حكم زواج السر

منذ 2013-01-28
السؤال:

تزوَّجْتُ امرأةً تكْبرني في السِّن ومُطلَّقة ولديْها طفلةٌ ذاتُ 10 سنوات، بدون عِلْمِ أهلي لأنّي موقن بأنَّهم لن يَرْضَوها لي كزوجة.

أنا الآن متزوّج في السرّ لا يَعلَم أحدٌ من عائِلَتِي أو أصدقائي شيئًا عن هذا الموضوع، ومضت الآنَ سنتان وأنا سعيدٌ معها.

أريد أن أسأل من النَّاحية الدّينيَّة: هل يُعْتَبر زواجي هذا باطلاً علْمًا أنَّنا عقَدْنا قرانَنا لكِنْ بوجود شاهدٍ واحدٍ، ويُعْتبر هذا في بلدي كافيًا من النَّاحية القانونيَّة.

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فالزَّواجُ الصَّحيح لابدَّ أن يَستوفي شُروطَه وأرْكانَه المبيَّنة في الفتوى: "إطلاق صفة (بِكْر) على امرأة (ثَيِّب) في عقد النكاح". 

وأمَّا إشهار النّكاح فيكفي فيه الإشهاد، وهو ما ذَهَبَ إليْه جُمهور الفُقهاء من الحنفيَّة والشافعيَّة والحنابلة، وإن كان الأفضل إعلان النّكاح وإشهاره، واستدلّوا بقول النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "لا نِكاحَ إلا بوليٍّ وشاهدَيْ عدْلٍ".

وأمَّا نَهي النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن نِكاح السّر فالمُراد بِه النّكاح الَّذي لَم يَشهَدْه الشّهود؛ بدليلِ أنَّ عُمَر أُتِي بِنِكاحٍ لَم يشْهَدْ عليْه إلا رجلٌ وامْرأة، فقال: "هذا نِكاحُ السر ولا أُجِيزُه، ولو كنت تقدَّمْتُ فيه لرَجَمْتُ"؛ أخرجه مالك عنِ ابْنِ الزّبير.

قال التّرمذي: "والعملُ على هذا عند أهْلِ العلم من أصحابِ النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ومَن بَعْدَهم من التَّابعين وغَيْرِهم، قالوا: "لا نكاح إلا بشهود" لَم يختلف في ذلك من مضى منهم إلا قومٌ من المتأخّرين من أهل العلم".

قال أبو مُحمَّد ابنُ حزم: "وقالَ قَوْمٌ: إذَا اسْتُكْتِمَ الشَّاهِدَانِ فَهُوَ نِكَاحُ سِرٍّ، وهُوَ بَاطِلٌ".

قالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: "وَهَذَا خَطَأٌ لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ قَطُّ نَهْيٌ عَنْ نِكَاحِ السِّرِّ إذَا شَهِدَ عليْهِ عَدْلانِ.
والثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ سِرًّا مَا عَلِمَهُ خَمْسَةٌ: النَّاكِحُ، وَالمُنْكِحُ، وَالمُنْكَحَةُ، وَالشَّاهِدَانِ" اهـ.

وقال ابنُ القيّم في "إغاثة اللَّهفان": "وشرط في النّكاح شروطًا زائدة على مُجرَّد العَقْد فقَطَعَ عنْهُ شبه بعْضِ أنواع السِّفاح به؛ كاشتِراط إعلانِه إمَّا بِالشَّهادة أو بِتَرْك الكِتْمان أو بِهما، واشتِراط الولِيّ، ومنَع المرْأة أن تليه وندَب إلى إظْهاره حتى استحبَّ فيه الدُّفَّ والصوت والوليمةَ وأوجب فيه المهر".

فإذا كان ذلك النّكاح استوفى كلَّ شُروطِه؛ من وجود وليٍّ لِلمرأة وغيْره من الشُّروط الموجودة في الفَتْوَى المُحال عليها ولكن لم يَحْضُرْه سوى شاهدٍ واحدٍ فَقَطْ، فهُو نِكاحٌ فاسدٌ شرعًا على الرَّاجح، من قول الحنفيَّة والمالكيَّة والشافعيَّة وهو المُعتمد عند الحنابلة.

قال ابنُ قدامة في "المغني": "إنَّ النّكاح لا يَنعقد إلا بشاهِدَيْن، هذا المشهورُ عند أحْمد" انتهى.

وقال الدرديري من المالكيَّة: "وفسخ إن دخَلا بلاهُ أيْ بلا إشْهاد بطلقةٍ لِصِحَّة العقد بائنة لأنَّه فسخٌ جبريّ" انتهى.
وقال في "المجموع" من الشافعيَّة: "ولا يَصِحّ إلا بعَدْليْن".

وقال في "رد المحتار" من الحنفية: "شُرِطَ (حُضُورُ) شَاهِدَيْنِ (حُرَّيْنِ) أَوْ حُرٌّ وَحُرَّتَيْنِ (مُكَلَّفَيْنِ سَامِعَيْنِ قَوْلَهُمَا مَعًا) على الأَصَحِّ (فَاهِمَيْنِ) أَنَّهُ نِكَاحٌ عَلَى الْمَذْهَبِ". اهـ.

ولِمعرِفة حُكْم زواج المرأة بدون ولي راجع: فتوى: "ولي العروسة غائب فهل الزواج صحيح؟" ولمعرفة مَن هو ولي المرأة راجع: "مَنْ وليُّ المرأة في النكاح؟".

ومِمَّا سبق يتبيَّن أنَّ النّكاح بشاهدٍ واحدٍ فاسدٌ ولا يَصِحّ عند الجُمهور وهو الراجح، حتَّى وإنْ جاز في القانون الوضعيّ فإنَّه لا يَجوز في شريعة ربّ العالمين، فالواجب على السَّائل -والحالُ كذلِك- أنْ يعقد على تلك المرأة عقدًا جديدًا بوليّ وشاهِدَيْ عدلٍ، أمَّا الفَتْرة التي مَضَتْ فهُو نِكاحُ شُبْهة يَثْبُت به النَّسب ولا شَيْءَ عليْكما -إن شاء الله تعالى- لأنَّ الظَّاهِرَ أنَّكما أقْدَمْتُما على ذلك بجهل،، والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 26
  • 6
  • 477,031

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً