زكاة عسل النحل

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: فقه الزكاة - فتاوى وأحكام -
السؤال:

هل توجدُ زكاة مفروضةٌ على المناحل ومُنتجاتِها من العسل؟ وما مِقْدارُها؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فقدِ اختلف العلماءُ في زكاةِ العسل:
فذهبَ الحنفيَّة والحنابلة إلى: أنَّ العسلَ تؤخذُ منه زكاة؛ واحتجُّوا بما رُوِي عَن عَمرِو بْن شُعيبٍ، عَنْ أَبيه، عنْ جَدِّه، عن النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ–:"أنَّه أخَذَ من العَسَلِ العُشْرَ"؛ رواهُ ابْنُ مَاجَهْ.

وَفي روايَةٍ لَهُ عند أبي داود والنسائي: جاء هلالٌ -أحدُ بني متعان- إلى رسولِ الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- بِعشور نحلٍ له، وكان سأله أن يَحمي واديًا يقال له سلبة، فحمى له رسولُ الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- ذلك الوادي، فلمَّا ولِي عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- كتب سفيانُ بن وهب إلى عُمر بن الخطَّاب يسألُه عن ذلك، فكتب عُمر: "إن أدَّى إليْك ما كان يؤدِّي إلى رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- من عشور نَحْله، فاحْمِ له سلبه، وإلاَّ فإنَّما هو ذُباب غيثٍ يأكُلُه متى يشاء"؛ سنن أبي داود، وصححه الألباني في: "الإرواء".

وعنْ سُلَيمانَ بْنِ مُوسَى، عَن أَبي سيَّارةَ المُتَعِيِّ -رضي الله عنه- قال: "قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ، إنَّ لي نَحْلاً، قال: "أَدِّ العُشرَ"، قُلتُ: يا رسُولَ اللهِ، احْمِها لي، فحَماها لي"؛ رواه ابنُ ماجه، وحسَّنه الألبانيُّ لغيْرِه في صحيح ابن ماجه.

قال السندي في "حاشية ابن ماجه": "في الزَّوائِد: قالَ ابن أَبي حَاتِم، عَنْ أَبيه: لم يَلْقَ سُلَيمَان بْن مُوسَى أبَا سَيَّارَة، والحَدِيث مُرْسَل، وَحَكَى التِّرْمِذيُّ في "العِلَل" عن البُخَارِيِّ -عَقِب هَذا الحَدِيث-: أنَّهُ مُرْسَل، ثُمَّ قَالَ: لم يُدْرِك سُلَيْمَانُ أحَدًا مِن الصَّحَابَة". اهـ.

قال ابنُ قدامة المقدسي: "ومذهبُ أحمدَ: أنَّ في العسل العُشر، قال الأثرم: سُئِل أبو عبدالله: أنت تذهَبُ إلى أنَّ في العسل زكاة؟ قال: نعم، أذهب إلى أنَّ في العسل زكاةً العُشرَ، قد أخذ عُمر منهم الزَّكاة، قلتُ: ذلك على أنَّهم تطوَّعوا به؟ قال: لا، بل أخذَه منهم، ويروى ذلك عن عُمر بن عبدالعزيز، ومكحولٍ، والزُّهري، وسليمان بن موسى، والأوْزاعي، وإسحاق" (المغني 3/20).

وذهب المالكيَّة والشَّافعيَّة إلى: أنَّ العسل لا زكاةَ فيه؛ لأنَّ العسل مائعٌ، خارج من حيوانٍ، أشبه اللَّبن، وهو قوْل ابْنِ أبي ليلى، والحسن بن صالح، وابْنِ المنْذِر، والثَّوريِّ، وحكاه ابنُ عبدالبرِّ عن الجمهور.

وضعَّفوا الآثار الواردةَ في إيجاب الزَّكاة فيه، وما صحَّ منها حَملوه على: أنَّ ما أدَّاهُ من العسل -العُشْر- كان في مُقابلة الحِمى، كما هو ظاهِرُ من قول عُمر -رضي الله عنه.

وقال أبو عبيد في "الأموال" (506): "وأشبه الوجوه في أمره عندي أن يكون أربابه يؤمرون بصدقته ويحثون عليها، ويكره لهم منعها، ولا يؤمن عليهم المأثم في كتمانها، من غير أن يكون ذلك فرضًا عليهم، كوجوب صدقة الأرض والماشية، وذلك أن السنة لم تصح فيه كما صحت فيهما".

قال البُخَارِيُّ في "تَاريخِه": "لا يَصِحُّ في زكاةِ العَسَل شَيْء"، وقالَ التِّرمِذيُّ: "لا يَصِحُّ في هَذا البَابِ شَيْء"، وقالَ الشَّافِعِي: "حَدِيثُ: "أنَّ في العَسَلِ العُشْرَ" ضَعِيف".

وقَالَ ابن المُنْذِر: "لَيْسَ في العَسَلِ خَبَر يَثْبُتُ، ولا إجْمَاع، فلا زَكَاةَ فيه، وهُوَ قَولُ الجُمْهُور". اهـ.

قال الشوكاني: "حَدِيثُ أبي سَيَّارَةَ أخْرَجَهُ أيضًا أَبُو دَاوُد والبَيْهَقِيُّ، وهوَ مُنْقطِعٌ؛ لأَنَّهُ مِن رِوايَةِ سُلَيْمَانَ بنِ مُوسَى، عَن أَبي سيَّارَةَ، قالَ البُخَارِيُّ: لم يُدْرِكْ سُلَيْمَانُ أَحَدًا مِن الصَّحَابَةِ، ولَيسَ في زَكَاةِ العَسَلِ شَيْءٌ يَصحُّ، قال أبُو عُمَرَ بن عَبدالبَرِّ: لا يَقومُ بهذا حُجَّةٌ، وحَدِيثُ عَمْرِو بن شُعَيْبٍ، قال الدَّارَقُطْنيُّ: يُرْوَى عَن عَبدالرَّحْمَنِ بنِ الحَارثِ وابنِ لَهِيعَةَ، عَن عَمرِو بْنِ شُعَيْبٍ مُسْنَدًا، ورَواهُ يحْيى بنُ سَعيدٍ الأَنصَاريُّ، عَنْ عَمْرِو بنِ شعيب، عن عُمرَ مُرسَلاً، قال الحافِظُ: فهذِه عِلَّتُه، وعَبْدالرَّحْمَنِ وابنُ لَهيعَةَ ليسا من أَهلِ الإِتقَانِ". اهـ.

فإن كان العسل معدًّا للتِّجارة، ففيهِ زكاة التِّجارة، وراجع الفتوى: "زكاة السُّكَّر".

والله أعلم.