التوسل المشروع والتوسل الممنوع إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور ...

التوسل المشروع والتوسل الممنوع



إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحابته أجمعين أما بعد:

فعن أنس رضي الله عنه أن رجلا دخل المسجد يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب, فاستقبل الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم قال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل وجاع العيال فادع الله يغثنا, قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال: {اللهم أغثنا, اللهم أغثنا, اللهم أغثنا} قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب, وما بيننا وبين سلع –يعني جبل- من بيت ولا دار, قال: فطلعت من ورائه-يعني من وراء الجبل- سحابة مثل الترس, فلما توسطت السماء إنتشرت ثم أمطرت, قال أنس: فلا والله ما رأينا الشمس سبتا- أي أمطرت لمدة أسبوع كامل-. ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب, فاستقبله الرجل قائما وقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل وانهدم البناء, فادع الله يمسكها عنا, قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال:{اللهم حوالينا ولا علينا, اللهم على الآكام –الهضاب-, والضراب-الجبال الصغيرة-, وبطون الأودية ومنابت الشجر} يعني حولها واجعلها في هذه الأماكن في بطون الأودية ومنابت الشجر, قال: فانقلعت وخرجنا نمشي في الشمس. –والحديث متفق عليه- وهذا الحديث عظيم الفائدة, وفيه من الفوائد أن الدعاء من أعظم أسباب تفريج الكربات, بل هو أعظم أسباب تفريج الكربات وتيسير العسير وإزالة الشدائد والمحن, فإن من المسلمين من تصيبه شدة فيأخذ بجميع الأسباب الحسية وهذا مطلوب, لكنه يدع رب الأرباب ومسبب الأسباب, والله عز وجل يقول: (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض) ,وفي الحديث بيان استحباب استسقاء الإمام إذا طلب الناس منه ذلك, وفيه طلب الدعاء من أهل الخير وأنه مشروع, لكن يطلب الدعاء من الأحياء وأما طلب ذلك من الأموات فشرك وضلال مبين, ثم إنه من الخير للإنسان أن يدعو لنفسه لأنه أحرص على مصلحته من غيره, وأشد استشعارا لما يكون به من الحاجة, وفي الحديث استحباب تكرير الدعاء ثلاثا, لأن النبي صلى الله عليه وسلم كرر عبارة "اللهم أغثنا" ثلاث مرات, وفيه إدخال دعاء الإستسقاء في خطبة الجمعة والدعاء به على المنبر, وفي الحديث آية من آيات النبوة لإجابة الله دعوة نبيه ابتداءا بالاستسقاء وانتهاءا بالاستصحاء-والاستصحاء هو طلب الصحو- حينما قال: {اللهم حوالينا ولا علينا}. وفي الحديث كرامة نبينا صلى الله عليه وسلم على ربه وإنزال المطر سبعة أيام متوالية, وفي الحديث بيان أدبه صلى الله عليه وسلم في الدعاء, فإنه لم يسأل رفع المطر من أصله, بل سأل رفع ضرره وكشفه عن البيوت والمرافق والطرق بحيث لا يتضرر الناس, وسأل بقاءه في مواضع الحاجة إليه مثل بطون الأودية ومنابت الشجر, وفي الحديث أدب الدعاء عند كثرة المطر فلا يدعو برفع المطر مطلقا لاحتمال الاحتياج إلى استمراره, بل يدعو برفع الضرر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم, لم يقل اللهم أمسكها عنا وإنما قال: {اللهم حوالينا ولا علينا}, وقال: {اللهم في بطون الأودية, ومنابت الشجر}, وفي الحديث أن من أنعم الله عليه بنعمة لا ينبغي له أن يتسخطها لعارض يعرض فيها, بل يٍسأل الله رفع ذلك العارض, فمن من الله عليه بالولد مثلا ثم مرض الولد فلا ينبغي له أن يتشاءم بالولد, بل يسأل الله تبارك وتعالى أن يشفيه وأن يلبسه لباس العافية, وفي الحديث استحباب رفع اليدين عند الدعاء, كما قال أنس :فرفع يديه, استحباب رفع اليدين في الدعاء ويستثني من ذلك خطبة الجمعة, فإنه لا يشرع رفع اليدين لكن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه للاستسقاء وليس من أجل الخطبة نفسها, والنبي صلى الله عليه سلم يقول: {إن ربكم حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا}-رواه أبو داوود والترمذي-, وفي الحديث جواز ذكر النقم التي تحل بالمسلم إذا لم يقصد بذلك التسخط من تدبير الله تعالى, وإنما قصد إظهار حاله لمن يستطيع نفعه ولمن يعينه بنصيحة أو توجيه أو رأي, كأن يذكر المريض مثلا مرضه لطبيب, ويقصد بذلك أن يستعين به على العلاج, فهذا الصحابي شكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما ألم بالمسلمين, وقصد بذلك أن يدعو النبي صلى الله عليه وسلم للأمة بالغيث, فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك, وفي الحديث دليل على ضعف الإنسان, وأنه لا يتحمل ما يشق عليه, قال الله تعالى: (يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا) فهو ضعيف في خلقته في بدنه في عزيمته, فرحمه ربه ولم يجعل عليه من حرج فيما كلفه به من التكاليف الشرعية.

أيها المسلمون وإذا كان المطر غيث الحب والثمار يحتاج إليه الإنسان لأن الثمار والحبوب أقواته يتغذى بها جسده ليبقى على قيد الحياة, فحاجة الإنسان إلى غيث القلوب أعظم, حاجة الإنسان إلى غيث القلوب وهو الوحي والإيمان أعظم من حاجته إلى غيث الحبوب, لأن الأرض إذا لم تنبت شيئا ففي أسوء الأحوال يموت الإنسان, وإذا كان من أهل الخير تغمده الله بواسع رحمته وفاز فوزا عظيما, وأما إذا لم تغث القلوب بغيث الوحي والإيمان ماتت, وموت القلب يترتب عليه الشقاء والخسران المبين, فكما أن الأرض لا تحيى إلا بالماء فإن القلب لا يحيى إلى بالوحي والإيمان, أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

عن أنس رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقا بالعباس, وقال: "اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا" ,قال: فيسقون. –رواه البخاري-, وهذا الحديث فيه أن عمر رضي الله عنه لما أجدبوا –أصابهم الجدب والقحط- في عام الرمادة استسقى بالعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم, طلب منه أن يدعو الله للمسلمين للسقيا لأنه عم النبي صلى عليه وسلم, لأنه من أهل البيت, فحري أن يستجاب له لقرابته من النبي صلى الله عليه وسلم, وماذا قال عمر؟ "اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا" وهذا قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم, أي كنا نطلب منه الدعاء هذا هو معنى كنا نتوسل كنا نطلب منه الدعاء, كما سمعتم في الحديث الأول وهذا عندما كان النبي صلى الله عليه وسلم على قيد الحياة, فلما توفي النبي صلى الله عليه وسلم صار الاستسقاء به متعذرا, لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم صار التوسل به غير ممكن, لأن الميت لا يقدر على الدعاء ولا يقدر على نفع الأحياء ولذلك لا يجوز طلب شيء منه, فمن فعل وتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم أو بشخص آخر فقد أشرك, وأما في حال الحياة فإنك تطلب من الحي الذي يقدر على الدعاء أن يدعو لك, فهذامن التوسل المشروع, إذ أن التوسل ينقسم إلى قسمين, منه مشروع ومنه ممنوع, ومن التوسل المشروع طلب الدعاء من الحي, ومنه التوسل إلى الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى, كأن تقول: يا تواب تب علي, وكأن تقول: يا حي أحي قلبي بالإيمان, وكأن تقول: يارحمان ارحمني, والله عز وجل يقول: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) ,ومن التوسل المشروع التوسل بلأعمال الصالحة, كما توسل أصحاب الغار بأعمالهم الصالحة عندما انطبقت عليهم الصخرة, عندما سدت عليهم الغار فتوسل الأول ببره لوالديه, والثاني بعفافه, والثالث بأمانته, ثم فرج الله عنهم وخرجوا يمشون, وأما التوسل الممنوع فهو التوسل بالأموات, بأن يسألهم الإنسان الدعاء أو يستشفع بهم عند الله في قضاء حوائجه, فهذا توسل شركي بدعي, وكذلك التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم أو بحقه أو بذاته أو بجاه الولي, كل ذلك من التوسل الممنوع وأشد أنواع التوسل قبحا التوسل بالأموات, لأن هذا من وسائل الشرك, وهذا من فقه عمر, انتبهوا واستمعوا هذا من فقه عمر, قال: "إنا كنا نتوسل إليك بنبينا...والآن نتوسل إليك بعم نبينا" لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم هو من أهل الصلاح, فكون عمر عدل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتوسل به مع أن قبره قريب من منبره لأنه كان في المسجد النبوي وليس بينهما إلا أمتار ولا شك أنه أفضل من العباس, يعني النبي صلى الله عليه وسلم ومن كل مخلوق وفضله صلى الله عليه وسلم باق حيا وميتا, لكن كون عمر عدل عنه وعن التوسل به وهو ميت إلى العباس وهو مفضول فالتوسل بالمفضول مع وجود الفاضل لكونه ميتا فهذا هو المشروع فيه دليل على أنه لا يجوز التوسل بالموتى وإنما التوسل بدعاء الأحياء.

فاللهم إنا نسألك أن تزيننا بزينة الإيمان, اللهم إنا نسألك أن تعيذنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, اللهم يسر العسير واجبر الكسير, اللهم اجعل خير لحظة في هذه الدنيا وأسعدها هي لحظة الرحيل عنها والخروج منها, ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار, آمين والحمد لله رب العالمين.