ماذا تبقى من بلاد الأنبياء

منذ 2005-04-10
ماذا تبقى من بلاد الأنبياء

شعر: فاروق جويدة (بتصرف يسير)


ماذا تبقّى من بلاد الأنبياء؟


خمسون عاماً..

و الحناجر تملأ الدنيا ضجيجاً،

ثم نبتلع الهواء..


خمسون عاماً..

و الفوارس تحت أقدام الخيول،

تئن في كمد، و تصرخ في استياء..


خمسون عاماً في المزاد..

و كل جلاد يحدّق في الغنيمة،

ثم ينهب ما يشاء..


خمسون عاماً..

و الزمان يدور في سأم بنا،

فإذا تعثّرت الخطى،

عدنا نهرول كالقطيع إلى الوراء..


خمسون عاماً..

نشرب الأنخاب من زمن الهزائم،

نُغرق الدنيا دموعاً بالتعازي والرثاء،

سئمت دعاء العاجزين، وهل ترى

يُجدي مع السّفه الدعاء!!



ماذا تبقّى من بلاد الأنبياء؟

أترى رأيتم كيف بدّلت الخيول صهيلها،

في مهرجان العجز،

و اختنقت بنوبات البكاء..


أتُرى رأيتم،

كيف تحترف الشعوب الموت..

كيف تذوب عشقاً في الفناء؟


أطفالنا في كل صبح..

يرسمون على جدار العمر

خيلاً لا تجيء،

وطيف قنديل تناثر في الفضاء،


والنجمة السوداء..

ترتع فوق أشلاء الصليب،

تغوص في دم المآذن،

تسرق الضحكات من عين الصغار الأبرياء..



ماذا تبقى من بلاد الأنبياء؟

ما بين أوسلو،

و الولائم، و الموائد و التهاني..والغناء

ماتت فلسطين الحزينة،

فاجمعوا الأبناء حول رفاتها،

و ابكوا كما تبكي النساء..


خلعوا ثياب القدس،

ألقوا سرّها المكنونَ في قلب العراء..

قاموا عليها كالقطيع،

ترنح الجسد الهزيل..

تلوثت بالدم أرض الجنة العذراء..


كانت تحدّق في الموائد والسكارى حولها،

يتمايلون بنشوة،

ويقبلون النجمة السوداء..


نشروا على الشاشات نعياً دامياً،

وعلى الرّفات تعانق الأبناء والأعداء،

و تقبّلوا فيها العزاء..


وأمامها اختلطت وجوه الناس،

صاروا في ملامحهم سواء..

ماتت بأيدي العابثين مدينة الشهداء..



ماذا تبقّى من بلاد الأنبياء؟

في حانة التطبيع،

يسكر ألف دجّال وبين كؤوسهم

تنهار أوطان.. و يسقط كبرياء..


لم يتركوا السمسار يعبث في الخفاء،

حملوه بين الناس

في البارات، في الطرقات، في الشاشات..

في الأوكار، في دور العبادة،

في قبور الأموات..


يتسللون على دروب العار،

ينكفئون في صخب المزاد،

ويرفعون الراية البيضاء..


ماذا سيبقى من نواقيس النفاق،

سوى المهانة والرياء..

ماذا سيبقى من سيوف القهر،

والزمن المدنّس بالخطايا

غير ألوان البلاء..


ماذا سيبقى من شعوب

لم تعد أبداً تفرّق

بين بيت للصلاه، وبين وكر للبغاء؟


النجمة السوداء

ألقت نارها فوق النخيل،

فغاب ضوء الشمس، جف العشب،

واختفت عيون الماء..



ماذا تبقى من بلاد الأنبياء؟

ماتت من الصمت الطويل خيولنا الخرساء..

وعلى بقايا مجدها المصلوب ترتع نجمة سوداء..

فالعجز يحصد بالردى أشجارنا الخضراء..

لا شيء يبدو الآن بين ربوعنا

غير الشتات، و فُرقة الأبناء..


والدهر يرسم

صورة العجز المهين لأمة،

خرجت من التاريخ

واندفعت تهرول كالقطيع إلى حمى الأعداء..


في عبنها اختلطت

دماء الناس والأيام والأشياء..

سكنت كهوف الضعف

واسترخت على الأوهان،

ما عادت ترى الموتى من الأحياء..


كهّانها يترنّحون على دروب العجز،

ينتفضون بين اليأس والإعياء..



ماذا تبقّى من بلاد الأنبياء؟

من أي تاريخ سنبدأ

بعد أن ضاقت بنا الأيام،

وانطفأ الرجاء..


يا ليلة الإسراء عودي بالضياء..

يتسلل الضوء العنيد من البقيع،

إلى روابي القدس..

تنطلق المآذن بالنداء..


الله أكبر من زمان العجز،

من وهن القلوب، و سكرة الضعفاء..

الله أكبر من سيوف خانها

غدر الرفاق، و خسّة الأبناء..



في المهد يسري صوت عيسى،

في ربوع القدس نهراً من نقاء..


يا ليلة الإسراء عودي بالضياء..

هزّي بجذع النخلة العذراء،

يساقط الأمل الوليد

على ربوع القدس..

تنتفض المآذن، يبعث الشهداء..

تتدفق الأنهار، تشتعل الحرائق،

تستغيث الأرض،

تهدر ثروة الشرفاء..


يا ليلة الإسراء عودي بالضياء..

هزّي بجذع النخلة العذراء..

رغم اختناق الضوء في عينيَّ،

ورغم الموت، والأشلاء..


ما زلت أحلم أن أرى قبل الرحيل

رماد طاغية تناثر في الفضاء..

ما زلت أحلم أن أرى فوق المشانق

وجه جلاد قبيح الوجه تصفعه السماء..

ما زلت أحلم أن أرى الأطفال

يقتسمون قرص الشمس،

يختبئون كالأزهار في دفء الشتاء..

ما زلت أحلم

أن أرى وطناً يعانق صرختي،

ويثور في شَمم، و يرفض في إباء..

ما زلت أحلم

أن أرى في القدس يوماً


و تعود، فيه أرض الأنبياء..