أعداء سوريا في مراكش
قبل سنة ونصف سنة، كانت حشود المحتجين السوريين، ترفع في مظاهراتها شعارات تقول بالكلمات المكتوبة وبالحناجر: نريد حماية دولية!! ثم اختفت تلك الشعارات وحل محلها تقريع للذين يزعمون أنهم مع ثورة السوريين لكنهم في الواقع لا يفعلون شيئاً لمواجهة المذابح التي تحل بهم كل يوم. وصار الشعار الثابت: ما لنا غيرك يا الله. ولأن السوريين صدقوا في توكلهم على رب العالمين فإنه تعالى نصرهم بالرغم من غياب أي تكافؤ في السلاح والعتاد والقدرات المالية!!
قبل سنة ونصف سنة، كانت حشود المحتجين السوريين، ترفع في مظاهراتها شعارات تقول بالكلمات المكتوبة وبالحناجر: نريد حماية دولية!! ثم اختفت تلك الشعارات وحل محلها تقريع للذين يزعمون أنهم مع ثورة السوريين لكنهم في الواقع لا يفعلون شيئاً لمواجهة المذابح التي تحل بهم كل يوم. وصار الشعار الثابت: ما لنا غيرك يا الله. ولأن السوريين صدقوا في توكلهم على رب العالمين فإنه تعالى نصرهم بالرغم من غياب أي تكافؤ في السلاح والعتاد والقدرات المالية!! واندهش الأعداء/الأصدقاء إذ كانوا يتوهمون أن تآمرهم مع الطاغية ومحاصرتهم للثوار وتجفيف منابع الدعم عنهم سوف يتيح لصبيهم إجهاض ثورة الشعب السوري!!
في تلك الفترة لم يكن الشعب السوري يتوقع ما اكتشفه بعد ذلك من تبلد في مشاعر البشر وموت لضمائرهم، ومن حجم من الحقد عليهم تحتار العقول في تفسيره!!
المفارقة بين ذلك الأمس وبين اليوم، تتجلى في اللامبالاة المطلقة التي يتعامل بها السوريون اليوم مع مؤتمر “أصدقاء الشعب السوري" الذي تستضيفه مدينة مراكش المغربية، وتحضره 100 دولة!!
ولعل خير تعبير ساخر عن القيمة الفعلية لهذه المؤتمرات، ما قاله لاجئ سوري في تركيا: غريب أن الدول التي تدعي تأييد الشعب السوري أكثر من 100 دولة، بينما توجد 3 إلى 5 دول فقط تؤيد الطاغية بشار الأسد، لكننا لا نحصل من "أصدقائنا" إلا على الكلام الطيب، أما مؤيدو بشار فيقدمون له كل شيء!!
وقد غفل هذا الناشط الذي تكلم على فطرته، عن وصف هؤلاء الوصف الصحيح الذي يستحقونه. فليتهم اكتفوا بالتأييد اللفظي بلا تقديم أي عون للثورة اليتيمة، فلو فعلوا لقلنا: هم ليسوا بمؤمنين حتى نذكرهم بقول الحق سبحانه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ . كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2-3.]
لكن المتاجرين بحقوق الإنسان ونشر الديموقراطية رفضوا التدخل لوقف آلة القتل المتوحشة بذرائع واهية، كما تعنتوا ومنعوا إقامة منطقة حظر للطيران لحماية المدنيين الذين يتم قتلهم بالجملة من خلال البراميل المتفجرة والصواريخ. ولم تقف جرائمهم عند توفير المهلة تلو المهلة لعصابات الطاغية للإجهاز على شعب صلب وعنيد، وأصموا آذانهم واستشغوا ثيابهم عن نداءات تسليح السوريين وإنما فرضوا على الجميع حرمان الجيش السوري الحر من حق التسلح للدفاع المشروع عن النفس!!
وهكذا تكون الصداقة للشعب السوري وإلا فلا!! فإذا كان الفيتو الروسي هو الحماية العلنية للطاغية في مجلس الأمن، فإن الفيتو الأمريكي على تسلح الثوار من أي مصدر هو الحماية الأخرى له، ولعلها الأشد فداحة والأشد انحداراً أخلاقياً لأنها شهادة على نفاق واشنطن وتأثرها بتقية ملالي هم-حلفاء السر لها وأعداء العلن-!!
والمثير للريبة أن الأمريكيين الذين فعلوا كل تلك الموبقات المهلكات مع رفضهم مساندة الثوار بأي شيء، ومنعهم الشعب المظلوم من حقه المشروع في الدفاع عن النفس، هم أنفسهم اليوم يتحضرون لغزو سوريا مع أن أحداً لا يدعوهم إلى هذا التدخل النجس، بل بالرغم من رفض أهل سوريا لهذا الغزو المُقَنّع، وبخاصة أن الذريعة الأمريكية الساقطة تتراوح بين احتمال استعمال النظام النصيري أسلحة كيميائية وبين خوف وضيع ومصطنع على مصير العلويين!!
والحقيقة أن "هدايا" واشنطن للثورة السورية لم تنضب -باعتبار أمريكا على رأس أصدقائها!!- فها هم يضخمون حجم وتأثير "جبهة النصرة" ويقررون وضعها على قائمة الإرهاب، عشية مؤتمر مراكش وكأن هذه الخدمة الإضافية منهم لصبيهم بشار تزامنت مع فيروس معوي منع وزيرة خارجية أمريكا من حضور المؤتمر!!
وبما أن الأمريكيين تعودوا على فرض أهوائهم -وليسوا بالصورة الزائفة التي اصطنعوها ليصوروا موسكو عملاقاً يعوقهم عما يريدون- ففي أعرافهم أنه لا يحق لإنسان أن يسألهم عما يفعلون وعما لا يفعلون، فإن سؤالنا عن " جرائم" جبهة النصرة لكي تستحق قائمة الإرهاب بمثابة تطاول غير مقبول، مع أن من المضحك المبكي أن جبهة النصرة أصبحت مع عصابات بشار في قائمة أمريكية واحدة!!!
ولو افترضنا جدلاً أن جبهة النصرة فرع لتنظيم القاعدة -مثلما تفتري واشنطن بلا أدلة- أليس الأمريكيون بسياستهم الخبيثة ضد الشعب السوري على امتداد 21 شهراً، أليسوا هم المسؤولين الأوائل -لئلا نقول: المسؤولين الوحيدين- عن تحول الحراك الشعبي السوري من حراك سلمي نقي إلى دفاع اضطراري عنهم على أيدي الشرفاء الذين انشقوا عن عصابات بشار المسماة زوراً وبهتاناً “الجيش السوري"؟
ألم ينبههم كثير من الناشطين العلمانيين وغير المسلمين إلى أن خذلانهم للشعب السوري سوف ينحو بالثورة نحو شيء من التطرف؟
بل إن حقد أمريكا على الشعب السوري وصل إلى حد حرمان ملايين المُهَجّرين من مدنهم وقراهم المدمرة من أبسط المساعدات الإنسانية الضرورية، كنوع خفي من أنواع نصرتهم للطاغية، وكأنهم يقولون للسوريين: تحملوا عناء الثورة على ولدنا المدلل!! وما أخبار مخيمات اللاجئين السوريين في دول الجوار سوى تأكيد ناصع على قبح هذه المأساة الفظيعة، بحسب ما تبثه فضائيات عربية وأجنبية، ووفقاً لتقارير منظمات حقوقية وإغاثية عربية وإسلامية وغربية ودولية!!
قد يقال: إن أمريكا لا تمثل الحالة العامة للدول الـ100 في مراكش، وهذا صحيح فبعض الدول العربية والإسلامية هي مع الشعب السوري بصدق وإخلاص، لكن تأثيرها على الأرض شبه منعدم، بدليل أنها لم تستطع تقديم سلاح دفاعي للجيش السوري الحر بالرغم من اقتناعها بذلك، فنحن نصف حالة العدو الفعلي الذي اتخذ من محنة السوريين ملهاة وتجارة مقيتة وما زلنا نرتاب في مؤامراته الخفية وإن كنا قد لمسنا خيوطها وصدع السوريون في الداخل بالتصدي لها. ولذلك سوف يتكلم هؤلاء ويعبرون عن مشاعرهم ومواقفهم بنبل وإخلاص لكن واشنطن ستجعل المؤتمر كسابقاته سوق عكاظ أو حائط مبكى!!
29/1/1434 هـ
- التصنيف:
- المصدر: