من الآداب عند نزول الأمطار وهبوب الرياح
منذ 2013-01-10
إن المسلم المتمسك بهدي النبي صلى الله عليه وسلم لا يفرح إذا رأى تحرك الغيوم والسحب، وحَجْب ضوء الشمس وهُبوب الرياح، لأن هذه الآيات لا يُدرى ما فيها؛ هل هي مُحملة بالخير والبركة والرحمة وهذا ما يتمناه المؤمنون؟ أو هي مُحملة بدمار وتدمير، وأعاصير ونار وإغراق؟
إن المسلم المتمسك بهدي النبي صلى الله عليه وسلم لا يفرح إذا رأى تحرك الغيوم والسحب، وحَجْب ضوء الشمس وهُبوب الرياح، لأن هذه الآيات لا يُدرى ما فيها؛ هل هي مُحملة بالخير والبركة والرحمة وهذا ما يتمناه المؤمنون؟ أو هي مُحملة بدمار وتدمير، وأعاصير ونار وإغراق؟
قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى غيماً أو ريحاً عُرف في وجهه، قالت: يا رسول الله! إن الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عرف في وجهك الكراهية! فقال: «يا عائشة! ما يؤمني أن يكون فيه عذاب؟ عذب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب، فقالوا: {هذا عارض ممطرنا}» (البخاري: 4829، مسلم: 899).
فإذا نزل الغيث فإن من السنة أن يقول المسلم عند نزوله: «اللهم صيباً نافعاً» (رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها: 1032)، وقوله: "صيباً" منصوب بفعل مقدر، أي: اجعله، والصيب: المطر. وقوله: "نافعاً" وصف للصيب، احترز به عن الصيب الضار، وفي هذا دلالة على أن المطر قد يكون نزوله رحمة ونعمة، وهو النافع، وقد يكون نزوله عقوبة ونقمة وهو الضار. والمسلم يسأل الله عند نزول المطر أن يكون نافعاً غير ضار، وهذا الدعاء المذكور يستحب بعد نزول المطر للازدياد من الخير والبركة، مقيداً بدفع ما يخشى ويحذر من ضرر.
ومن الواجب على العبد في هذا المقام الكريم أن يعرف نعمة الله عليه، وينسب الفضل إليه، فهو سبحانه مولي النعم ومسديها، بيده العطاء والمنع، والخفض والرفع، لا رب سواه ولا إله غيره. وقد ثبت في الصحيحين عن زيد بن خالد رضي الله عنه قال: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل -أي على إثر مطر- فلما انصرف أقبل على الناس، فقال: «هل تدرون ماذا قال ربكم؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب» (البخاري: 1038، ومسلم: 71)، فالقائل عند نزول المطر: "مطرنا بفضل الله ورحمته"، قد نسب النعمة لمعطيها، وأضاف المنة لموليها، واعتقد أن نزول هذا الفضل والخير والرحمة إنما هو محض نعمة الله وآثار رحمته سبحانه. وأما القائل عند نزول المطر: "مطرنا بنوء كذا وكذا"، فلا يخلو من أمرين: إما أن يعتقد أن المنزل للمطر هو النجم، وهذا كفر ظاهر ناقل من ملة الإسلام، أو يعتقد أن المنزل للمطر هو الله، والنوء سبب، فيضيف النعمة إلى ما يراه سبباً في نزولها، وهذا من كفر النعمة وهو من الشرك الخفي. والأنواء ليست من الأسباب لنزول المطر، وإنما سبب نزول المطر حاجة العباد وافتقارهم إلى ربهم وسؤالهم إياه، واستغفارهم وتوبتهم إليه، ودعاؤهم إياه بلسان الحال ولسان المقال، فينزل عليهم الغيث بحكمته ورحمته، بالوقت المناسب لحاجتهم وضرورتهم، ولا يتم توحيد العبد حتى يعترف بنعم الله الظاهرة والباطنة عليه وعلى جميع الخلق، ويضيفها إليه، ويستعين بها على عبادته وذكره وشكره. انظر: القول السديد لابن سعدي (ص: 108- 109).
ومن السنة أن يعرض بعض أعضائه للمطر النازل، قال أنس: أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر، قال: فحسر -أي كشف- رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه، حتى أصابه من المطر، فقلنا: يا رسول الله لم صنعت هذا؟! قال: «لأنه حديث عهد بربه تعالى» (مسلم: 898).
ومن السنة أن يقول المسلم عند اشتداد هبوب الريح: «اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به» (رواه مسلم: 899).
ولا يجوز للمسلم أن يسب الريح؛ فإنها مسخرة بأمر الله مدبرة مأمورة، روى البخاري في الأدب المفرد (906) وأبو داود في السنن (5097)، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الريح من روح الله، تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب، فإذا رأيتموها فلا تسبوها، وسلوا الله خيرها، واستعيذوا بالله من شرها» (صحيح الأدب المفرد: 696)، وقوله: "من روح الله"، أي من الأرواح التي خلقها الله، فالإضافة هنا إضافة خلق وإيجاد.
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يقول إذا اشتدت الريح: "اللهم لاقحاً لا عقيماً" (صحيح الأدب المفرد رقم: 553) ومعنى لاقحاً؛ أي: ملقحة للسحاب، ومنه قوله تعالى: {وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين} [سورة الحجر: 22]، أي: وسخرنا الرياح رياح الرحمة تلقح السحاب كما يلقح الذكر الأنثى فينشأ عن ذلك الماء بإذن الله، فيسقيه الله العباد والمواشي والزروع، ويبقى في الأرض مدخراً لحاجتهم وضروراتهم، فله الحمد والنعمة لا شريك له.
وللمسلم أن يسبح عند سماعه الرعد، ففي الأدب المفرد للبخاري عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما: (أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث، وقال: سبحان الذي {يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته} (صحيح الأدب المفرد: 556، والموطأ: 1822)، وروى عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه كان إذا سمع صوت الرعد قال: (سبحان الذي سبحت له) (صحيح الأدب: 555)، وفي التسبيح في هذا المقام تعظيم للرب سبحانه الذي الرعد أثر من آثار كمال قوته وقدرته، وفيه تجاوب مع الرعد الذي يسبح بحمد الله، ولكن لا نفقه تسبيحه... (من فقه الأدعية والأذكار بتصرف لعبد الرزاق العباد: 3/ 244- 247)، والرعد ملك من الملائكة، عن ابن عباس، قال: أقبلت يهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا أبا القاسم! أخبرنا عن الرعد ما هو؟ قال: «ملك من الملائكة موكل بالسحاب، معه مخاريق من نار؛ يسوق بها السحاب حيث شاء الله»، فقالوا: فما هذا الصوت الذي نسمع؟! قال: «زجره بالسحاب إذا زجره، حتى ينتهي إلى حيث أمر»، قالوا: صدقت، فقالوا: فأخبرنا عما حرم إسرائيل على نفسه؟ قال: «اشتكى عرق النسا فلم يجد شيئاً يلائمه إلا لحوم الإبل وألبانها فلذلك حرمها»، قالوا: صدقت (سنن الترمذي: 3117، وقال: هذا حديث حسن غريب، الصحيحة: 1872)، وثبت أن ابن عباس كان إذا سمع صوت الرعد قال: (سبحان الذي سبحت له)، قال: (إن الرعد ملك ينعق بالغيث، كما ينعق الراعي بغنمه) (الأدب المفرد: 722).
ويحتاج الناس إلى المسح على الخفين في هذه الأيام الباردة، فيجوز المسح على الخفين إذا أدخل قدميه طاهرتين، يوماً وليلة من أول مسحة مسحها إلى مثل وقتها، فينتهي توقيت المسح، وهذا للمقيم، ويبقى الوضوء بأحكامه لا ينتقض بانتهاء مدة المسح.
ويحتاجون أيضاً إلى التيمم إذا كانت هناك برودة شديدة في الماء أو الجو، وذلك بضرب الأرض بالكفين، ثم نفخهما، ومسح الوجه واليدين إلى الرسغين.
ويكره للمصلي أن يتلثم أثناء صلاته رجلاً كان أو امرأة، وكذلك الإسدال، أي يضع ثوباً على عاتقه دون أن يدخل يديه في أكمامه، هذا هو الإسدال. وأما الإرسال؛ فهو أن يجعل الرجل ثوبه تحت الكعبين، والمرأة تجعل ثوبها يزيد عن ذراع تحت الكعبين، وهذا مكروه أيضاً كراهة شديدة. جاء في الأسئلة والأجوبة الفقهية للسلمان (1/ 93) السؤال التالي: [س178: بين معاني ما يلي من الكلمات وحكمهن، واذكر الدليل على ذلك: اشتمال الصماء، السدل، التلثم في الصلاة. ج: اشتمال الصماء هي: أن يضطبع بالثوب عليه غيره، ولا يجعل ليديه منه مخرجاً، والسدل لغة: إرخاء الثوب، واصطلاحاً: أن يطرح ثوباً على كتفيه ولا يرد أحد طرفيه على الكتف الأخرى بل يرخيه يتدلى، واللثام: ما كان على الفم من النقاب، والتلثم: شد اللثام أو الثوب على أنفه أو فمه، وكلها تكره في حق المصلي، لما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحتبي الرجل في الثوب الواحد ليس على فرجه منه شيء" (متفق عليه)، وفي لفظ لأحمد: "نهى عن لبستين: أن يحتبي أحدكم في الثوب الواحد ليس على فرجه منه شيء، وأن يشتمل في إزاره إذا ما صلى إلا أن يخالف بطرفيه على عاتقيه"، وعن أبي سعيد: "أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن اشتمال الصماء، والاحتباء في ثوب واحد ليس على فرجه منه شيء" (رواه الجماعة إلا الترمذي؛ فإنه رواه في حديث أبي هريرة)، وللبخاري: "نهى عن لبستين، واللبستان اشتمال الصماء، والصماء أن يجعل ثوبه على أحد عاتقيه فيبدو أحد شقيه ليس عليه ثوب، واللبسة الأخرى احتباؤه بثوب وهو جالس ليس على فرجه منه شيء"، وعن أبي هريرة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن السدل في الصلاة، وأن يغطي الرجل فاه" (رواه أبو داود)، ولأحمد والترمذي: "نهى عن السدل"، ولابن ماجه: "النهي عن تغطية الفم"]. أ.هـ.
ويحتاجون إلى الجمع بين المغرب والعشاء عند وجول المطر أو البرد الشديد أو الرياح الشديدة، أو الظلمة الشديدة أو الوحل والطين.
ويحتاجون إلى قول المؤذن عند الحيعلتين معهما أو بدونهما: "صلوا في الرحال" أو: "صلوا في بيوتكم"، ونحو ذلك أثناء نزول الأمطار أو أحد الأسباب السابقة.
كل ذلك ونحوه من أحكام المطر والرياح وغيرها مما يحتاجه المسلم، ويسرت في الشريعة، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، والله تعالى أعلم.
جمع وإعداد الشيخ: فؤاد بن يوسف أبو سعيد حفظه الله تعالى
المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
- التصنيف: