اختيار الحاكم بين المأمول والمتاح (خطبة مقترحة)
الغرض من الخطبة: بيان أن اختيارنا للحاكم في هذه الأيام هو مِن باب المتاح الممكن لا المأمول المرجو، وأننا نختار الأنسب للمرحلة لا الأفضل في نفسه.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فالغرض من الخطبة:
بيان أن اختيارنا للحاكم في هذه الأيام هو مِن باب المتاح الممكن لا المأمول المرجو، وأننا نختار الأنسب للمرحلة لا الأفضل في نفسه.
أهمية الحاكم في الإسلام:
- لا بد للناس مِن رأس يجتمعون عليه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا خَرَجَ ثَلاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ» (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني).
- فإذا كان لزوم الأمير في الاجتماع القليل؛ فكيف بالكثير؟!
- لا يقام الخير ولا يمنع الشر إلا بقوة وإمارة: قال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [الحج:41]. قال شيخ الإسلام رحمه الله: "يقال: ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان".
- عظيم فهم الصحابة للقضية عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: فما دفنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نصبوا الخليفة والحاكم.
عظيم مسؤولية الحاكم في الإسلام:
- خطورة الإمارة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» (رواه الشيخان). وقال صلى الله عليه وسلم: «يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةُ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَ» (رواه مسلم).
- واجب الإمارة "إقامة الدين وسياسة الدنيا به": قال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُور}ِ [الحج:41].
- وكان عمر رضي الله عنه يقول: "إن أهم أموركم عندي الصلاة". ويقول: "لا حظ في الإسلام لمن ضيع الصلاة". ويقول: "إنما بعثت عمالي إليكم ليعلموكم كتاب ربكم وسنة نبيكم، ويقيموا بينكم دينكم".
- كفل الله للحاكم في إقامة الدين السيف بعد المصحف: قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد:25].
- الحاكم الصالح من أفضل أهل زمانه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَدْلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ» (متفق عليه).
الحاكم المأمول:
- لو كانت الآمال والأماني كلها تتحقق، لتمنينا أن يكون حاكمنا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أحد الخلفاء الراشدين، ولكن قال الله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30]. لكن نريد مَن يتشبه بهم.
- مثال لحاكم مأمول: قال أبو بكر رضي الله عنه في اليوم الأول: "أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإن عصيت الله فلا طاعة لي عليكم". وعمر رضي الله عنه يقول: "لو عثرت سخلة على شط العراق لخشيت أن أسأل عنها". ويقول: "لو نمت بالنهار لضاعت الرعية، ولو نمت بالليل لضاعت نفسي". وقال قبل موته بأيام: "لَئِنْ سَلَّمَنِي اللَّهُ، لأَدَعَنَّ أَرَامِلَ أَهْلِ العِرَاقِ لاَ يَحْتَجْنَ إِلَى رَجُلٍ بَعْدِي أَبَدًا " (رواه البخاري)، وقال يوم موته: "ضعوا خدي على الأرض لعل الله ينظر إليَّ فيرحمني".
- أركان اختيار الحاكم المأمول: "القوة والأمانة": قال تعالى: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} [القصص:26]. وقال صاحب مصر ليوسف عليه السلام: {إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ} [يوسف:54]. والمقصود بالقوة: القوة في كل ولاية بحسبها. والمقصود بالأمانة: الديانة، وهي خشية الله وترك خشية الناس، وعدم بيع الدين بالدنيا.
القوة والأمانة في الناس:
- اجتماع القوة والأمانة في الناس قليل: كان عمر رضي الله عنه يأسَى مِن ذلك، ويقول: "اللهم أشكو إليك جلد الفاجر، وعجز الثقة".
- الواجب في كل ولاية الأصلح بحسبها: سئل الإمام أحمد: عن الرجلين يكونان أميرين في الغزو، وأحدهما قوي فاجر، والأخر صالح ضعيف، مع أيهما يُغزى؟ فقال: أما الفاجر القوي فقوته للمسلمين وفجوره على نفسه، وأما الصالح الضعيف فصلاحه لنفسه وضعفه على المسلمين، فيُغزى مع القوي الفاجر". أي إذا تعين رجلان أحدهما أعظم أمانة والآخر أعظم قوة، قُدِّم أنفعهما لتلك الولاية.
- ولاية الحرب بين الأقوى والأدين: كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعمل خالد بن الوليد رضي الله عنه-على الحرب منذ أسلم، وقال: «خالِدُ بنُ الوَلِيدِ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ الله سَلَّهُ الله عَلَى المُشْرِكِينَ» (أخرجه ابن عساكر، وصححه الألباني)، مع أنه كان أحيانًا يعمل ما ينكره النبي صلى الله عليه وسلم. وكان أبو ذر أصلح منه في الأمانة والصدق، ومع هذا قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي، لا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ» (رواه مسلم).
- مراعاة أثر المرحلة والوقت في اختيار الأصلح للولاية: كان أبو بكر يستعمل خالد بن الوليد رضي الله عنه على الجيش، وكان عمر رضي الله عنه يؤثر عزل خالد واستنابة أبي عبيدة؛ لأن خالدًا كان شديدًا كعمر بن الخطاب، وأبا عبيدة كان لينًا كأبي بكر، وكان الأصلح لكل منهما أن يولي مَن ولاه ليكون أمره معتدلاً.
- مراعاة أثر القبول عند المخالفين في اختيار الأصلح للولاية: أمَّرَ النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل؛ استعطافًا لأقاربه الذين بعثه إليهم، وفي الجيش مَن هو أفضل منه. ومِن هذا: تنازل الحسن لمعاوية مع أنه أفضل منه اتفاقًا، ولكن معاوية تجتمع عليه الأمة.
الحاكم المتاح:
- افتقاد المأمول؛ لأن الحكام على أحوالنا: قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأنعام:129]، وقال: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46].
- نختار المتاح فليس هو المأمول: قال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة:286]، {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16].
- اعتبار القدرة والعجز من أصول هذه الشريعة: قال صلى الله عليه وسلم: «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ» (رواه البخاري).
- موقف عجيب: الذين يقولون: "لن نرشح أحدًا؛ لعدم توفر المأمول!".
- نختار مِن المتاح الأقرب وإن خالفنا في أمور؛ وإلا آلت إلى أعوان الظلمة، والذين لا يؤمنون بالمرجعية العليا للشريعة: قال الله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل:106]. (على قاعدة أخف الضررين).
- نناصر المتاح الأقرب نصرة للقضية: كان مِن أسباب فتح مكة: مناصرة النبي صلى الله عليه وسلم لخزاعة ضد قريش نصرة لقضية، وليس لشخص خزاعة المشركين.
فاللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
سعيد محمود
24-جماد ثاني-1433هـ 15-مايو-2012 م
- التصنيف:
- المصدر: