أمامك أيها المسلم موسم من مواسم الآخرة فاستعد لعمارته بالأعمال الصالحة

منذ 2012-07-26

{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّـهِ رَ‌بِّ الْعَالَمِينَ.لَا شَرِ‌يكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْ‌تُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيد الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلي يوم الدين.

أما بعد؛ فمن المعلوم أن الله فضّل الأزمنة بعضها على بعض، ففضل شهر رمضان على سائر الشهور، وليلة القدر على سائر الليالي، ويوم عرفة على سائر الأيام، ويوم الجمعة على سائر أيام الأسبوع، {وَرَ‌بُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ‌} [القصص:68]. وأمام المسلمين في هذه الأيام موسم من مواسم الآخرة، هو: شهر رمضان المبارك، فرض الله على المسلمين صيام أيامه، وسنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قيام لياليه؛ قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون . أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِ‌يضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ‌ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ‌ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرً‌ا فَهُوَ خَيْرٌ‌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ‌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ.شَهْرُ‌ رَ‌مَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْ‌آنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْ‌قَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ‌ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِ‌يضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ‌ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ‌ ۗ يُرِ‌يدُ اللَّـهُ بِكُمُ الْيُسْرَ‌ وَلَا يُرِ‌يدُ بِكُمُ الْعُسْرَ‌ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُ‌وا اللَّـهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُ‌ونَ} [البقرة:183-185]. وجاء في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بيان فضل الصيام عمومًا وفضل صيام رمضان خصوصًا؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ، وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» (رواه البخاري (1894) ومسلم (2707) واللفظ له)، وإنما خص الله الصوم بأنه له في قوله «إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به» مع أن العبادات كلها لله؛ كما قال الله عز وجل: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّـهِ رَ‌بِّ الْعَالَمِينَ.لَا شَرِ‌يكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْ‌تُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:163-162]. لأن الصيام سر بين العبد وبين ربه لا يطلع عليه إلا هو، وقد يأكل الصائم في بيته ولا يعلم كونه مفطرًا إلا الله، وقوله: «وأنا أجزي به» أي بغير حساب، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ نُودِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلاةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ» (الحديث رواه البخاري 1897 ومسلم 2371).


وقد جاء في الحديث تسمية ثلاثة من أبواب الجنة باسم أعمال صالحة هي الصلاة والجهاد والصدقة ولم يسمَ الباب الخاص بالصيام بباب الصيام؛ بل سمي بباب الريَّان لأنه يشعر بحصول الري للصائمين لأنهم عطَّشوا أنفسهم بصيامهم لله فجازاهم الله عز وجل بدخولهم من باب يشعر اسمه بحصول الري لهم، (وروى البخاري 1896 ومسلم 2710) عن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ، فَيَقُومُونَ لا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ»، وقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» (رواه البخاري (38) ومسلم (1781) عن أبي هريرة رضي الله عنه).

والصوم في اللغة: الإمساك عن الشيء، وفي الشرع: الإمساك تقربًا إلى الله عن الأكل والشرب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، والمعنى الشرعي جزء من جزئيات المعنى اللغوي؛ لأنه إمساك مخصوص.
ووجوب الصيام عن الطعام والشراب وسائر المفطرات محله شهر رمضان، أما الصيام عن الحرام فمحله طيلة عمر الإنسان، فالمسلم يصوم في أيام شهر رمضان عن الحلال والحرام، ويصوم طيلة حياته عن الحرام، فيستعمل جوارحه التي أنعم الله بها عليه من العين واللسان والأذن واليد والرجل والفرج فيما أحل الله، ويمتنع من استعمالها فيما حرم الله، والامتناع عن استعمالها فيما حرم الله هو صوم من حيث اللغة، فالعين شرع استعمالها في النظر إلى ما أحل الله ومنع من استعمالها في النظر إلى الحرام وامتناعها عن ذلك صيامها وحكمه مستمر دائم، واللسان شرع استعماله في الكلام فيما أحل الله ومنع من استعماله في الحرام، وامتناعه عن ذلك صيامه وحكمه مستمر دائم، والأذن شرع استعمالها في استماع ما أبيح لها سماعه ومنع من استعمالها في سماع ما لا يجوز سماعه، وامتناعها عن ذلك صيامها وحكمه مستمر دائم، واليد شرع استعمالها في تعاطي ما هو مباح ومنع من استعمالها في كل حرام وامتناعها عن ذلك صيامها وحكمه مستمر دائم، والرجل شرع استعمالها في المشي إلى كل خير ومنع من المشي فيها إلى الحرام وامتناعها عن ذلك صيامها وحكمه مستمر دائم، والفرج أبيح استعماله في الحلال ومنع من استعماله في الحرام وامتناعه عن ذلك صيامه وحكمه مستمر دائم.


وقد وعد الله من شكر هذه النعم واستعملها حيث أمر الله أن تستعمل وعده بالثواب الجزيل وتوعد من لم يحافظ عليها ولم يراع ما أريد استعمالها فيه بل أطلقها فيما يسخط الله ولا يرضيه بل يرضي الشيطان الذي هو عدو الله وعدو عباده، توعده بعقابه وأخبر أن هذه الجوارح مسؤولة يوم القيامة عنه وهو مسؤول عنها فقال تعالى {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ‌ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء:36]. وقال {تعالى الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْ‌جُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يس:65]. وقال تعالى: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ‌ أَعْدَاءُ اللَّـهِ إِلَى النَّارِ‌ فَهُمْ يُوزَعُونَ . حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُ‌هُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا ۖ قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّـهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّ‌ةٍ وَإِلَيْهِ تُرْ‌جَعُونَ} [فصلت:19-21]. وقال صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه بعد أن أمره بحفظ اللسان، وقال له معاذ: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال عليه الصلاة والسلام: «ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟» (رواه الترمذي (2616) وغيره وقال الترمذي: حديث حسن صحيح). وقال صلى الله عليه وسلم: «من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة» (رواه البخاري 6474 من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه، ورواه الترمذي 2409 وحسنه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه) ولفظه: «من وقاه الله شر ما بين لحييه وشر ما بين رجليه دخل الجنة»

وما بين اللحيين والرجلين: اللسان والفرج، وقال صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت» (رواه البخاري (6475) ومسلم (173) عن أبي هريرة رضي الله عنه). وأخرج البخاري (11) ومسلم (163) من حديث أبي موسى رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: أي الإسلام أفضل؟ قال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده» قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري (1/54): ((والحديث عام بالنسبة إلى اللسان دون اليد لأن اللسان يمكنه القول في الماضين والموجودين والحادثين بعد، بخلاف اليد نعم يمكن أن تشارك اللسان في ذلك بالكتابة، وإن أثرها في ذلك لعظيم))، وقال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يُقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار» (رواه مسلم (6579)). وقال صلى الله عليه وسلم: «حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات» (أخرجه مسلم (7130) من حديث أنس رضي الله عنه، وأخرجه البخاري (6487) عن أبي هريرة رضي الله عنه) ولفظه: «حجبت النار بالشهوات وحجبت الجنة بالمكاره».


والحاصل أنَّ الله أوجب على العبد أن يصون لسانه وفرجه وسمعه وبصره ويده ورجليه عن الحرام وهو صيام من حيث اللغة، وهذا الصيام لا يختص بوقت دون آخر بل يجب الاستمرار عليه حتى الممات طاعة لله تعالى ليفوز برضى الله ويسلم من سخطه وعقوبته.

وصلاة قيام الليل في رمضان جماعة في المسجد سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث صلى بأصحابه بعض الليالي من رمضان ولم يستمر في الليالي الأخرى خشية أن يُفرض ذلك على أمته صلى الله عليه وسلم، وقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفرض، فبقي الاستحباب الذي ثبت بصلاته بأصحابه بعض الليالي، وفي أثناء خلافة عمر رضي الله عنه جمع الناس على إمام في صلاة التراويح، وقد روى البخاري (1129) ومسلم (1783) عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ذات ليلة في المسجد فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح قال: «قد رأيت الذي صنعتم ولم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم» وذلك في رمضان، وروى البخاري (2009) ومسلم (1780) واللفظ له عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة فيقول: «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك، ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر، وصدرًا من خلافة عمر على ذلك).


وأفضل الليالي ليلة القدر، وهي في العشر الأواخر من رمضان، وكان عليه الصلاة والسلام يجتهد في هذه الليالي العشر؛ قال الله عز وجل: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ‌.وَمَا أَدْرَ‌اكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْر . لَيْلَةُ الْقَدْرِ‌ خَيْرٌ‌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ‌.تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّ‌وحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَ‌بِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ . سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ} ‌[سورة القدر]. وروى البخاري (2014) ومسلم (1781) عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال«: من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يجاور في العشر الأواخر من رمضان ويقول: «تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان» (رواه البخاري (2020) ومسلم (2776)). وروى مسلم (2766) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان ملتمسها فليلتمسها في العشر الأواخر». وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله) (رواه البخاري 2024 ومسلم 2787).

ولم يَحُد النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل ركعات معلومة بل جاء ما يدل على أن الأمر في ذلك واسع وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: «صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى» (رواه البخاري 990 ومسلم 1748 عن ابن عمر رضي الله عنهما)، وجاء في فعله صلى الله عليه وسلم حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة) (رواه البخاري 1147 ومسلم 1723). وجاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما في قصة مبيته عند خالته ميمونة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ثلاث عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين وأوتر بواحدة (رواه البخاري 183 ومسلم 1789)، وهذا الذي جاء من فعله صلى الله عليه وسلم لا يدل على منع الزيادة عليه؛ وإنما يدل على أن ما فعله صلى الله عليه وسلم هو الأولى لكن مع الجمع بين العدد والصفة التي هي إطالة القراءة والركوع والسجود، وإذا صلى وراء من يصلي ركعات أكثر مما جاء من فعله صلى الله عليه وسلم فلا ينبغي له أن ينصرف قبل انصراف الإمام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة» (أخرجه أصحاب السنن الأربعة وهو عند الترمذي (806) في باب: (ما جاء في قيام شهر رمضان) على شرط مسلم، وقال: هذا حديث حسن صحيح).


وهذا الموسم العظيم من مواسم الآخرة يكون استعداد المسلم له بالعزم على عمارته من أوله إلى آخره بالأعمال الصالحة التي ترفع بها درجاته وتغفر ذنوبه، ومن ذلك:

1ـ أن يحفظ صيامه من كل ما ينقصه ويُخِل به.

2ـ أن يحافظ على صلاة قيام الليل مع الأئمة في المساجد، فإن الإتيان بها في المساجد أفضل من صلاتها في البيوت، لأنها عبادة تُشرع لها الجماعة، وألا ينصرف قبل انصراف الإمام ليظفر بأجر بقية الليلة.

3ـ أن يحرص على الجود والإحسان اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاري (8) ومسلم (6009) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان النبي صلى الله عليه و سلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه و سلم أجود بالخير من الريح المرسلة).

4ـ أن يكثر فيه من قراءة القرآن والتدبر لمعانيه.

5ـ أن يأخذ فيه بأسباب المغفرة وأن يحذر ألا يغفر له فيه؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عند الترمذي (3545) وحسنه، وفيه: «ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له»، قال الشيخ الألباني رحمه الله في حاشية المشكاة (1/292): (والحديث صحيح له شواهد كثيرة عن جماعة من الصحابة خرجها الحافظ المنذري في الترغيب (2/282ـ283).

6ـ أن يحذر من شغل لياليه باللهو واللعب ومشاهدة الأفلام والمسلسلات التي تكثر في ليالي شهر رمضان لاسيما ما كان منها فيه تمثيل للصحابة رضي الله عنهم، وقد كتبت كلمة بعنوان: (تحريم تمثيل الأنبياء والمرسلين والصحابة الغر الميامين) نشرت قريبًا في 20/8/1433هـ.

7ـ أن يجتهد في إحياء ليالي العشر الأواخر من رمضان كلها؛ لأن ليلة القدر لا تخرج عنها فيكون بذلك محييًا لها، وهي تتنقل في العشر، وقد وقعت سنةً في عهده صلى الله عليه وسلم ليلة إحدى وعشرين؛ كما في صحيح البخاري (2018) وصحيح مسلم (2769) من حديث أبي سعيد رضي الله عنه.

8ـ وكما يحرص المسلم على صيام شهر رمضان فإن عليه من باب أولى أن يكون حرصه على الصلوات الخمس في مواقيتها أشد؛ لأنها عمود الإسلام، وهي صلة وثيقة بين العبد وبين ربه تتكرر في كل يوم وليلة خمس مرات.

9ـ وبعد خروج شهر الصيام وما حصل للمسلم فيه من الأنس في العبادة والحرص عليها، فإن من حسن حظه أن يداوم بعد ذلك على التقرب إلى الله بالأعمال الصالحة؛ لأن المعبود في رمضان هو المعبود في شوال وفي كل زمان.


وأسأل الله عز وجل أن يوفق المسلمين لصيام شهر رمضان وقيامه على الوجه الذي يرضيه ويقرب إليه، وأن يصلح قلوبهم وأقوالهم وأعمالهم، إنه سميع مجيب.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.


عبد المحسن بن حمد العباد البدر
26/8/1433هـ
 

عبد المحسن بن حمد العباد البدر

المحدث الفقيه والمدرس بالمسجد النبوي الشريف، ومدير الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سابقاً