سنحيا كرامًا فكرة والأفكار لا تموت

منذ 2012-05-01

سكان قارة بأكملها يبادون إلا قليلًا ليتم توزيع الثروات من جديد على المستعمرين البيض، نشر بطاطين ملوثة بجرثومة الجدري بين مواطني القارة الأمريكية الأصليين حتى ينتشر المرض القاتل بين الهنود الحمر، ويعجزون عن مقاومة المحتل الأوروبي. لم أسمع في حياتي عن خسة تصل إلى هذا الحد!!


سكان قارة بأكملها يبادون إلا قليلًا ليتم توزيع الثروات من جديد على المستعمرين البيض، نشر بطاطين ملوثة بجرثومة الجدري بين مواطني القارة الأمريكية الأصليين حتى ينتشر المرض القاتل بين الهنود الحمر، ويعجزون عن مقاومة المحتل الأوروبي. لم أسمع في حياتي عن خسة تصل إلى هذا الحد!!

قصة مأساوية بكل ما تحمل تلك الكلمة من معان. وظني الشخصي أن المآسي التي جرت مع الهنود الحمر من غزاة القارة الجدد لم يسجلها التاريخ ويعرضها بشكل عادل، ذلك لأن التاريخ دائما يكتبه المنتصر، ولكن ما تبقى بين أيدينا مما كتبه بعض المنصفون يجعل بدنك يصاب بالقشعريرة من تلك القسوة المفرطة في رحلة البحث عن الثروة والسيطرة.

ثم يمر الزمان وتجد الرغبة المحمومة في السيطرة على العالم شكلا آخر أكثر شياكة ويتناسب مع روح العصر، فقد وظفت الولايات المتحدة الأمريكية عدة أدوات سياسية ومؤسسات عالمية من أجل تحقيق السيطرة على النظام العالمي وهو ما أطلقوا عليه لفظ الشرعية الدولية لتقنين هذا النوع من الاستعمار.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، تقوم الولايات المتحدة باستغلال منظمة الأمم المتحدة التي تم تأسيسها بعد الحرب العالمية الثانية وقامت أمريكا باستضافة مؤسساتها والعمل على شرعنة تصرفاتها، ولكنها أبقت لنفسها على حق الفيتو مع غيرها من الدول الكبرى للاعتراض على ما لا يتوافق مع رؤاها وخططها للسيطرة على العالم، كما قامت باستغلال صندوق النقد الدولي في الضغوط على الدول من أجل تعديل أنظمتها المصرفية وخططها التنموية وفق الخارطة الأمريكية، كما تم استخدام اتفاقية التجارة العالمية GAT من أجل إعادة تشكيل نظام التجارة العالمي. وكان للولايات المتحدة دور محوري في البنك الدولي من أجل التأثير على برامج التنمية العالمية. وقد سار تحويل أدوات القوى الاقتصادية والسياسية إلى الولايات المتحدة في توازٍ مع إعداد المؤسسات والمنظمات والقوانين الدولية التي خدمت هذا الهدف.

إنه نظام عالمي جديد يواجه وبقوة أي محاولة للخروج من الهيمنة من خلال استنفاد موارد الدول الفقيرة، وإغراقها في الديون، وتشجيع الفساد بين قادتها، ثم يتم توجيه موارد الدولة من خلال تعليمات صندوق النقد الدولي، أو غيره من المنظمات الكبرى، أو حتى مكالمة تليفونية من وزيرة الخارجية الأمريكية.

لذلك أرى أنه لا مناص من وجود مشروع حقيقي للاستقلال الوطني بموارد الدولة ومقدراتها عن الهيمنة الخارجية، والحقيقة أن وجود مثل هذا المشروع ليس مستحيلا كما يظن البعض، فقد نجحت حركة حماس خلال الأربع سنوات الماضية في تسديد دين قدره مليار دولار كانت قد استلمت الحكم وخزائنها مثقلة به كناتج طبيعي لسنوات الفساد والاستبداد. وقد نجحت حكومة غزة في ذلك رغم الحصار وتجفيف المنابع، فتحية فخر وإعزاز واجبة لهم.

إن الأمر يتطلب إدراك حقيقي لإمكانيات الدولة المادية والمعنوية، وكيفية تحقيق أرضية شعبية لازمة لهذا المشروع، و زرع روح التحدي والأمل في قلوب الشباب، وإدراك طبيعة العلاقات الدولية الشائكة وكيفية الاستفادة من التنافس الدولي القائم حاليا في ظل حالة الضعف التي تعيشها الولايات المتحدة بعد حروبها المرهقة في العراق وأفغانستان، والأهم من ذلك كله كسب رضا الله واستجلاب نصره بتأييد شرعه ورفع رايته.

والحق يقال أن أفضل من قدم مشروع "الاستقلال الوطني وتطبيق الشريعة" في العصر الحديث هو الشيخ "حازم صلاح أبو إسماعيل ولو لم يقدم حازم أبو اسماعيل سوى هذا الأمر لكفاه، فقد غرس بذورًا أرجو من الله أن يرعاها وتنبت بعد حين، فشعار "سنحيا كراما" الذي غرسه أبو إسماعيل لن يموت بإذن الله، بل سيأتي جيل من الشباب يحمل الراية من بعده ويرفعها عاليا وتجتمع حول تلك الراية في البداية فئة قليلة كعادة الدعوات والأفكار، ثم ما هي إلا سنوات قلائل حتى يصبح ذلك الشعار هو حلم كل فتى وفتاة، ويتحول إلى مشروع واضح المعالم وقابل للتطبيق على أرض الواقع، وعندها سيتغير التاريخ بل والجغرافية أيضًا.

سنحيا كرامًا فكرة والأفكار لا تموت، بل تسقى بالعطاء والتضحيات فتنبت وتزهر. فيا طوبى لمن عمل لأمته، ويا لخسارة من عاش لنفسه فقط.

محمد نصر
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام