الشكر والصبر [4] الاقتداء بالشاكرين: انظر إلى إحسان الله على عباده بالشكر تعويدهم الآداب العالية ...

الشكر والصبر
[4] الاقتداء بالشاكرين:
انظر إلى إحسان الله على عباده بالشكر تعويدهم الآداب العالية والأخلاق السامية، إذ أن منفعة عملهم عائدة إليهم، وهو مع ذلك قد شكرهم عليه فمن أسماء الله تعالى الشكور (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) قال قتادة: غفور للذنوب، شكور للحسنات، {فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} أَيْ: يُثِيبُ عَلَى الْقَلِيلِ بِالْكَثِيرِ.
قال سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ: "إِنَّ اللَّهَ أَنْعَمَ عَلَى الْعِبَادِ عَلَى قَدْرِهِ، وَكَلَّفَهُمُ الشُّكْرَ عَلَى قَدْرِهِمْ".
وقد نبه الله تعالى لقلة الشاكرين قال تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ : 13].
ومن نمازج الشاكرين التي ينبغي على العاقل الاقتداء بهم والسير على نهجهم الأنبياء والمرسلين فانظر إلى:
نوح عله السلام أثنى اللّه سبحانه وتعالى علي شكره فقال: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} [الإسراء : 3].
وإبراهيم عليه السلام كانت غايته شكر الله تعالى فقال: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [النحل:120-121].
وأمر اللّه عزّ وجلّ عبده موسى بالشّكر قال: {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الأعراف : 144].
وسليمان عليه السلام يدرك أن النعمة ما هي إلا اختبار من الله تعالى فيسارع بالشكر كما أخبرنا الله تعالى من قصته قال:{قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل:40].
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدا شكورا عن المغيرة بن شبعة رضي الله عنه قال: إِنْ كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم لَيَقُومُ لِيُصَلِّىَ حَتَّى تَرِمُ قَدَمَاهُ أَوْ سَاقَاهُ، فَيُقَالُ لَهُ فَيَقُولُ « أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا ؟»[7]، وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ فَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً مِنَ الْفِرَاشِ فَالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِى عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ يَقُولُ « اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لاَ أُحْصِى ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ »[8]، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم سَجَدَ في (ص) وَقَالَ «سَجَدَهَا دَاوُدُ تَوْبَةً وَنَسْجُدُهَا شُكْرًا»[9]، وعَنْ أَبِى بَكْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ إِذَا جَاءَهُ أَمْرُ سُرُورٍ أَوْ بُشِّرَ بِهِ خَرَّ سَاجِدًا شَاكِرًا لِلَّهِ[10]، وعَائِشَةَ قَالَتْ دَخَلَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: الْبَيْتَ فَرَأَى كِسْرَةً مُلْقَاةً فَأَخَذَهَا فَمَسَحَهَا ثُمَّ أَكَلَهَا وَقَالَ « يَا عَائِشَةُ أَكْرِمِي كَرِيمَكِ فَإِنَّهَا مَا نَفَرَتْ عَنْ قَوْمٍ قَطُّ فَعَادَتْ إِلَيْهِمْ »[11]، وقَالَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « كُلُوا وَاشْرَبُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا فِى غَيْرِ مَخِيلَةٍ وَلاَ سَرَفَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُرَى نِعْمَتُهُ عَلَى عَبْدِهِ »[12]. {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى : 11].
وعَنْ بَكْرٍ بن عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ لَحِقَ حَمَّالًا عَلَيْهِ حِمْلُهُ وَهُوَ يَقُولُ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ، اسْتَغْفِرُ اللَّهَ، قَالَ: فَانْتَظَرْتُهُ حَتَّى وَضَعَ مَا عَلَى ظَهْرِهِ، وَقُلْتُ لَهُ: مَا تُحْسِنُ غَيْرَ ذَا؟ قَالَ: بَلَى، أُحْسِنُ خَيْرًا كَثِيرًا: أَقْرَأُ كِتَابَ اللَّهِ، غَيْرَ أَنَّ الْعَبْدَ بَيْنَ نِعْمَةٍ وَذَنْبٍ، فَأَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى نَعْمَائِهِ السَّابِغَةِ، وَأَسْتَغْفِرُهُ لِذُنُوبِي، فَقُلْتُ: الْحَمَّالُ أَفْقَهُ مِنْ بَكْرٍ "