جنين

عبد الرحمن بن صالح العشماوي

  • التصنيفات: الواقع المعاصر -

خبِّريْنا يا قلوبَ الوالهينْ @ عن جراحٍ ودموعٍ وأنينْ
خبِّريْنا عن جريحٍ لم يزلْ @ يلفظ الأنفاسَ بين الراحلينْ
وعن الأجساد لما أصبحت @ قِطَعاً تُغْمَس في ماءٍ وطينْ
وعن الرُّعب الذي نُبصرُهُ @ كلَّ يومٍ في وجوه النازحينْ
عن صغارٍ أصبحوا في فَزَعٍ @ تحت زخَّاتِ رصاص الغاصبينْ
وعن الأنقاضِ ماذا تحتَها @ من ضحايا قُتِلُوا مُسْتَبسلينْ
وقفوا وِقْفةَ حُرّ صامدٍ @ يتلقَّون رصاصَ المعتدينْ
سألوا عنّا فلَّما علموا @ أننا نحيا حياة الغافِلينْ
قدَّموا أنفسهم في جولةٍ @ صمدوا فيها صمودَ الفاتحينْ
ربحوا فيها حياةً حُرَّةً @ عند من يرفعُ قدرَ الصادقينْ
خبِّريْنا عن بقايا دُورِهِم @ ما الذي تُخفيه في أرض «جِنينْ»
خبِّريْنا يا قلوبَ الوالهينْ @ عن بطولاتِ رشيدٍ وأَمينْ
خبِّريْنا عن فتاةٍ فَجَّرتْ @ نفسَها. هزَّتْ قلوبَ الواهمينْ
هي في عمر الصَّبايا خَرجتْ @ حرَّةً من نظرات الحالمينْ
غرَّدتْ للموت لمَّا أبصرتْ @ قومَها بين قتيلٍ وسَجينْ
ورأتْ جُرحَ أخيها نازفاً @ غسلتْهُ الأُمُّ بالدمعِ السَّخينْ
أَنِفَتْ أنْ تُسْنِدَ الأمرَ إلى @ وَعْد شُذَّاذِ اليهودِ الخائنينْ
أو إلى تدبيرِ غَرْبٍ لم يزلْ @ يجد العُذْرَ لشارونَ اللَّعينْ
يَدُها الناعمةُ امتدَّتْ إلى @ جَذْوةٍ تَشوي وجوهَ الحاقدينْ
قدَّمتْ زَهْوَ صِبَاها ثمناً @ غالياً في نُصْرَةِ المستضعفينْ
ما دَهاها؟، إسألوا عن حالِها @ حزنها القاسي على الشعب الرَّهينْ
من رأى الأشلاءَ مِنْ أَحبابِهِ @ أصبح الموتُ له خيرَ قرينْ
رُبَّ ظُلْمٍ حوَّلَ الظَّبْيَ إلى @ أسدٍ مُفترسٍ للظالمينْ
خبِّريْنا يا قلوبَ الوالهينْ @ عن بطولاتِ الأُباةِ الصَّامدينْ
عن سؤالٍ حائرٍ، يُشعِلُهُ @ أَلَمٌ قاسٍ، ووجدٌ، وحَنينْ
أين ليلى؟ ما بها لم تَلْتَفِتْ @ لصغيرٍ عمرُه بضْعُ سنينْ؟
ما لها قد أعرضتْ عن طفلها @ وهو يُلقي صَرْخة الباكي الحزينْ؟
أين ليلى؟، جُثَّةٌ هامدةٌ @ بين آلافِ الضَّحايا البائسينْ
أقسم الفجرُ الذي أَبصرها @ دون رِجْلٍ وذراعٍ وجبينْ:
أنَّها كانتْ مثالاًً صادقاً @ لهدوء الطبع والعقل الرَّزينْ
قتلوها، هَدَموا منزلَها @ والدُّجَى يخفي وجوه الغادرينْ
سرقوا العِقْدَ الذي قدَّمَهُ @ زوجُها رَمْزَ وفاءِ العاشقينْ
آهِ منّا يا قلوبَ الوالهينْ @ آهِ منا كيف صرْنا حائرينْ
آهِ من ضعفٍ، أرى أُمَّتَنا @ رضيتْ في ظلِّه أََنْ تَستكينْ
يا قلوبَ الوالهينَ الصامِدِينْ @ لا تَتِيهي بينَ غَثّ ٍوسمينْ
ذكّري الليلَ بما تبصرهُ @ مُقْلَةُ المؤمِن من فجر اليقينْ
حدِّثي الدنيا حديثاً صادقاً @ يسْتِقي من مَنْبعِ الوحي المبينْ:
لَمْ يَمُتْ مَنْ ماتَ يحمي دينَه @ هو حيٌّ عند ربِّ العالمين