عفوا، لن أكون محايدا...

منذ 2012-05-18

مصطلح الحیاد في تصوُّري ھو أكذوبة، ولیس له وجود لدى الغربیین الذین یستخدمونه فقط لكي یخیفونا ویھزمونا نفسیاً وفكریاً في كل شيء عبر الترویج لمصطلحات ھم أبعد الناس عن استخدامھا أو الالتزام بھا، وعادة ما تكون مصطلحات كبیرة في ألفاظھا لكنھا خالیة من أي مضمون أو معان فعلیة، ومنھا الحیاد الإعلامي..


مصطلح الحیاد في تصوُّري ھو أكذوبة، ولیس له وجود لدى الغربیین الذین یستخدمونه فقط لكي یخیفونا ویھزمونا نفسیاً وفكریاً في كل شيء عبر الترویج لمصطلحات ھم أبعد الناس عن استخدامھا أو الالتزام بھا، وعادة ما تكون مصطلحات كبیرة في ألفاظھا لكنھا خالیة من أي مضمون أو معان فعلیة، ومنھا الحیاد الإعلامي. وقد شغلني ھذا الأمر وناقشته مع كثیر من الإعلامیین الغربیین الذین التقیت بھم فلم أجد لدى أيٍّ منھم قناعة على الإطلاق بما یسمى بالحیاد.

وفي ندوة داخلیة عُقدت في قناة الجزیرة، وحَضَرھا كثیرٌ من المراسلین ومدراء المكاتب الخارجیة وحضرتُ جانباً منھا، وجدتُ بعض الزملاء یناقشون ھذا الأمر في إحدى الجلسات، وانتقد بعض منھم وھذا حقُّھم تغطیتي لمعركة الفلوجة، ووجَّھوا لي التُّھم التي وجھھا لي الأمریكیون والتي تتلخص بأني لم أكن محایداً في تغطیتي للمعركة.
وكانوا یعتقدون أن ھذا اتھامٌ لي، ومع ترحیبي الواسع بالنَّقد الذي یوجِّھه لي كل الزملاء وغیرھم فقد وقفتُ للرد علیھم، ففاجأتھم جمیعاً وأذھلتھم حینما قلت لھم بشكل واضح: (أنا لست محایداً… ولن أكون.. أنا لست محایداً.. ولكني منحاز.. أنا منحاز دائماً للحقیقة وإلى صاحب الحق وإلى الضعیف، وإلى المعتدى علیه، وإلى القیم الإنسانیة التي تقوم على العدل والمساواة).

أنا منحاز دائماً ضدَّ الحروب وعملیات القتل للمدنیین، والنساء، والأطفال، وجرائم الحرب التي یرتكبھا المعتدون ضد الإنسان في أي مكان في العالم.


أنا منحاز دائماً إلى دیني وعروبتي وثقافتي وھویتي.. لن أتخلى عنھا في أي موقف مھما كانت الاتھامات التي تُوَجَُّه لي، وحینما یتخلى الصحفي الأمریكي أو البریطاني أوالألماني أو الیاباني أو الروسي عن الانحیاز إلى دینه وثقافته وھویته وقومیته وأمته فلیأتوا ولیتحدثوا معنا عن الحیاد.

ھل كان الألف ومئتا صحفي الذین دخلوا العراق على ظھور الدبابات الأمریكیة أثناء غزو العراق واحتلاله في آذار (مارس) ونیسان (أبریل) 2003 محایدین؟ وھل المراسلون الأمریكیون الذین یبثون تقاریرھم وھم یتحركون مع القوات الأمریكیة التي تمارس جرائم الحرب في العراق محایدون؟


إنھم لیسوا محایدین في أدائھم، ولكنھم جمیعاً منحازون، ویعملون من أجل أمتھم، وثقافتھم، وھویتھم، ودینھم، ومؤسساتھم، وھم یفخرون بذلك، فلماذا لانكون أكثر فخراً منھم بما نقوم به؟
إن المنھزمین من الإعلامیِّین العربِ الذین ضاعَت ھویتُھُم لأن كثیراً منھم أصبح وَلاؤه للدولة الغربیة، أو الشرقیة التي یقیم فیھا، أو الَّتي منحته جنسیَّتھا، أو للمؤسَّسة الغربیَّة التي یعمل بھا، أو لمن یدفع له مقابل شراء ولائه لا قیمة لھم، بعدما تخلَّوا عن كل شيء، ثم یأتون إلینا ویتحدثون عن الحیاد.

إنني أقول بكل ثقة ویقین: لا یوجد في الإعلام شيء اسمه حیاد، وإنما توجد حقیقة یجب أن نسعى جمیعاً لإظھارھا، وحق یجب أن ننحاز جمیعاً إلیه، وموضوعیة یجب أن نتحلى جمیعاً بھا، وھذه ھي مھمة الإعلامي الأساسیة في الحیاة، أما الحیاد فھو أكذوبة وأؤكد مرة أخرى لكم أني لن أكون محایداً على الإطلاق، ولكني سأبقي منحازاً لما أعتقد أنه الحق والصواب .


ما إن أنھیت كلمتي حتى ضجت القاعة بالتصفیق الحاد من الجمیع عدا بعض الذین كانوا یتشدقون بالحیاد، ویرددون مقولات الأمریكیین، ثم جاء كثیر من الزملاء وحیوني بعد انتھاء الجلسة وقالوا: (كلنا نرید أن نقول مثل ھذا الكلام، وقد عبَّرت بكلماتك عن كثیرین).

وقد دفعني ھذا الموقف إلى أن أطرح سؤالاً سیظل یتردد وھو : لماذا لا یملك الناس الجرأة، والشجاعة دائماً لكي یجھروا بما یؤمنون به؟


أحمد منصور
 

المصدر: من كتاب معركة الفلوجة لأحمد منصور