قضاء دين الله وديون العباد

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: فقه المعاملات - التوبة - فتاوى وأحكام -
السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،

كل عام والأمة الإسلامية بخير، سأعرض مشكلة لشخص تائب، لكن يريد أن يعرف عدة أسئلة، وهو تاب وترك المعاصي كلها، أسأل الله له الهداية والثبات عليها.

أمس بعد الفجر، شعرت مثل مرات كثيرة أن روحي تسحب مني، أنا عارف وواثق أن المديون لا يدخل الجنة، يعني أسمع هذا، وأعرف هذا، أن المفروض أني أصوم كل الأيام التي فاتتني، وأنها تعتبر دينًا في رقبتي، مثل أي دين.

أنا نويت أن أصوم الاثنين والخميس ويومًا ثالثًا مثلًا بعد رمضان كل أسبوع، لكن لو مت – الآن - فأنا أيضًا لن أدخل الجنة؛ لأني مديون. 

وذات مرة  أخذت أنا وصديقي مخدرات من رجل ولم أدفع ثمنها، فهل يعتبر هذا دينًا؟ وكيف وهي – أصلًا - مخدرات؟ 

بارك الله فيكم جميعًا. 

الإجابة:

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:

فاعلم أن التائبَ من الذنب كمن لا ذنب له، والتَّوبة تَجُبُّ ما قبلَها؛ قال - تَعالى - في سورةِ مَريم: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا} [مريم: 60]، وقال - تعالى - بعد أن ذَكَر كبائِرَ الذُّنوب - من شرْكٍ وقتلٍ للنَّفس المُحرَّمة وزنًا وما يستحقُّه فاعلوها إن لم يتوبوا – قال: {وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا} [الفرقان: 71].

وراجع: "التوبة التي يرضاها الله"، "كيفية التوبة وشروطها".

أما من كان عليه صيام لأعوام سابقة، فالواجب عليه قضاء الأيام التي أفطرها، وإن كان الإفطار بسبب الجماع، أو حدث فيه جماع فالواجب فيه القضاء مع الكفارة، فمن مات قبل أن يتمكن من القضاء وكان عازمًا على القضاء، فلا شيء عليه - إن شاء الله - ويقضي عنه وليه؛ كما ثبت في "الصحيحين" عن عائشة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه»، وراجع على موقعنا الفتويين: "حكم الإفطار في نهار رمضان من غير عذر"، "قضاء الصيام عن المتوفى".

أما من مات وعليه دين مادي، فقد ثبت أن روحه تبقى مرهونة ومعلقة بين السماء والأرض، حتى يقضى عنه دينه؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «نفس المؤمن معلقة بدينة حتى يُقضى عنه»؛ رواه أحمد والترمذي وحسنه.

ولكن هذا فيمن وجد ما يسد به دينه وماطل حتى مات، أما من مات عازمًا على السداد فلا يدخل في الوعيد.

قال الإمام الشوكاني في "النيل" شارحًا لحديث أبي هريرة: "فيه الحث للورثة على قضاء دين الميت، والإخبار لهم بأن نفسه معلقة بدينه حتى يقضى عنه، وهذا مقيد بمن له مال يقضى منه دينه، وأما من لا مال له ومات عازمًا على القضاء، فقد ورد في الأحاديث ما يدل على أن الله تعالى يقضي عنه". انتهـى.

أما الدين لمخدرات ونحوه، فإنه غير مضمون شرعًا، ولا يسدد؛ لأنه مال غير محترم، وكل محرم في الإسلام، هو غير محترم، وليس بمال؛ لأنه لا قيمة له ولا ثمن، فعن عبد الله بن عباس قال: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ثمن الكلب، وإن جاء يطلب ثمن الكلب، فاملأ كفه ترابًا»؛ رواه أبو داود.

قال في "شرح منتهى الإرادات" (6 / 413): "وَ (لَا) يُضْمَنُ الْمَالُ إنْ كَانَ (غَيْرَ مُحْتَرَمٍ)".

وللفائدة؛ راجع: "سرقة العين المحرمة"،،

والله أعلم.