سؤال حيرني

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: فقه الملبس والزينة والترفيه -
السؤال:

لدي آلة موسيقية هي "القيثارة" وأتعلم العزف عليها، وسَمِعْتُ من أحد الإخوان الرِّفاق لي بأنَّ العَزْفَ حرام، لكنَّه لم يُقْنِعْنِي وأنا الآن حائر، رجاء الإفادة.

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فإنَّه لا يَجوزُ العزف على الآلات الموسيقيَّة أو الاستماعُ إليْها لأنَّها تُتْلِفُ القَلْبَ، وتشغَلُ النفس عن الحق، وتُنْبِتُ النِّفاق في القَلْبِ، وقد دلَّ الكتابُ والسُّنَّة والإجماع على تَحريم المعازف، فمِنْ أدلَّة الكتاب قولُ الله تبارك وتعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [لقمان: 6]، وقد فسَّر كثيرٌ من أهل العلم (لَهْوَ الحَدِيثِ) بأنَّه المعازف والمزامير والآلات الموسيقية.

وروى البخاريُّ تعليقًا من حديث أبي مالكٍ الأشْعَرِيِّ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "يَكونُ في آخِر الزَّمان أقوامٌ من أُمَّتِي يستحِلُّون الحِرَ والحريرَ والخَمْرَ والمعازفَ".

و"المعازفُ" جمع معزفة، وهي آلات الملاهي؛ كما في "فتح الباري"، وهي الآلة التي يُعزف بِها؛ كما قال النَّوويُّ في "المجموع"، والحديث دليلٌ على تحريم آلات العزف والطرب من وجهين:

أ - قوله: "يستحِلُّون" فإنَّه صريح بأنَّ المذكورات -ومنها المعازف- هي في الشرع مُحرَّمة، فيستحِلُّها أولئك القوم.

ب - قرن (المعازف) مع المقطوع حرمَتُه: الزنا والخمر.

وقد جاءت أحاديثُ كثيرةٌ بعضُها صحيحٌ في تَحريمِ أنواعٍ من آلات العزف التي كانت معروفة يومئذٍ، كالطبل والقِنِّين وهو العود وغيرها، ولم يأت ما يُخالِفُ ذلك أو يُخصصه، اللَّهمَّ إلا الدف في النكاح و العيد.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "دلَّ هذا الحديثُ على تَحريم المعازف، والمعازفُ هي آلاتُ اللَّهو عند أهل اللغة، وهذا اسْمٌ يتناوَلُ هذه الآلاتِ كلَّها" "مجموع الفتاوى" (11/535).

وقال ابنُ القيِّم: "وإذا كان الزَّمْرُ الذي هو أخفُّ آلاتِ اللَّهْوِ حرامًا فكيف بِما هو أشدُّ منه كالعُود والطنبور واليراع، ولا يَنبغِي لِمَنْ شمَّ رائحةَ العلم أن يتوقَّف في تَحريم ذلك، فأقلُّ ما فيه أنَّه من شعار الفسَّاق وشاربي الخمور". "إغاثة اللهفان".

وقال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحِمه الله: "الموسيقى وغيرُها من آلات اللَّهْوِ كلها شَرٌّ وبلاء، ولكنَّها مِمَّا يُزَيِّنُ الشيطان التلذُّذَ به والدَّعوةَ إليْهِ حتَّى يشغلَ النُّفوسَ عنِ الحق بالباطل، وحتى يلهيَها عمَّا أحب الله إلى ما كرِه الله وحرَّم، فالموسيقى والعُود وسائرُ أنواعِ الملاهي كلُّها مُنكَرٌ ولا يَجوز الاستماعُ إليها" انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز".

ولا تغترَّ -أخي الكريم- بِما قد تسمع من بعضِ المَشاهيرِ اليومَ؛ من القولِ بإِباحة آلات الطَّرَبِ والموسيقَى، فإنَّهم لِهَواهُم وهوى النَّاس يَنصُرُونَ ويُفْتون، ولأدلَّة الشَّرع يردُّون ويُحَرِّفُون، وعلى أئمَّة الدنيا من أهل العلم الكبار يردُّون، وصَدَق مَن قال:

لِهَوَى النُّفُوسِ سَرِيرَةٌ لا تُعْلَمُ *** عَرَضًا نَظَرْتُ وَخِلْتُ أَنِّي أَسْلَمُ


فاحْرِصْ على معرِفَةِ دينك من كِتاب ربِّك، وسُنَّة نبيِّك، مع اتِّباع هَدْيِ سَلَفِنا الصَّالح ومُوافقة الأئمَّة الأعلام، ولا تَقُلْ: قال فلان، فإنَّ الحقَّ لا يُعْرَفُ بِالرِّجال، بلِ اعرِف الحقَّ تعرف أهلَه.

ولْتَعْلم -رعاكَ الله، ووفَّقكَ لِكُلِّ خير- أنَّ الله عزَّ وجلَّ قد شرع لنا ما فيه صلاحُ القلوب والأعمال، فما من خَيْرٍ يُؤَدِّي إلى صلاح قلب العَبْدِ وإصلاح عَمَلِه إلا ودلَّنا عليْهِ نبيُّنا صلَّى الله عليه وسلم، ولو كان في الموسيقى خيْرٌ لدلَّنا عليْهِ، ولكن ما فيها إلا الشَّرُّ ومعصيُة الله وفسادُ القلب، ولتبحث أخي الحبيب عن شيء آخر مباح تتعلمه يعود عليك نفعه في الدنيا والآخرة؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجِزْ"

ولمزيد فائدةٍ حول حكم الموسيقى والغناء راجع الفتاوى:
"حكم العمل في فرقة موسيقية"، و"حكم الرقص للزوج على أنغام الموسيقى". 

والله أعلم.