رمضان والفتح الشامي الأعظم وحصاد عملية تفجير(خلية الأزمة) والديْن الشامي في رقابنا

منذ 2012-07-30


غزوة بدر الكبرى، وفتح مكة، ووقعة البُويب التي كُسِرت فيها جيوشُ كسرى -وهي نظير اليرموك في الشام- وفتح النوبة، وفتح الأندلس، وموقع بلاط الشهداء (بواتيه) في العمق الفرنسي، وفتح عمورية، وعين جالوت، وموقعة شقحب، وفتح قبرص، ومعركة المنصورة ضدّ الصليبين، وغيرها من أيام الأمة الإسلاميّة العظمى، إنما كانت في شهر رمضان المبارك.

ولا عجب ففي الحديث الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: «أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك، فرضَ الله عز وجل عليكم صيامه، تُفتح فيه أبواب السماء، وتُغلق فيه أبواب الجحيم، وتُغلّ فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خيرٌ من ألفِ شهر، من حُرم خيرها فقد حُرم» (رواه النسائي).

وإذا كان شهرًا مباركًا، فأيُّ بركة أعظم من أن يجعل الله بركات النصر لهذه الأمة فيه، ويظهرها على أعدائها، ويجعل العاقبة لها؟! وإذا كانت تفتح فيه أبواب السماء، فيستجيب الله فيه الدعاء، فأيُّ دعاء أنفع من دعاء المسلمين بنصر دينهم، وكبت أعدائهم .

وإذا كان تُغلّ فيه مردة الشياطين، فرؤوس شياطين الإنس هم الطغاة، وما أحوج الأمة إلى أن تسلسلهم بأغلال الثورات، وهل تلك الانتصارات العظيمة في رمضانات الأمة في جهادها في تاريخها إلاّ غلُّ لتلك الشياطين الإنسية التي طغت في البلاد؟!

وبإذن الله تعالى، وفي هذا الشهر المبارك شهر رمضان، سيتم القضاء على طغاة المجوس في معركة الشام، بشار وأزلامه، تهيئة للقضاء عليهم بعد ذلك في العراق، ثم ملاحقة فلولهم في عقر دارهم، حتى يسقط آخر معقل لهم في إيران، ويُحطم وكر شيطانهم الأعظم في طهران بحول الله وقوته.

ولعمري كم تشبه معركة (أزمة الخلية) التي وفق الله بها أبطال الشام يوم أمس، فأبادوا فيها رؤوس الكفر، والطغيان في عقر دارهم في دمشق، وقطعوا فيها أذرعة الأخطبوط المجوسي في الشام، فبقي رأسه الذي سيسقط قريبًا بإذن الله.

كم تشبه معركة البويب التي كانت بين يدي معركة القادسية المجيدة، وانتصر فيها المثنى بن حارثة رضي الله عنه في ثمانية آلاف من المسلمين، على جيوش الفرس التي زادت تسعة أضعاف هذا العدد، نصر الله تعالى فيها الجيش الإسلامي على الجيش المجوسي، وقَتل الصحابيُّ الجليل جرير بن عبد الله البجلي مهرانَ بن باذان قائد المجوس، وهزم الله الجيش الكسروي، شرّ هزيمة، ثم صار هذه الانتصار العظيم الذي أعاد للمسلمين معنوياتهم أعظم سبب لانتصار القادسية الكبير الذي غيرَ مجرى التاريخ.

وبحول الله تعالى وقوته ستكون قادسية الشام في رمضان، بعد معركة بويْبِهِ يوم أمس، وسينصر الله فيها جنود الإسلام المكبّرين المتوكّلين الصائمين المصلّين، الذاكرين الله كثيرًا على جنود المجوس الكفرة المشركين عبدة الطاغوت.

ولا ريب قد أحدث نجاح الهجوم على (خلية الأزمة) بتحويل رؤوس النظام المجوسي في الشام إلى رماد، قد أحدث تحولًا سريعًا، وهائلًا في ميزان القوى لصالح الثورة السورية المباركة، وسيكون من أهم تداعياته التي هي حصاد عظيم للثورة بإذن الله سبعة أمور:

1 تصاعد وتيرة الانشقاقات في صفوف الجيش، وانضمامهم للثورة، وهذا ما حدث على طول وعرض القطر السوري إثر الإنفجار المبارك مباشرة.

2 هذه الانشقاقات سترفع وتيرة الهمس بالهروب داخل الحلقات الضيقة حول رأس النظام، يبدأ بالهمس النفسي بالقفز من السفينة قبل غرقها، ويمر بالهمس الثنائي، ثم ينتشر حتى يبدأ القفز فرادى، وجماعات.

3 فقدان النظام لأهم من كان يعتمد عليهم في القبضة الأمنية على البلاد، مما يعني إنهيارًا تدريجيًا للنظام إلى سقوطه النهائي، وقد بدأ بالفعل ذلك بعيد التفجير المبارك.

4 سقوط معنويات الذين لازالوا مع النظام إلى أسفل سافلين، وصعود معنويات الثورة إلى أعلى عليين.
5 دخول رأس النظام والدائرة الضيقة جدًا حوله في دوامة الرعب ممن حولهم -فعملية الخلية كانت اختراقا أمنيا متقدما بامتياز- يجعلهم في حالة هروب نفسي مستمر سيقضي عليهم بإذن الله.

6 انكشاف طرائق دمشق أمام الثورة المباركة لكي تجول فيها خيولها، وتنتشر فيها جنودها، فتصيب من أهداف العدوّ ما تشاء في عقر داره.

7 شفاء صدور قوم مؤمنين، لا سيما أمهات الشهداء، ومسح دموع الثكالى، وتضميد جراح الشام، وتصبير الثوار، وتطمين الداعمين لهم، وتشجيع القلوب الضعيفة، وتثبيت القوية.

وبعد..
فيا أيتها الأمة العظيمة، أمّة المبعوث المختار المصطفى من العالمين، التي فُضلت على الأمم أجمعين: إنّ لأهل الشام ديْنا على رقابكم، إذ قدّموا من التضحيات لهذه الأمّة أعظم مما يطيقه البشر، ولولا تثبيت الله لهم ما قدروا عليه والله، وكانوا -وما زالوا- في جهادهم خيرَ المتوكلين على رب العالمين، لم يتزعزع توكلهم على ربهم، ولم يشكّوا في نصره، فعلَّموا الأمة كيف تتوكل على الله حق توكلّه في المحن (ما لنا غيرك يا الله) وأعادوا بعث قيم حضارتنا العظيمة بأنها: لا تحيا إلاّ بالجهاد، ولا تعزّ إلاّ بالنهوض إلى العلياء، ولا تعلو إلاّ بالحرية، وأحيوا رموز أمّتنا الأوائل فأطلقوا على كتائب أسودهم، وسرايا نمورهم، أسماء الصحابة، فكأنهم بعثوا في الأمة سير الأوائل، ونشروا فيها ما كانوا يحملونه من الفضائل..

وأسقطوا عن وجه المجوس الخبيث وكلّ أزلامه من العراق إلى لقيطهم في لبنان حسن نصر، كلّ مساحيق التجميل المزيفة التي حاولوا بها خداع الأمة، فانكشف حال هؤلاء الضباع النجسة على حقيقته: بأنهم أخبث، وأحقد عدوّ لنا، يستحل دماءنا، ويذبح أطفالنا، ويهتك أعراضنا، ويدمر مدننا، كما يحمل بين جنبيه الكفر بكلّ قيمنا، والبغض كل البغض لرسالتنا الحضارية..

ثم صار في جهاد الشام المبارك فتح الباب لهزيمة المجوس العظمى بإذن الله تعالى، فقد وجهوا الأمة لهذه الوجهة التي كانت عصيّة، وفتحوا لها هذا الطريق الذي كان مغلقا، كما ردُّوا الشام إلى إسلامها، وأرجعوها إلى عروبتها، وإذا رجعت الشام فلا تسل عن بركات ستتنزّل من السماء على هذه الأمة، ستنهض بعدها نهضة تبلغ آفاق السماء بإذن الله تعالى.

نعم! إنّ لهم ديْنا على رقاب الأمة، فليعينوهم بكلّ مقدورٍ عليه، لتعويضهم عن كلّ ما أصباهم، وليبْنوا لهم ما تهدّم، وليعيدوا لهم ما فُقد، شكرًا لهم على جهادهم العظيم، وامتنانا لتضحياتهم المجيدة.

وختامًا:
نسأل الله تعالى العلي القدير أن يهلّ هلال العيد على شام الإسلام، وهي ترفل بأحلى حلل النصر، وتتيه بآلق تاجه، وتتخطرف بأجمل وشاحه، وأن يجعل هذا الفتح الأعظم للشام، بدء المرحلة الجديدة لنهضة أمتنا العظيمة التي انطلقت من اشتعال الربيع العربي، لتكمل مسيرتها نحو المجد، والسؤدد، والرفعة، إلى أعلى مراقي السعد، وأرقى مدارج العزة بإذن الله تعالى.

لتنتهي بحول الله وقوته لإعادة كل حقوق الأمة المسلوبة، وعلى رأسها القدس الجريح، وإقامة صرح خلافتها العظيمة، وإرجاع مهابتها بين الأمم.

والله الموفق وهو حسبنا عليه توكلنا، وعليه فليتوكّل المتوكلون.

حامد بن عبد الله العلي

أستاذ للثقافة الإسلامية في كلية التربية الأساسية في الكويت،وخطيب مسجد ضاحية الصباحية