العفيفة

منذ 2005-05-10

الحمد لله القائلِ في كتابه الكريم: { فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ }.

كانت تمشي في السوق مِشيةً مثيرةً متكسّرة، مزهوّةً بقوامها و عباءتِها الجميلةِ المُخَصَّرَةِ الجذّابةِ جداً، والتي أبرزت معالِمَ جِسْمِها، وأضفتْ على قَوامِها نُعومةً ورِقّة..
ولا فُستان سهرة!!

فمرّت بأختٍ لها من النساء، فتحسّرت تلك الأخرى وهي ترى ما تلبّست به أختُها من معالمِ الفتنةِ و الإغراءِ و جذْبِ الأنظار، فخافت عليها من عقاب الله، نعم..

خافت عليها من عقابِ الله، و أشفقت عليها من سَخَطِه، فلم تستطع إلاّ أن تُبادِرَها قائلةً لها: " يا أختي.. يا أختي تستّري ستر اللهُ عليَّ و عليك في الدنيا و الآخرة "، فسبحان من أوقع كلامَها في سويداءِ قلبِ تلك المرأة، فطأطأت رأسَها و قالت: " إلى هذه الدرجة !!؟؟ "، قالت: " إي والله.. ألا ترين نظراتِ الرجال؟ "، فتلفّتت حولها فما هو إلاّ كما قالت، ثم التفتت إليها وقالت: "أتدرين أنكِ أوّلُ واحدة تقول لي مثلَ هذا الكلام ؟.. لا أمِّي، ولا أبي، ولا أَحَدَ من أهلي، ولا حتى صديقاتي قدّموا إليَّ هذه الملاحظة!!"،
-"ربما استحوْا مِنْكِ ؟"
-"لا بالعكس، هم ينتقدون بعض الفساتين إللّي ألبسْها، وبعضَ الألوان إللّي اختارها، لكن العباءة.. ولا مرّة.. حتّى اللِّي ما يَلْبَسون نوعيّة هاذي العباءة ولا مرّة قالوا شيْ !! تتوقعين إنّ هذي العباءة حرام ؟؟"
- "يا أختي أنا متأكّدة إنها حرام.. لأن هاذي العباءة صُمِّمَت أصلاً لتُعطي إللي تلبسها نعومة وجمال وإثارة، وهاذي الأمور يجب على المرأة أن تسترها ولاّ تُظهِرْها، وتمشي بها بين الرجال ؟؟"
- "لكن.. أنا ما أقصد إظهارها للرجال"
- "أنا عارفة يا أختي.. لكن الأثم أحياناً يكون على القصد السّيّء، وأحيناً يكون على العمل نفسِه ولو لم يكن القصد سيّء"
- "سبحان الله.. صحيح هذا الكلام ؟؟!!"
- "نعم ، شوفي يا أختي، هذي العباءة واللهِ ما فيها خير، وما تجيب إلاّ الشرّ، وأحلفْ لِك إنّ الرِّجال يحترمون المرأة اللي تلبس عباية الرأس العاديّة، أكثرْ من اللي تلبس العباءة المخصّرة أوالمغربية أو مثلَها من أنواع العِبيّ، حتّى الفسّاق أهلُ المعاكسات ما يَجْرَئون على إزعاجها، ثم لاتنسين ياأختي.. إنّ هناك رب، وحساب، وجنّة ونار.. الله يجعلني وياكِ من أهل الجنة، ويِبْعِدْني وإياكِ عن أهل النار"
- "والله كلامِك صحيح.. الله يجزيكِ خير، الله يجزيكِ خير.. استغفر الله العظيم وأتوب إليه، استغفر الله العظيم وأتوب إليه"
{ وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَآ آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ.فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذلِكَ جَزَآءُ الْمُحْسِنِينَ } [المائدة:83-84]


أختي الكريمة.. مشهدُ النّصيحةِ هذا بوِدِّي لو يتكرّر، بوِدّي لو تنصحُ كلُّ مسلمةٍ أختَها، بوِدّي لو تنصحين أنتِ كلَّ مسلمةٍ.. سواءً كنتِ امرأةً متزوجة، أو كنتِ طالبةً في المدرسةِ، أو في الكلية، تنصحين من ترين أنها تستدعي النُّصحَ من أَخَواتِكِ المؤمنات، فالمؤمنون والمؤمنات، كما قال الله تعالى، أولياء يتعاونون على البر والتقوى { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }


أختي العفيفة.. حتّى متى نُسْرِفُ على أنفسنا؟
استمعي إلى ما قالته أمُّ سلمة رضي الله عنها، قالت: "استيقظَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم من الليل وهو يقول:« لا إلهَ إلا اللّه، ماذا أُنْزِلَ الليلةَ منَ الفتن؟ ماذا أُنزِلَ من الخزائن؟ من يوقظُ صواحبَ الحُجُرات؟ -يقصِد زوجاتِه صلى الله عليه وسلم-، كم من كاسيةٍ في الدنيا عاريةٌ يومَ القيامة »، ولاحظي لفظة ( كم من ) في قوله: « كم من كاسيةٍ في الدنيا عاريةٌ يوم القيامة » فهذه اللَّفْظة تعني الكَثْرة، يعني أن النساءَ العارياتِ يوم القيامة كثيراتٌ جدّاً - نسأل الله السِّتْرَ والسلامة-.

إذاً فالمسألة ليست زِيّاً تلبسينه وانتهى الأمر، لا.. ليس بهذه البساطة !!

هناك مراقبةٌ لكل فِعْل، وتسجيلٌ لكل حركة، ومحاسبة، وعقاب، وثواب. ولذلك انظري كيف كان إيمانُ الصحابيات وشدّةُ تأثِّرِهِنَّ بالأحاديث، يقول الزُّهري: "وكانت هند بنتُ الحارث رضي الله عنها، وهي التي روت الحديث عن أم سلمة، كانت لها أزرارٌ في كُمَّيْها بين أصابعها"، والمعنى أنها كانت تخشى أن يبدو من جَسَدِها شيء بِسَببِ سَعةِ كُمَّيْها، فكانت تُزرِّرُ ذلك لئلا يبدوَ منه شيءٌ، خوفاً من أن تدخلَ في قولِه صلى الله عليه وسلم « كاسيةٍ في الدنيا عاريةٌ يوم القيامة ». قال الحافظ بنُ حجر في شرحه للحديث: "أنه صلى الله عليه وسلم حذّر النساء من لِباس الرقيقِ من الثيابِ الواصفةِ لأجسامهن، لئلا يَعْرَيْنَ في الآخرة". واخْتلَفَ العلماءُ في المُرادِ بقوله: « كاسية وعارية »، وإن كانت المحصِّلةُ وخيمةً على أيِّ حال، اختلفوا على أوجه، أحَدُها: كاسيةٌ في الدنيا بالثياب لوجود الغِنَى، عاريةٌ في الآخرة من الثَّواب، لعدم العمل على طاعة الله وتركِ مساخطه في الدنيا. ثانيها: كاسيةٌ بالثياب نعم .. لكنها ثيابٌ شفافةٌ أو رقيقةٌ أوضيِّقة تُبدي مفاتِنَها، فتُعاقَبُ في الآخرة بالعُري جزاءً على ذلك.

ثالثها : كاسيةٌ جسدَها، لكنها تشُدُّ خمارَها من ورائها، فيبدو صدرُها، فتصير عاريةً، فتُعاقب في الآخرة.
الحاصل أنّ اللفظة، وإن وَرَدَتْ في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، لكن العبرة بعموم اللفظ، قال العلماء: "فأراد صلى الله عليه وسلم تحذيرَ أزواجِه من ذلك كلِّه، وكذا تحذيرَ غيرِهن مّمن بَلَغه ذلك، ولذلك تقول أم سلمة رضي الله عنها: "لَمَّا نَزَلَتْ { يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ }، خَرَجَ نِسَاءُ الأنْصَارِ كَأَنَّ عَلَى رُؤوسِهِنَّ الْغِرْبَانَ مِنَ الأكْسِيَةِ". وهو ما حَمَل عائشةَ رضي الله عنها لأن تُثنيَ على نساء الأنصارِ بذلك، وتقولُ فيما ورد: " إن نساءَ قريشٍ لَفُضَلاء، ولكني واللهِ ما رأيتُ أفضلَ من نساء الأنصارِ أشدَّ تصديقاً بكتاب الله ولا إيماناً بالتنزيل -يعني لمّا نَزَلت آياتُ الأمرِ بالحجاب، بادرْن إلى الالتزامِ بالحجابِ كلُّهُنّ بلا استثناء مباشرةً دون تردد-، تقول: ".. ما منهن امرأة إلا قامت إلى مِرْطها -وهو الكساءُ من الصوف، يعني استترْن بتلك الأكسية-، فأصبحن يصلين الصبح معتجِرات -أي بتلك الأكسية- كأن على رؤوسهن الغِربان".

أختي الكريمة.. أنا وأنتِ نتّفق أنّ اللهُ تعالى هو الأعلمُ بعبادِه كما جاء في الآية:
{ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ الأَرْضِ }، فهو سبحانه يعلم أنّ المرأةَ هي أضرُّ فتنةٍ على الرجال، كما قال صلى الله عليه وسلم: « ما تركت بعدي فتنةً أضرَّ على الرجال من النساء »، ولذلك صحّ أنه صلى الله عليه وسلم قال: « المرأةُ عورة إذا خرجت -يعني من بيتها- استشرفها الشيطان» أي زينها في نظر الرجال ليفتنهم بها.

ولذلك قال الأمام ابن المبارك: "المرأة عورة، وأقربُ ما تكونُ إلى الله في قَعْرِ بيتها، فإذا خرجت استشرفها الشيطان". واللهُ تعالى يعلم أيضاً أنّ من طبيعةِ الفسّاقِ والمنافقين أذيّةَ النساء المفرِّطاتِ بالحجاب، لأنّ الاستهانةَ بالحجاب، أو بهيئةِ الحجاب، يدعو السِّفلةَ والفُسَّاقَ المتسكّعين في الأسواق والطرقات، إلى التّعرُّضِ و الأذى والنظر بشهوة، وهذا من الفساد !! والله لا يحبُّ الفساد، فقال تعالى مُرْشداً وآمراً: { يأَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }، فكانت تلك الاستجابةُ العظيمةُ من نساءِ الصّحابة كما وصفت أمُّ المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها.
المصدر: موقع صيد الفوائد

عبد العزيز السويدان

إمام وخطيب جامع أسيد بن الحضير بحي المزروعية بالدمام