تزوج الكفيل من العاملة المنزلية بغير ولي

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: فقه الزواج والطلاق -
السؤال:

تزوج الكفيل من العاملة المنزلية، فقد أَحْضَر إمامَ مسجدٍ مشهودًا له بالخير، وعقدَ بيْنها وبين الكفيل عقْدَ النِّكاح، كما يلي:
الشيخ: هل تُريدين كفيلَك فلانًا زوجًا لك؟
قالت: نعم.
وبحضورِ كفيلِها –زوجِها- والزَّوْج قال أمامه: قبلتُها.
وذلك استنادًا لمذهَبِ الحنفيَّة، إذا كانتِ المرأة ثيِّبًا عاقلةً، فهي وليَّةُ نفسِها، والشَّيخ بِمثابة شاهدٍ، وأعطيتْ مهْرَها.
وعندما سألْنا أحد مأذوني الأنكحة المشهودِ لَهم بالعِلم، أجاز ذلك بالمنظور الشَّرعي وليس النِّظامي، فهل هي في ذمَّة كفيلِها الزَّوج، والنكاح جائز؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فالصَّحيح: هو ما ذهبَ إليه جُمهورُ العُلماء: أنَّ النِّكاح لا يصحُّ إلا بولي، وأن الوليِّ شرط في صحَّة عقد النَّكاح؛ فلا تملك المرأةُ أن تزوِّج نفسَها، سواءٌُ كانت المرأة ثيِّبًا أم بكرًا؛ واستدلُّوا بأدلَّة كثيرة، منها:

• ما رواهُ أحمد وأبو داودَ: أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "لا نِكاحَ إلا بوَلِيٍّ".

• وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا: "أيّما امرأةٍ نَكَحَتْ بغيْرِ إذْنِ وليِّها، فنكاحُها باطل، فنِكاحها باطل، فنِكاحها باطل، فإن دخل بِها، فلَها المهرُ؛ بِما استحلَّ من فرْجِها، فإنِ اشتجَروا، فالسُّلطان وليُّ مَن لا وليَّ له" (رواه أحمد، وأبو داود، والتِّرمذي، والحاكم) وقال: "هذا حديثٌ صحيحٌ على شرْطِ الشَّيخين ولم يُخْرجاه".

• وروى ابنُ ماجه، عن أبي هُريْرة رضِي الله عنْه قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليْه وسلَّم: "لا تزوِّج المرأةُ المرأةَ، ولا تزوِّج المرأة نفسَها، فإنَّ الزَّانية هي التي تزوِّج نفسَها".

وذهب أبو حنيفةَ وزُفَرُ، والشَّعبي والزُّهري إلى: أنَّه إذا عقدت المرأةُ نِكاحها بغير وليٍّ، وكان كفؤًا - جاز.

وقد تعاضد الكتاب والسنة على أنه لا نكاح إلا بولي؛ فلم يخاطب الله تعالى بالنكاح غير الرجال، ولو كان إلى النساء لذكرهن، كما في قولِه تعالى: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} [البقرة: 221]، وقال: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ} [النور: 32]، وقال: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} [النساء: 25]، ولولا أن للأولياء حقًا في التزويج لما نُهى عن العضل؛ قال تعالى: {فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232]، وهي نصٌّ على أنه لابد من الولي في النكاح، لأنه سبحانه نهى الأولياء عن العضل، ولا ينهاهم إلا عن أمر تحت تدبيرهم ولهم فيه حق.

قال القاضي ابن العربي: " فَنَهَى اللهُ تعَالى أَولياءَ المَرْأةِ مِنْ مَنْعِها عَن نِكاحِ مَنْ تَرْضاه، وهَذا دَليلٌ قَاطعٌ على أنَّ المرْأَةَ لا حَقَّ لهَا في مُباشَرَةِ النِّكاحِ؛ وإنَّما هُوَ حَقُّ الوَلِيِّ، خِلافًا لأَبي حَنِيفَةَ، ولوْلا ذَلِكَ لما نَهَاهُ اللهُ عنْ مَنْعِها.

وقدْ صَحَّ أنَّ مَعْقِلَ بْنَ يَسارٍ كانتْ لَهُ أُخْتٌ، فطَلَّقها زَوْجُها، فلمَّا انْقَضَتْ عِدَّتُها خَطَبَها، فأَبى مَعْقِلٌ، فأنْزَلَ اللهُ تَعَالى هَذه الآيةَ، ولَوْ لم يَكُنْ له حَقٌّ، لقالَ اللهُ تَعَالى لِنَبِيِّهِ عليْه السَّلامُ: لا كَلامَ لِمَعْقِلٍ في ذَلِكَ". اهـ، من "أحكام القرآن".

وأيضًا فإن الشاهدين من شروط النكاح كما سبق بيانه في فتوى: "حكم زواج السر". 

وعليه؛ فزواج هذا الكفيل من مكفولته غيرُ صحيح؛ لفَقَد شرطيْن من شُروط صحَّة النِّكاح، وهُما الولاية والشهود.

ولمزيد من التَّفصيل؛ راجع الفتاوى: "مَنْ وليُّ المرأة في النكاح"، "حكم زواج المرأة دون علم أهلها"،، والله أعلم.