وماذا بعد كارثة جدة وسيول الأفلاج؟

منذ 2012-12-06

كارثة جدة 2009 ... سيول الأفلاج 2012 ... إلى متى الاستهتار بالبنى التحتية؟! إلى متى سيقى الفساد مسيطرًا؟!

 

أعادت سيول منطقة الأفلاج إلى الأذهان الكارثة الإنسانية التي ضربت مدينة جدة عام 2009م وما خلّفته وراءها من خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات، والتي لا تزال أصابع الاتهام بالتقصير والفساد تتوجه على إثرها حتى الآن إلى عدد من المسؤولين ورجال الإعمال.

فقد تسببت الأمطار الغزيرة التي لم تشهدها محافظة الأفلاج منذ 30 عاماً إلى جريان سيول جارفة تعرضت لها كافة مدن وقرى المحافظة، الأمر الذي دفع بجميع الجهات الحكومية والأمنية إلى الاستنفار لمجابهة الآثار المدمرة لتلك السيول التي ضربت مناطق المحافظة وهي الأفلاج والأحمر والهدار والبديع.

والأفلاج هي محافظة سعودية تابعة لمدينة الرياض، وتبعد عنها قرابة 300 كم، وتعد من أكبر المحافظات التابعة للعاصمة الرياض, ويبلغ عدد سكانها قرابة 60 ألفاً.

وكغيرها من محافظات منطقة نجد وسط الجزيرة العربية، تضم في تضاريسها الجبال والسهول، حيث ساهمت هذه الطبيعة الجغرافية في تكوين مجار للسيول شكّلت بدورها البيئة الملائمة للزراعة والرعي لأبناء المحافظة والتي كانت مصدر رزقهم لسنوات طويلة.

لكن الأمطارالغزيرة التي ضربت المحافظة على مدى يومين متسببة في جريان السيول على نحو غير متوقع، أحدثت العديد من الخسائر في الممتلكات والبنية التحتية للمحافظة، فقد أدّت إلى وفاة أحد المواطنين في الأربعين من عمره واحتجاز 46 شخصاً تم إنقاذهم بواسطة الدفاع المدني، كما تسببت في انقلاب وجرف عدد من السيارات من بينهم إحدى السيارات التابعة للدوريات الأمنية أثناء مباشرتها عمليات الإنقاذ.

وداهمت السيول الجارفة عدداً من مزارع المواطنين مسببة تلفيات مختلفة، وتسببت الأمطار كذلك في نفوق أكثر من 250 رأساً من الأغنام في إحدى المزارع.

وكشفت هذه الأمطار عن عدد من الأخطاء في مشاريع تصريف السيول، إضافة إلى ضعف مشاريع السفلتة للطرقات، والأساليب الخاطئة المتبعة في ردم الحفريات، إذ تسببت في طفح المجاري في العديد من الطرقات السريعة الشمالية والجنوبية الرئيسية وإغلاق العديد من الطرق.

و تسبب تجمعات المياه إلى هبوط الطبقة الإسفلتية في الطريق العام على بعد 40 كم شمال الأفلاج، وتوقف حركة السير بعد غمر السيول الطريق العام الذي يربط الرياض بحوطة بني تميم والأفلاج مما كشف ضعف مشاريع السفلتة للطرقات والأساليب الخاطئة المتبعة في ردم الحفريات.

وذكرت صحيفة "الأفلاج الإلكترونية" أن السيول ضربت إحدى المخططات الجديدة بمنطقة "الهدار" والذي لم يتوقع وصولها لهذا المخطط برغم وجود حاجز السيل الذي تم إنشائه لهذا الغرض، فقد غمرت السيول مسجد العيد الجديد وبعض المباني الجديدة تحت الإنشاء وجوانب من مقبرة الهلالي.

وأكد الأهالي أن الأمطار كشفت عيوب أغلب طرق المنطقة التي تحوّل بعضها إلى حفر نتيجة سوء تنفيذها مسبقاً إضافة إلى عدم وضع تصريف كاف للسيول، مبينين أنه لا بد من الإسراع إلى معالجة الخلل والعمل على إصلاح العديد من الطرق التي كلفت أموالاً كثيرة ولم تصل للمستوى المأمول.

وعلى الرغم من الفرق الكبير في حجم الخسائر التي خلفتها سيول الأفلاج عن تلك التي أحدثتها سيول جدة والتي راح ضحيتها قرابة 123 قتيلاً و تدمير 10785 مبنى ومنزلاً وتلف 10850 سيارة؛ إلا أنه قد يكون هناك تشابه كبير في الأسباب التي أدّت إلى وقوع كلا الكارثتين.

فقد كشفت التحقيقات -كما أجمع المراقبون- أن الأسباب التي أدّت إلى أكبر كارثة إنسانية عرفتها مدينة جدة تمثلت في سوء البنية التحتية، وعدم وجود مجاري للسيول، وعدم وجود شبكة تصريف المياه والأمطار بشكل فعال، وانهيار السد العشوائي في حي أم الخير لعدم وجود مجرى له إلى البحر أو الأودية، وتنفيذ المقاولين لمشاريع البنية التحتية بمواصفات سيئة، وَوجود أحياء سكنية على مجاري السيول.

وكان مما تمخضت عنه هذه النتائج أن تم توجيه أصابع الاتهام بالفساد والرشوة واستغلال الوظيفة، واختلاس المال العام، والتقصير،إلى عدد من مسؤولي أمانة مدينة جدة إضافة إلى كتاب عدل ورجال أعمال لا تزال قضياهم يتم تداولها في محاكم جدة حتى الآن.

وقد دفعت التجربة المريرة التي عاشتها مدينة جدة وما تكشف عنها من حقائق على الرغم من الميزانيات الهائلة التي أُنفقت على بناها التحتية، وما تبعها من كارثة في محافظة الأفلاج دفع عدداً من النشطاء ومستخدمي شبكة التواصل الاجتماعي إلى دق ناقوس الخطر والتحذير من كوارث مشابهة قد تتسبب بها مثل هذه الأمطار في أماكن أخرى إن لم يتم الكشف المسبق عن أي خلل أو تلاعب في مشاريع البنى التحتية وتتبع المتسببين فيها ومحاسبتهم.

وعلى الرغم من أن تلك الكوارث الطبيعية تطال أيضاً كبرى المدن في العالم مسببة الكثير من الخسائر والتلفيات، إلا أن الحرص على إيجاد بِنى تحتية راسخة من خلال المتابعة الدقيقة لتنفيذ المشاريع والمكاشفة التامة لكافة تفاصيلها ومحاسبة المقصرين إضافة إلى الاستعدادات المسبقة لتك الكوارث تكون سبباً في التقليل من تبعاتها إلى حدٍ كبير.


محمد لافي - 19/1/1434 هـ