الرؤى والأحلام
منذ 2005-03-12
كما أخبر بذلك النبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، قال صلى الله عليه وسلم: «لم يبق من النبوة إلا المبشرات»، قالوا: وما المبشرات؟ قال: «الرؤيا الصالحة» [رواه البخاري].
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فإن النفس البشرية تشتاق وتتطلع إلى معرفة ما يحدث لها في مستقبلها من تغيرات وأحوال. ولما كان أمر الغيب وما يكون في أيامه ولياليه مما استأثر الله تعالى بعلمه وحجبه عن خلقه، قال تعالى: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ} [سورة الأنعام: 59].
وقال تعالى: {وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [سورة هود: 123].
وقد انساق بعض الناس إلى التطلع إلى معرفة الغيب عن طريق: السحرة والكهان، والعرافين، والرمالين، والمنجمين، وقراءة الفنجان، ومتابعة الأبراج، وغيرها، فضلوا وأضلوا بما أقدموا عليه من أمر محرم، قال صلى الله عليه وسلم: «من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمّد صلى الله عليه وسلم» [رواه أبو داود]. وقال صلى الله عليه وسلم: «من أتى عرافا أو كاهنا فصدَّقه بما يقول، فقد كفر بما أُنزل على محمّد صلى الله عليه وسلم» [رواه أحمد والبيهقي]. وروى مسلم في صحيحه عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أتى عرَّافا فسأله عن شيء فصدَّقه، لم تقبل له صلاة أربعين يوما».
هذا مع أن هؤلاء السحرة والكهان لا يعلمون الغيب بنص كتاب الله عزّ وجلّ ولكنهم يزينون للناس الباطل.
أما أهل الإيمان فقد جعل الله لهم رؤى صادقة تُبشّرهم بالخير وتنذرهم عن الشر.
ومما يُبشر به العبد بعد عمله الصالح الرؤيا الصالحة يراها العبد أو تُرى له.
كما أخبر بذلك النبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، قال صلى الله عليه وسلم: «لم يبق من النبوة إلا المبشرات»، قالوا: وما المبشرات؟ قال: «الرؤيا الصالحة» [رواه البخاري].
وما يراه النائم على ثلاثة أنواع: رؤى ومفردها "رؤيا" وهي من الله تعالى وهي أصدق ما يرى النائم في نومه، وتتميز هذه الرؤيا بوضوح رموزها وسهولة تعبيرها.
والقسم الثاني: فيما يراه النائم وهو الأحلام ومفردها "حلم" وهي من تلاعب الشيطان بالإنسان خاصة إن كان نائما على غير طهارة أو نام دون أن يذكر الله تعالى.
أما القسم الثالث: مما يرى النائم فهي بعض الصور والمواقف التي غلب على فكر الإنسان حال يقظته كأمنية يتمناها وكذلك ما ينتج عن الإكثار من الطعام وامتلاء المعدة وما يحدث من ضيق التنفس وغيرها.
عن عوف بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الرؤيا ثلاث: منها أهاويل من الشيطان ليحزن بها ابن آدم، ومنها ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه، ومنها جزء من ستة وأربعين جزءً من النبوة» [رواه ابن ماجة].
والغالب أن الرؤى في الخير والحلم في غيره وهذا التفريق مقتبس من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الرؤيا الصادقة من الله، والحلم من الشيطان» [رواه البخاري].
أما حقيقة الرؤيا فقد قال ابن القيم رحمه الله: "إنّها أمثال مضروبة يضربها الملك الذي قد وكله الله بالرؤيا ليستدل الرائي بما ضرب له من المثل على نظيره ويعبر منه إلى شبهه".
والرؤيا منزلتها في الإسلام رفيعة قال صلى الله عليه وسلم: «الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءً من النبوة» [رواه البخاري].
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الرسالة والنبوة قد انقطعت، فلا رسول بعدي ولا نبي». قال: فشق ذلك على الناس ـ أي انقطاع النبوة والرسالة ـ فقال: «لكن المبشرات». قالوا: يا رسول الله، ما المبشرات؟ قال: «رؤيا المسلم هي جزء من أجزاء النبوة» [رواه الترمذي].
وقد ضل بعض الناس في هذا الأمر فجعلوا الرؤى مصدر تشريع، وقد أنكر عليهم العلماء ذلك، قال الشاطبي: "فلربما قال بعضهم: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، فقال لي كذا وأمرني بكذا، فيعمل بها معرضا عن الحدود الموضوعة في الشريعة وهو خطأ، لأن الرؤيا من غير الأنبياء لا يحكم بها شرعا على حال إلا أن تعرض على ما في أيدينا في الأحلام الشرعية، فإن سوغتها عُمل بمقتضاها وإلا وجب تركها والإعراض عنها، وإنما فائدتها البشارة أو النذارة خاصة، وأما استفادة الأحكام فلا...".
وأصدق الناس رؤيا أهل الإيمان والصلاح والخير قال صلى الله عليه وسلم: «إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا.. » [رواه البخاري].
قال في فتح الباري: "وقد يندر في المنام أحيانا فيرى الصادق ما لا يصح، ويرى الكاذب ما يصح، لكن الأغلب خلاف ذلك والعلم عند الله".
ومن أراد أن تصدق رؤيته فقد قال ابن القيم: "ومن أراد أن تصدق رؤياه فليتحر الصدق وأكل الحلال والمحافظة على الأوامر والنواهي، ولينم على طهارة كاملة، مستقبل القبلة، ويذكر الله حتى تغلبه عينه، فإن رؤياه لا تكذب البتة، وأصدق الرؤيا ما كان بالأسحار فإنه وقت النزول الإلهي، واقتراب الرحمة والمغفرة، وسكون الشياطين، وعكسه رؤيا العتمة (وقت صلاة العشاء) عند انتشار الشياطين والأرواح الشياطنية".
ومن آداب الرؤيا الصالحة ما وجه إليه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: «إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله فليحمد الله عليها، وليحدث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشياطين، فليستعذ من شرها، ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره» [رواه البخاري].
أما إذا رأى مكروها فليفعل ما أمره النبي صلى الله عليه وسلم: «.. وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها، ومن شر الشيطان، وليتفل ثلاثا ولا يحدث بها أحدا، فإنها لا تضره» [رواه البخاري].
وفي الحديث الذي رواه مسلم: «وإذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثا، وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثا، وليتحول عن جنبه الذي كان عليه».
وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يُحدثَنَّ أحدكم بتلعب الشيطان به في منامه» [رواه مسلم].
فإذا رأى المسلم الرؤيا الطيبة فليسأل من يثق بعلمه ودينه وصلاحه، فقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الصبح أقبل عليهم بوجهه، فقال: «هل رأى أحد منكم البارحة رؤيا؟» [رواه البخاري].
وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الرؤيا تقع على ما تعبر به، ومثل ذلك مثل رجل رفع رجله فهو ينتظر متى يضعها، فإذا رأى أحدكم رؤيا فلا يحدث بها إلا ناصحا أو عالما» [رواه الحاكم].
وقال القرطبي عند قوله تعالى {قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ} [سورة يوسف: 5]: "هذه الآية أصل في ألاّ تقص الرؤيا على غير شفيق، ولا ناصح، ولا على من لا يحسن التأويل فيها".
وينبغي للمسلم أن يحذر المغالاة في هذا الباب فلا يلقي باله للأضغاث ولا يكثر السؤال عنها. ولا يطلب سؤال رؤيا إلا ما رأى أنها تستحق التعبير، وإن ترك السؤال مطلقا فلا حرج.
فالرؤيا تقع على ما تعبر به كما قال صلى الله عليه وسلم: «الرؤيا على رجل طائر ما لم تُعبر، فإذا عُبرت وقعت» [رواه أحمد].
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الكذب حال اليقظة وفي ادعاء الرؤى، وتوعد بالعذاب الذي يكذب في حلمه لأن الرؤيا جزء من النبوة، قال صلى الله عليه وسلم: «من تحلم بحلم لم يره، كُلف أن يعقد بين شعيرتين، ولن يفعل.. » [رواه البخاري].
وقال صلى الله عليه وسلم: «من أفرى الفري أن يرى عينه ما لم تر» [رواه البخاري].
اللهم وفقنا لعمل الخيرات واجعلنا من أهل البشرى في الدنيا والآخرة الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
وصلى الله على نبينا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
دار القاسم
المملكة العربية السعودية_ص ب 6373 الرياض 11442
هاتف: 4092000/ فاكس: 4033150
البريد الالكتروني:
sales@dar-alqassem.com
الموقع على الانترنت:
www.dar-alqassem.com
المصدر: دار القاسم
- التصنيف: