أبا علي، متى يبلغ الرجل غايته من حبِّ الله تعالى؟ فقال له الفضيل: "إذا كان عطاؤه ومنعه إيَّاك عندك سواءً، فقد بلغت الغاية من حبِّه".

وذكر ابن الجوزي قصة أحد الصالحين، ابتلاه الله ليختبر حبَّه له، فجعله مكفوفًا، مجذومًا، مقعدًا، حتى جعل الزنبور يقع عليه فيقطع لحمه، فقال: "وعزَّتك وجلالك، لو قطعتني إرْبًا إرْبًا، أو صببت عليَّ البلاء صبًّا، ما ازددت إلَّا حبًّا".



إن الطبيب بطبِّه ودوائه ****لا يستطيع دفاع مقدور القضا
ما للطبيب يموت بالداء الذي ****قد كان يبرئ مثله فيما مضى
ذهب المداوي والمداوي والذي ****جلب الدواء وباعه ومن اشترى

العلامة الرابعة: محبة كلام الله تعالى، والانشغال بتلاوته وتدبُّره .

فلا حب لله مع هجر كلامه، ولا حب لله مع عدم التلذُّذ بتلاوته، والتمتُّع بالاستماع إليه، فالقرآن الكريم جنة العابدين، وبُستان الزاهدين، وكنز المتلذِّذين، وبهجة مجالس المجتمعين؛ قال ابن القيم رحمه الله: "وكذلك محبَّة كلام الله، فإنه من علامة حُبِّ الله، وإذا أردْتَ أن تعلم ما عندك وعند غيرك من محبة الله، فانظر محبة القرآن من قلبك، والتذاذك بسماعه أعظم من التذاذ أصحاب الملاهي والغناء المطرب بسماعهم".

ورحم الله ابن القيم، فقد علم أن من الناس من ينشغل بالغناء والطرب، حتى يُلهيه ذلك عن كتاب الله، فينفق الساعات الطوال للسَّماع، ولا يجد نصف ساعة في اليوم يفتح فيها كتاب الله، يقرؤه، ويتدبَّره، ويقوي إيمانه بالتأمُّل في آياته، حتى إذا قرأ منه بعض آيات، لم يشعُر لها بلذَّة، ولم يستفد منها بومضة، ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14]، قال ابن جزي رحمه الله: "أي: غطَّى على قلوبهم ما كسبوا من الذنوب، فطمس بصائرهم".

قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: "لو طهرت قلوبنا، ما شبعت من كلام الله".

العلامة الخامسة : القيام بالأعمال الحسنة، والاتِّصاف بالأخلاق الحميدة.
إذ لا يجتمع حب الله والكلام الفاحش، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن فاحشًا ولا مُتفحِّشًا، وكان يقول: ((إنَّ خياركم أحاسنُكم أخلاقًا))؛ متفق عليه.
ولا يجتمع حبُّ الله مع الإساءة إلى الجار، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يدخل الجنة مَنْ لا يأمن جاره بوائقه))؛ مسلم.
ولا يجتمع حُبُّ الله مع الكذب، تقول عائشة رضي الله عنها: "ما كان خلق أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب"؛ صحيح سنن الترمذي، ويقول صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ قال في مؤمن ما ليس فيه، أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال))؛ صحيح سنن أبي داود؛ وردغة الخبال: هي عصارة أهل النار.
ولا يجتمع حب الله مع أخذ الرشوة، والراشي والمرتشي ملعونان في شريعتنا، ولا يجتمع حبُّ الله مع الغش في العمل، وفي الحديث: ((مَنْ غشَّنا فليس منا))؛ مسلم.
ولا يجتمع حُبُّ الله مع التحايُل على الناس في الخصومة، لأكل أموالهم بالباطل، أو سلب حقوقهم ومستحقَّاتهم، فهذا جزاؤه من الله السخط لا الحب؛ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ خاصم في باطل وهو يعلمه، لم يزل في سخط الله حتى ينزع عنه))؛ صحيح سنن أبي داود.

ويجمع التحذير من كل ذلك، حديث عبدالرحمن بن أبي قراد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم توضَّأ يومًا، فجعل أصحابه يتمسَّحون بوضوئه، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما يحملكم على هذا؟))، قالوا: حب الله ورسوله، فقال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ سرَّه أن يحبَّ الله ورسوله، أو يحبَّه الله ورسوله، فليصدق حديثه إذا حدث، وليُؤدِّ أمانته إذا ائتمن، وليحسن جوار مَنْ جاوره))؛ حسَّنه في المشكاة.

سبحان من لو سجدنا بالجباه له **** على لظى الجمر والمحمي من الإبر
لم تبلغ العشر من مقدار نعمته **** ولا العشير ولا عشرًا من العشر

العلامة السادسة : الجمع بين خلوص التوحيد لله تعالى، وعبادته على الوجه الذي يرتضيه. فالمسلم يلهج بذكر الله في كل حين، ويراقب الله تعالى في كل عمل، ويخاف من تجاوز حدوده في كل معاملة، فشأنه العمل لله، والالتجاء إلى الله، والعيش مع الله، والاستعانة بالله، بحيث تصير تردُّدات أنفاسه، ونبضات قلبه، وحركات جوارحه وقفًا لله تعالى: ﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾ [الذاريات: 50].
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: ((يا معاذ، هل تدري ما حق الله على العباد؟))، قال: الله ورسوله أعلم، قال: ((أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، هل تدري ما حقُّ العباد على الله إذا فعلوه؟))، قال: الله ورسوله أعلم، قال: ((ألَّا يُعذِّبهم))؛ متَّفق عليه.
ومن جميل ما تنبَّهوا إليه، أن كلمة "حب"، بدئت بحرف الحاء، ويخرج من أقصى الحلق، وانتهت بحرف الباء، الذي يخرج من الشفتين وهما آخر ما تخرج منه الحروف، فالحاء دلَّتْ على الابتداء، والباء دلَّت على الانتهاء، وكذلك شأن المحبَّة، تبدأ من المحبوب، وتنتهي إليه.

ولقد شبَّ بعض الناس على حبِّ الماديات، فساووا حبَّها بحبِّ الله أو أكثر، فصار المال قِبْلتهم، والجاه وجهتهم، والتفاخُر حياتهم، والاعتناء بالذات ديدنهم، والتجمُّل في المظهر هجيراهم، وربما قدموا ذلك على الصلاة فلم يصلُّوا، وإذا صلَّوا، فصلاة كسلان متثاقل، لا صلاة مستوفز مُحبٍّ، ولا عبادة متحفِّز متوثِّب، يخشى عليهم من مثل قوله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾ (البقرة: 165).
وأبغض إله عُبِد في الأرض هو الهوى، قال تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ (الجاثية: 23).

وأتـرك ما أهـوى لمـا قـد هويتــه *** فأرضى بما ترضى وإن سخطت نفسي

العلامة السابعة : التلذُّذ بمناجاة الله عز وجل، وأفضله قيام الليل ولو بركعتين، فذلك السبيل لمن أراد العزَّ والشرف، ولقد أتي جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: "يا محمد، أحبب من شئت، فإنك مُفارقه، واعمل ما شئت، فإنك مجزي به، وعِشْ ما شئت، فإنك ميت، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس"؛ صحيح الجامع.
كيف لا وقد أخبرنا الصادق المصدوق أنه: ((إذا مضى شَطْرُ الليل أو ثُلثاه، ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدُّنيا، فيقول: هل من سائلٍ يُعطى، هل من داعٍ يُستجابُ له، هل من مُستغفرٍ يُغفَر له، حتى ينفجر الصبح"؛ مسلم.
ويقول صلى الله عليه وسلم: ((إن في الليل لساعةً، لا يُوافقها رجل مسلم يسأل الله خيرًا من أمر الدنيا والآخرة، إلا أعطاه إيَّاه، وذلك كل ليلة))؛ مسلم.
هنا يظهر حب العبد لربه ويقوم للعبادة ولصلاة ويشمر لها لكي ينال السعادة في الدارين وقد قال بعض السلف سابقا (إذا أردت أن تلحق بركب السادة فعليك بترك الوسادة لتحظى بالحسنى وزيادة ) فالمسلم المحبُّ لربِّه، يغتنم هدوء الليل، وصفاء النفس بانقطاع العوائق، وانصرام العلائق، فيأنس بربِّه، ويتنعَّم بمناجاته، ويتلذَّذ بالشوق إليه، وإدامة دعائه.
وقد قيل لإبراهيم بن أدهم وقد نزل من الجبل: من أين أقبلت؟ فقال‏: "من الأنس بالله"‏،‏ ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [السجدة: 16].

وقد سئل الحسن البصري رحمه الله: ما بال المتهجِّدين بالليل من أحسن الناس وجوهًا؟ فقال: "لأنهم خلوا بالرحمن، فألبسهم من نوره".
وقال له شاب: أعياني قيام الليل، فقال له: "قيَّدتك خطاياك"،فقارن بين هؤلاء ومن شغل سواد ليله في لعب الورق، أو تقليب القنوات الفضائية، أو السهر مع المباريات، والأفلام، وتتبُّع الأخبار السوقية، وربما زاغ بصره فوقع على الصور الخليعة، والمسلسلات الوضيعة، والنكات السمجةالممجوجة، ويزعم مع ذلك أنه يحبُّ الله، لركعات يملأ بها فراغه، وصيام في رمضان اعتاده، ودريهمات جعلها صدقته.
قال مالك بن ضيغم: "لو يعلم الخلائق ما يستقبلون غدًا، ما لذُّوا بعيش أبدًا".
وقال إبراهيم التيمي رحمه الله: "شيئان قطعا عنِّي لذَّة الدنيا: ذكر الموت، وذكر الموقف بين يدي الله تعالى".

العلامة الثامنة : التلذُّذ بفعل الطاعة، واعتقاد أنها خير تسرع إليه، وفضل ترتاح لفعله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((وجعلت قرة عيني في الصلاة))؛ صحيح سنن النسائي.
وكان يقول صلى الله عليه وسلم: ((يا بلال، أقم الصلاة أرحنا بها))؛ صحيح سنن أبي داود، وكذلك سائر العبادات من صيام، وصدقة، وقراءة للقرآن، وسير في حوائج الناس.
ومن الناس مَنْ ينتظر الصلاة بعد الصلاة، تلذُّذًا بالمكوث في بيت الله، داعيًا، مُصلِّيًا، باكيًا؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((ألا أدلُّكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟))، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخُطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط))؛ مسلم، والرباط: حبس النفس على هذه الطاعة.
وكان عطاء السليمي رحمه الله إذا فرغ من وضوئه، انتفض، وارتعد، وبكى بكاءً شديدًا، فيُقال له في ذلك، فيقول: "إني أريد أن أُقدِمَ على أمرٍ عظيمٍ، أريد أن أقوم بين يدي الله عز وجل ".

العلامة التاسعة : الإحساس بالحسرة والأسى عند فوات الطاعة أو تركها، فإن فات المحب لربِّه الاستيقاظ إلى صلاة الصبح، رأيته حزينًا كئيبًا، متألم القلب، كاسِفَ البال، قد فاته خيرٌ عظيمٌ، أعظم من فوات صفقة تجارية رابحة، أو سفر لقضاء حاجة ملحَّة.
فهذا حاتم الأصم، فاتته صلاة العصر في جماعة، فصلَّاها في البيت، فجلس يبكي؛ لأن صلاة الجماعة قد فاتته.
وعن نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا فاتته العشاء في جماعة، أحيا بقية ليلته.

العلامة العاشرة : الغيرة على محارم الله إذا انتهكت، وحزن القلب لشعائر الله إذا هجرت، وقلق النفس للمنكرات إذا تفشَّت، وضيق الصدر لحدود الله إذا تعديت؛ لأن المؤمن يحبُّ للناس ما يحبُّ لنفسه، ولا يرضى لهم ما لا يرتضيه لنفسه.

اللهم يا من لا تراه في الدنيا العيون ، ولا تخالطه الظنون ، يا من سجد له الساجدون ، وركع له الراكعون ، وقام بين يديه القائمون ، ولبى له الملبون ، وحج إليه الحاجون ، واعتمر له المعتمرون ، وقام إليه القائمون ، وعاد إليه العائدون ، يا من إذا أراد شيئا قال له كن فيكون ، اللهم أقمنا بين يديك نصلي لك يا رب العالمين .

كتبه الشــــــيخ شــــــــرمــــاركــــــي محمد عـــــــــــيسى (بخاري)
هــــــــــــــــــــرجيـــــــــــــــــــــــــســــــــــيا 8/رمضان/1440هــــــــــــــ
أبـــــــــــو ألأثيـــــــــــــــــــــــر الصــــــــــــــــــــــومالــــــي