حيُّوا الشَّعب السوري محطِّم الفراعنـة

منذ 2012-04-21

لو كان الأمر بيدي لأمرت بإضافة هتاف: (يحيا الشعب السوري، وتحيا ثورته العظيمة) إلى هتافـات المدارس في طابور الصباح، في كلّ بلادنا من الخليج إلى المحيـط.



لو كان الأمر بيدي لأمرت بإضافة هتاف: (يحيا الشعب السوري، وتحيا ثورته العظيمة) إلى هتافـات المدارس في طابور الصباح، في كلّ بلادنا من الخليج إلى المحيـط.

لم يعـُد أحـد يتحدَّث عن انتصار الشعب السوري لأنـَّه أصبح حتميّة تاريخيّة، بل عن سوريا الجديدة، وما ستفرضه من معادلات على المنطقة، ستحدث تغييّرا جذريا فيها، ستكون له تداعيات زلزالية غير مسبوقة.


ولاريب أنّ جميع العقول في المؤسسات الرسمية، وغير الرسمية، من هضبة الجولان إلى آخر الدنيا غربًا، ومن الفرات إلى آخرها شرقًا، مشغولة الآن بتصور المشهد القادم، كيف سيكون، وكيف يمكن استثماره، وإلى أين ستتجه رياح الربيع العربي بعد سوريا، وأين ستضع أوزارها، ويستقر بها النـوى؟!

أما مجهر التحالف الصهيوغربي فموضوع على نقطة القلق الكبرى على الخارطة السورية، وأعني بها:

كلّ هذا الزخم المخيف للعقيدة الجهادية المستمدّة من الإسلام الآخذة في الالتحام بروح، وبدم، ولحم، هذا الشعب الأسطوري، إلى أين سينتهي بها المطاف؟!

ودعوا الكلام بيننا! لست لهم بلائـم!


فالمشهد عندي أيضًا يثير الرهبة! وإذ أتخيـّل أنّ الله تعالى أبى إلاّ أن يجعل الربيع العربي يتسلَّح كلَّ هذا التسلح! عندما يصل إلى حدود الكيان الصهيوني، يتملّكني شعـور مهيـب! إنـَّه يتسلـَّح بكلّ ما تحمل هذه الكلمة من معنى، يتسلَّح بالأربعـةِ العظام:


العقيدة، والعزيمة، والصمود، وبسلاح الحديد، والنار.
أما التحالف الصهيوغربي فالإذن منه تسـمع: إنَّ قعقعة الحديد الجهادي، عادت مدويّة لتُسمع حول قبر خالد بن الوليد -رضي الله عنه- وصلاح الدين الأيوبي!


والعين منه ترى: إنَّ دمشـق التي هي جوهرة تاج شموخ الحضارة الإسلامية يتفجـّر فيها بركان العـزّة من جديد!

ثـم إنه ليحدّث نفسه، والهلـع يجلجل بين ضلوعه: كيـف سنصنع، وهذا كلُّه على حدود الكيان الصهيوني؟! وهو يقف عاجـزًا عن اختراق فتوظيف ثورة شعبية تخوض معاركهـا في بِرَك الدماء، وأنـّى له ذلك ؟! -إن استطاع أن يخترق المعارضة الخارجية- ثـمَّ ستكون لهذه الثورة الكلمة العليا في سوريا الجديدة!


فإن قيل فلماذا لم يجُهضـوا هذه الثورة الخطيرة إذًا، ولعمْري لو استطاعوا لأجهضوا أوّل شرارة في تونس، غير أنَّ نهضة الشعوب، كقِوى الطبيعة، سنن الله في خلقه، لايمكن إيقافهـا. وحقـَّا، شاءُوا أم أبـوْا، إنهم جميـعًا ينتظرون ما ستتكشف عنه المعادلة الجديدة في سوريا، لتوضع مقاييس معادلة وجود الكيان الصهيوني في المنطقة على وفقها.

وحقا شاءُوا أم أبـوْا، ستكون مقاييسها مختلفة تمامًا عما مضى، وفي صالح أمّـتنا بإذن الله تعالى. وأما المكـر (القرمجوسي) -القرمطي المجوسي- الذي لا يكره في الدنيا شيئًا كما يكره صحابة النبيّ صلى الله عليه وسلم، تحتضن مئات الصحابة الكرام، ويتألـَّقُ تاريخـه بمجـد الإسلام!


نعم.. إنه ينتفض رعبًـا من ثورة الشعب الذي يستحقّ لقب: محطّم الفراعنة، إذْ هو الذي حطَّم أعتـى الفراعنة على أرضه، قيصر، وهولاكو، والصليبيين، وسيحطِّم ببشارات النبوة في نهايات التاريخ أيضًا من هـو أشد منهم قوَّة، وأعظـم جمعًا. وهو يعلم أنّ نجاح الثورة السورية يعني خنـقَ شيطان المجوس الذي باض، وفرَّخ حول بابل سحره الأسـود البغيض، في جنوب العراق، حالمِـًا أن ينشر فراخَه في كلّ العالم الإسلامي، وهو حلمُ إبليس بالجنة!


وإذا كانت الثورة السورية العظيمة قد أسقطت من الآن رموز الزيف (القرمجوسي)، فأضحـوْا عراة بفضيحتهم، لاسيما حزب الشيطان الأصغر حسن نصر -الأوسط هو بشار، والأكبـر هو الخامنئي- فإنها بعد انتصارها ستصبح مركز الدفاع عن الأمـّة في وجـه هذا المد القبيح المليء بنتن الحقد المجوسي، وصديـد الضغائن القرمطية.

وسبحان الله الذي كتب أن تسيـر الدنيا على سُنِنِه التي لا تتبدَّل: على قدر التضحيات العظيمة، تأتي النجاحـات العظيـمة.


إنَّ الشعب الذي صمد هذا الصمود الأسطوري عامـًا كاملًا، رغم شدّة طغيان العدوّ الحـانق، ورغـم الحصار الخانق، والخذلان الطابق، لن يردَّه دون مطلب الحريّة شيءٌ، ولسوف تتحوّل دماء شهدائه إلى الفأس التي سيحطّم قيود الطغيان، واليـد التي ستحمـل شعلة الحرية وقّادة، ولواءَها خفاقًا عاليًـا.


هذا.. وإني لأرى فـي ثورة الشـام ثلاثَ دلالات رمـزيـّة، وإنَّ روعتها لتهـزّ النفس هـزَّا:

1ـ رمزية إنطلاقـة الثورة من أطفال هذا الشعب العظيـم، وكثرة الشهداء الأطفال -وقد زادوا على الألف شهيد- ممـا يرمـز إلى إشراقة المستقبل الواعـد لهذه الثورة، فستحمل مبادئها الأجيـال بإذن الله.


2ـ ورمزيـّة كون حمص هي عاصمة الثورة السورية، ألـم تروْا كيف صار الصمود الحمصي رمزًا إلـِقًا في صناعة الثورات، ولا جَرَم.. فهي المدينة التي تحتضن أكبر عدد من قبور الصحابة بعد البقيع، والصحابة هـم صناع أعظـم ثورة في التاريخ على طغيان العالم بأسره.

ثم رمزية حـيّ بابا عمرو خاصّـة، نسبة إلى قبـر الصحابي الجليل عمرو بن معدي كرب -رضي الله عنه- الملقـب بفارس العرب، وبذي الصمصامة، السيف المشهور الذي صال صولة الأسـود في معارك الفتوح كلّها من القادسية إلى اليرموك، حتى استشهد بين بابين مطلّين على حيّ حمـص، فدفن ثـَمَّ ، ومعه الصمصامة، فسُمِّي المكان باب عمرو.

ثم لم تزل الشجاعة تُذكـر عبـر الأجيـال، والقرون، في أهل هذا الحيّ، كما في أهل حمـص كلّها ، وكأنهّم أبناء الصمصامة! حتى رأينا شجاعتهم التي يعجـز اللسان عن وصفها، في هذه الثورة المباركة، لاسيما في بابا عمرو.

3ـ ورمزية بدء الثورة من بوابة سوريا إلى الجنـوب، مـن درعا عاصمة حوران، حيث الأصالة المنتمية إلى العمـق العربي، مما يرمز إلى امتداد الثورة -بإذن الله- لتشعل بقية الجسد العربي في أروع امتداده، من نياط عروقه الأصيلة.


وبعـد:

فإذا كانت الثورات السابقة على الثورة السورية قد أعطتنـا الدروس التمهيديّة للثورة على الطغيـان.فإنَّ الثورة السورية جاءت لتأهيل الأمّة لتقـوم بأعلى مستويات الثورة، وأعظمـها في التضحيات، وأطولها مـدى، وأصبرها في مواجهة الجراح، والـرّدى.

جاءت لتقول إنـّه عندما يكون الطغيـان هو الأشدّ قـوّة، والأقسى قبضة، والأولـغ في الدمـاء، فإنَّ الشعوب أيضًا قادرة على هزيمـته، بالصبـر، والثبـات، والصمـود، والإصرار. ولسوف تنتصر الثورة السورية المباركة، وستكـون فتحـا عظيما لأمّتنا، إذ ستطـلق روح تغيير غير مسبوقة فيها، آذنـةً ببدء المرحلة الثانية من نهضة الأمّـة.


مرحلـة الثورة في أرض النبوّات، رسالة حضارتنا، وميراثها الأعظـم:
الشام، والعراق، والجزيرة العربية. وإنـّا لنـَرَى بروقَها تلمـع في إعصـارها القادم في أفـق السمـاء، وإنا لنسمع رعودها تدوِّي في سحـبها المسرعة إليـنا بالخيـر والضـياء. فإذا أرخت سماء المرحلة الثانية من نهضة العرب عزاليها، وهطلت بمثل أفواه القـِرَب، بغيثِ الثورةِ الأجش، ليروي القلوب العطشى إلى الحرية، والنفوس الظمأى إلى الخلاص، وإذا تفجَّـرت بديمـةٍ تمـلأُ ثرى الأرض ماءً يطهـّرنا من رجسِ الطغيان، ونجاسة الاستبداد، والإقطاع الملحق به، ومن أدران التخلُّف، وقذارة الموروثات المزيَّفة الجاثمة على عقول شعوبنا، وقلوبهـا.


فحينئذ تذكـُّروا دماء الشعب السوري، وأرواح شهداءه الأبرار، وأنها أهدت إليكـم ذلك الغيـث. ثـم قفوا جميعًا، فحيـُّوا هذا الشعب العظيـم، محطـّم الفراعنـة، وانحنوا له أقوالًا، وأفعـالًا. وضعوا على جباهكـم علَمَ ثورتِـه تعظيـما، وإجلالًا.

والله الموفق، وهو حسبنا، عليه توكلنا، وعليه فليتوكّـل المتوكّلـون


حامد بن عبدالله العلي

25/03/2012 م
 

حامد بن عبد الله العلي

أستاذ للثقافة الإسلامية في كلية التربية الأساسية في الكويت،وخطيب مسجد ضاحية الصباحية