قراءة في تفجيرات لندن

منذ 2005-07-11

2/6/1426هـ

من الصعب الحكم على الفاعل الآن قبل تجلّي بعض الحقائق, ومن الصعب - أيضاً - نسبة العمل لجهة ما خاصّة في بريطانيا، وذلك لأنّ المملكة البريطانية كانت قد شهدت أعمال عنف كبيرة في تاريخها المعاصر، حيث كانت تخوض صراعاً مريراً مع "الجيش الجمهوري الإيرلندي"، ومن اشهر عمليات الأخير تفجير اجتماع لمجلس الوزراء كانت تحضره المرأة الحديدية مارغريت تاتشر آنذاك.

على العموم، نخمّن من خلال المعطيات الأولية أنّ القاعدة هي الفاعل عبر ذراعها الأوروبي المعروف بـ"كتائب أبي حفص المصري"؛ وذلك لعدد من الأسباب منها:

1- أنّ التفجيرات لم تقتصر على تفجير واحد, بمعنى أنّها جاءت على شكل سلسلة تفجيرية وفي أماكن متنوّعة ومتعددة، وفي وقت متزامن. وتعتبر خصائص هكذا تفجيرات من صنع تنظيم القاعدة. ويمكننا القول أنّ القاعدة يتميز عن كثير من التنظيمات السابقة له بهذه الخاصّية، بل وندّعي أنها بمثابة "توقيعه الخاص".

ولهكذا تفجيرات متسلسلة أهداف عديدة, فهي أولاً تضمن تأكيد الهجوم، ففي حال تمّ إفشال تفجير إحدى القنابل يكون هناك تأكيد أنّ الباقين سينفجرون, وفي حال تمّ اعتقال أحدهم فالباقين لا يتأثرون. ومن الاهداف أيضاً إثارة البلبلة وتشتيت الأنظار وتوسيع دائرة المستهدفين، والإظهار للناس أنّ شرطتهم واستخباراتهم عاجزة عن فعل أي شيء، بل وتائهة وضائعة. ومن الأهداف أيضاً تضخيم العمل و نتائج تأثيراته.

طبعا الجواب السهل والبسيط هو أنّ القاعدة هي السبب، وأنّ الإرهاب هو المشكلة, في حين يغيب عن بال الجميع أنّ الإرهاب نتيجة وليس فعلاً، وأنّ للقاعدة أو غيرها مطالب يجدر النظر فيها.

2- أنّ القاعدة سبق لها وأن هدّدت بريطانيا - كما أمريكا - بتنفيذ أعمال تفجيرية لنقل المعركة إلى أراضيها؛ لمساندتها أمريكا في العراق وأفغانستان، ولطالما استخفّت بريطانيا وتعالت كما غيرها من الدول الغربية بتهديدات أسامة بن لادن, ورفضت هدنته، وعلا على وجه قادتها ابتسامة تملؤها السخرية واللامبالاة.

3- أنّ القاعدة نبّهت إلى أنّه لا أمن ولا سلام في العالم ما لم تنعم به الدول العربية والإسلامية, أضف إلى ذلك أنّ الشعب البريطاني، الذي يبدو أنّ القاعدة اعتمدت عليه لإسقاط حكومة بلير لم يفعل ذلك، وبالتالي بقي بلير في منصبه وفازت حكومته ، وربما وجد التنظيم أنّ الوقت ملائم لرد الصاع صاعين له الآن.

لمن الرسائل الموجّه من خلال التفجير؟

يمكننا الادعاء أنّ التفجير كان ضربة قاصمة لبريطانيا، على الرغم من أنّه لم يتّضح ما إذا كان ضخماً أم لا. إلاّ أنّ الحكم على الشيء ليس بضخامته بقدر ما هو النتيجة التي يفضي إليها وعدد الرسائل التي يوصلها.

و في هذا الاطار فقد وجّهت التفجيرات رسائل عديدة الى جهات متعددة منها:

1- الدول الكبرى الثمانية التي تقود العالم، والتي ترأسها أمريكا، والذين يجتمّعون في اسكتلاندا, وتذكيرهم أنّ الحرب مازالت قائمة، وأنّهم لم ينتصروا.

2- توجيه رسالة إلى بريطانيا أنّها ستدفع ثمن مساندتها لأمريكا في كل القضايا الآثمة، وأنها مسؤولة عما يجري فيها بقدر ما هي مسؤولة عن المآسي التي تسببت بها عبر دعمها اللامشروط لأمريكا.

3- توجيه رسالة إلى أجهزة الاستخبارات البريطانية والعالمية: أنّ ما يسمى "إرهاب" من الصعب وقفه أو توقّعه، وأنهم سيفشلون في محاربته، وأنهم قادرون على الضرب متى شاءوا, فإن كانت هذه المرة بالقنابل فماذا يمنع أن تكون المرة القادمة بمواد كيميائية أو تفجيرية أشدّ فتكاً؟ خاصّة أن العرب والمسلمين أصبحوا حقل تجارب لأسلحة الغرب و "إسرائيل" من الغازات السامة إلى اليورانيوم المنضّب إلى النابلم إلى القنابل العنقودية والغازية والجرثومية والإشعاعية. فمن يمنع هؤلاء من الرد على الغرب بنفس وسائلهم؟!

4- توجيه رسالة إلى الشعب البريطاني أنّ حكومته مسؤولة، عما يجري وأنها عاجزة عن فعل أي شيء، وأنه كان عليهم عدم إنجاحها, إضافة إلى إشعارهم بما يشعر به غيرهم عندما تقصفهم الطائرات الأمريكية والبريطانية وتقتلهم دباباتهم وقذائفهم وقنابلهم, وأنّ العين بالعين والسن بالسن, وقد أعذر من أنذر.

5- من خلال معلومة لم يتم التأكّد منها, يمكن القول أنّ التفجيرات هي إشارة أيضاً إلى الاستعداد لاستهداف المصالح "الإسرائيلية" أينما كان, فقد أعلن أحد مساعدي وزير المالية "الإسرائيلي" أنه كان من المقرر أن يشارك بنيامين نتانياهو اليوم الخميس في اجتماع لمستثمرين في فندق يقع فوق محطة قطار الانفاق التي وقع فيها انفجار في لندن.

وصرّح أورين هلمن للإذاعة "الإسرائيلية" العامة أن "الإنفجار وقع تحت الفندق في التوقيت الذي كان يتوقع أن يبدأ فيه اجتماع رجال أعمال مهتمّين بالاستثمار في "إسرائيل"".

نتائج التفجيرات

إنّ النتائج الأوّلية للإنفجار هي سقوط عدد من القتلى ( 38 على الأقل ) والجرحى ( أكثر من 700 )، وقد لوحظ عدم تسرّع الأجهزة البريطانية بإصدار التصريحات؛ وذلك ليس من أجل التبيّن من الجهة الفاعلة كما قيل, وإنما لمحاولة ضبط الأوضاع وعدم إشاعة الفوضى والخوف, لكن التفجيرات نجحت في إيصال رسائلها.

ومن نتائج التفجيرات أنها عطّلت (جزئياً) قمّة الدول الثمانية، وحوّلت الأنظار عنها كلياً، ووضعت الحكومة البريطانية في وضع حرج للغاية؛ إذ أنّه لابدّ في هكذا حالات أن تكون الاستعداد في حالتها القصوى, ولكن على الرغم من ذلك فقد حصلت التفجيرات!!

من النتائج أيضاً حصول خسائر مالية ضخمة، وانخفاض أسعار البورصة البريطانية، وهذه أمور لا يجب التقليل من أهمّيتها؛ حيث هبطت الأسهم البريطانية نحو ثلاثة بالمئة بعد حادث قطارات لندن. كما هبط الجنيه الإسترليني لأدنى مستوى في 19 شهراً أمام الدولار، وأقل مستوى في شهر أمام اليورو، إثر ورود أنباء انفجار أول حافلة في لندن.

ولكن الأهم من ذلك هي النتائج التي ستظهر فيما بعد، والقرارات التي ستُتخذ، والمفاعيل التي ستتركها, وحتى ذلك الحين.. نذكّر القراء أنّ هذا التحليل أوّلي، وأنّ هناك جهات عديدة قد تكون مسؤولة، خاصةً أنّ بريطانيا جلبت لنفسها في الآونة الأخيرة أعداءً كُثر حتى من داخل البلدان الأوروبية, كما أنّ الجيش الجمهوري الإيرلندي أعلن مؤخراً انتهاء الهدنة التي كان عقدها منذ زمن، وبالتالي فإنّ رسائل التفجيرات وأهدافها تتغير بتغير الفاعل. لكنّ الأكيد أنّ الغرب أرادها حرباً عالمية, فليتحمل نتائج ذلك إذاً.

أخيراً..

من الحزين جداً أن نرى الفوضى تنتشر في العالم, لكن السؤال الذي لابد وأن يطرح نفسه ، هو "من المسؤول عن كل ذلك؟" ولماذا؟

طبعاً الجواب السهل والبسيط هو أنّ القاعدة هي السبب، وأنّ الارهاب هو المشكلة, في حين يغيب عن بال الجميع أنّ الإرهاب نتيجة وليس فعلاً، وأنّ للقاعدة أو غيرها مطالب يجدر النظر فيها, فالحكم على الشخص لا يجب أن يكون إلا من خلال مطالبه.

وطالما قيل لنا نحن العرب والمسلمين "نفّذوا العمل والفلاني واسحبوا الذريعة من قبل أمريكا والغرب, لا تردّوا على عمليات القتل في البلد الفلاني أو المكان الفلاني, لأنّ ردّ الغرب سيكون عظيما".

حسنا لماذا لا نعكس المقولة الآن؛ ونطالب أمريكا وغيرها من البلدان بتنفيذ مطالب هذه الجماعات، أو على الأقل سحب الذريعة من بين أيديهم كما يُقال؟ هم يطالبون بوقف سفك دماء المسلمين في الصومال والسودان والعراق وأفغانستان والبوسنة والشيشان و..و ... اللائحة لا تنتهي.

هم يطالبون بانسحاب الجيوش الغازية لأراضينا والتوقف عن نهب أموالنا و ثرواتنا.

هم يطالبون بتحقيق العدالة وبكبح الجزّارين الصهاينة، وهم يطالبون بوقف دعم الغرب للديكتاتوريات الإسلامية.

إذاً لماذا لايتم سحب البساط من تحت هذه الجماعات وتنفيذ كل ذلك؟؟


علي باكير
باحث وسياسي أردني
المصدر: موقع المسلم