الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم يبدأ من الإيمان به
إن حب النبي صلى الله عليه وسلم من مُقتضى الإيمان به وبرسالته، وهو من حقوقه صلى الله عليه وسلم علينا، قال الله تعالى{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواَ} [المائدة:55]، وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من ولدهِ ووالدهِ والناسِ أجمعين»..
قرأت في جريدة الجزيرة العدد (12602)، الصادر في يوم السبت 12 ربيع الأول؛ مقالاً للدكتور محمد عبده يماني بعنوان: "من هنا يبدأ الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم"؛ يحث فيه على إقامة الاحتفال المُبتدع بمناسبة مَولِد النبي صلى الله عليه وسلم، زاعماً كما يظهر من عنوانه أن حبُّ النبي صلى الله عليه وسلم يبدأ من الاحتفال بمَولِده؛ ومقتضى هذا أن الذي لا يحتفل بهذه المناسبة لا يُحبُّ الرسول صلى الله عليه وسلم ابتداءً بأصحابه الكرام والقرون المفضَّلة التي أثنى عليها النبي صلى الله عليه وسلم لأنها لا تحتفل بهذه المناسبة.
ونقول للدكتور:
"إن حب النبي صلى الله عليه وسلم من مُقتضى الإيمان به وبرسالته، وهو من حقوقه صلى الله عليه وسلم علينا، قال الله تعالى{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواَ} [المائدة:55]، وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من ولدهِ ووالدهِ والناسِ أجمعين» [متفق عليه]. وفي حديث آخر لا بد أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إلى المؤمن من نفسه كما في حديث عمر رضي الله عنه.
ولكن ليس علامةَ حُبّه إحياء مناسبة مَولِده؛ لأن هذا بدعة والنبي صلى الله عليه وسلم حذَّرنا من البدع فقال: «وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة» [أخرجه أبو داود]. وقال صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» [أخرجه البخاري ومسلم].، وفي رواية: «من عَمِلَ عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» [أخرجه مسلم]، أي مردود عليه عمله.
والله جلَّ وعلا يقول: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر:7]، والاحتفال بالمَولِد بدعة مُحدَثة بعد القرون المفضَّلة ولا دليل عليه من الكتاب والسُنّة، فهو عمل مردود ومعصية للرسول صلى الله عليه وسلم لأنه من جملة المحدثات التي نهى عنها الرسول صلى الله عليه وسلم.
قال الدكتور: "ليتنا نخصص يوماً للسيرة النبوية".
ونقول له:
"المسلمون ما زالوا في كل السَنة يدرسون السيرة النبوية في المدارس والمساجد على مدار العام، وتخصيص يوم لدراستها يدخل في نطاق البدعة ويُقلِّل من أهمية السيرة، حيث إنها لا تُدرَّس إلا في يوم واحد من السنة. هو يوم الاحتفال بالمَولِد".
قال الدكتور: "فقد دأبت أمم الأرض كلها على الاحتفال بالأحداث العظام التي تمر بها في تاريخها وتحتفل بذكرى العظماء من رجالها ومفكريها وقادتها".
ونقول للدكتور:
"إن القدوة لنا هو رسولنا صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ولم يكونوا يحتفلون بما ذكرته. وأُمَم الأرض ليست قدوة، قال تعالى: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ َ} [الأنعام:116]، قدوتنا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه".
ثم ذكر الدكتور جُملة من صفات نبينا صلى الله عليه وسلم وما أجرى الله على يديه من الخير الكثير للأُمَّة، ثم قال بعد ذلك: "هذا النبي الكريم ألا يستحق من أُمَّته أن تحتفي بيوم مَولِده".
ونقول له:
"إن الرسول لا يرضى بذلك لأنه بدعة وغلوٌ في حقه وقد نهانا عن البدع والمحدثات فنحن مُتّبِعون لا مُبتدِّعون".
ثم أعاد الدكتور الحثّ على دراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وتدريسها للطلاب وهذا مُتحقِّق ولله الحمد؛ فالمسلمون يدرسون سيرة نبيهم ويدرّسونها لأولادهم في المدارس، وتُقرأ على العموم في المساجد وفي وسائل الإعلام المختلفة.
والدكتور يُريد تقليص ذلك وتخصيصه باليوم الذي يزعم أنه يوم المَولِد. ثم إن الدكتور أنطقه الله بالحق فقال: "إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم القُدوة والأُسوة والخُلقُ العظيم أكرمنا الله به وجعلنا من أُمَّته، وأمرنا باتباعه والاقتداء به ومَحبته وهذه ذكرى عَطرة تمرُّ بنا يوم مَولِده".
ونقول له:
"ما دام أن الرسول صلى الله عليه وسلم قدُوتنا وأمرنا الله باتباعه؛ فهل كان صلى الله عليه وسلم يُحيّي هذه المناسبة كل عام في يوم مُعين حتى نَقتدي به في ذلك. الجواب: لا بل ترك ذلك، وما تَركه تركناه، ونهانا عن البدع، وما نهانا عنه نَنتهي عنه ومن ذلك بدعة إحياء المولد. وما ذكره الدكتور من أنه كان يَفرح بيوم مَولِده ويحتفي به ويهتم به. نقول له: أين الدليل على ذلك".
واستدلال الدكتور بأنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم الإثنين ويقول ذلك يوم ولدت فيه فنقول له:
"أولاً: الرسول لم يحتفل بيوم مولده؛ وإنما صَامه فقط، فالصيام فيه سُنّة لأن الرسول فعله والاحتفال فيه بدعة لأن الرسول تركه.
ونقول ثانياً: صيامه صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين ليس لأنه ولد فيه فقط وإنما لأنه أيضاً تعرض فيه أعمال العباد على الله وهو صلى الله عليه وسلم يحب أن يعرض عمله على الله وهو صائم كما صح ذلك عنه. كما أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم الخميس من أجل ذلك".
ثم قال الدكتور: "ومن هنا فإن من واجبنا ونحن نحتفي بسُنَّته ونتّبع سِيرته أن نقتدي به ونفعل كما فعل".
نقول له:
"أحسنت وهذا هو بيت القصيد؛ فهل من الاقتداء به بفعل مثل ما يُفعل إحداث شيءٍ لم يَفعله ولم يَأمر به. إن هذا يُعدُّ مخالفة للاقتداء به صلى الله عليه وسلم وأخلاقه وأعماله الجليلة".
وأقول:
"يا دكتور وفَّقك الله إن الإشادة بالرسول صلى الله عليه وسلم وأخلاقه وأعماله الجليلة؛ تكون بما شَرَعه الله في حقّه، حيث رفع له ذِكره وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره. فجعل ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم يُرفع مع ذِكره في الأذان والإقامة في اليوم والليلة خمس مرات، وفي التشهد في الصلاة، بل جعل الله سبحانه الدخول في الإسلام بالنُّطق بالشهادتين: شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمداً رسول الله، وكل ما عمله المسلم من عمل صالح فإن للرسول صلى الله عليه وسلم مثلُ أجر العامل لأنه هو الذي دلَّه على ذلك".
ثم ختم الدكتور مقاله فقال: "وفي الختام لا بد أن نؤكد أن الحبُّ الحقيقي لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إنما يبدأ باتباع سُنّته والسيرِ على هُداه، وجعله القُدوة والأُسوة في كل أعمالنا".
ونقول له:
"صدقت ولكن هل من اتباعه والاقتداء به إحداثُ شيءٍ في حقّه لم يَشرعه لنا؛ مثل إحداث الاحتفال بمناسبة المَولِد، هل هذا من سُنّته؟!"
اللهم وفقنا والدكتور محمد وجميع المسلمين للعمل بسُنّة نبيك وترك ما يُخالفها إنك سميعٌ مجيبُ الدعاء.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
صالح بن فوزان الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء بالسعودية
- التصنيف: