فتحي السعيدي يتحدث عن النهضة والسلفيين في تونس (بصراحة)

منذ 2013-01-15

في تونس خرج الشعب لينتفض على طغيان استمر لعقود، ينتقص من حقوقهم ويسيء إليهم ويحاربهم في دينهم، وما أن هرب الرئيس المخلوع (زين العابدين بن علي) بدأت الأحزاب السياسية تخرج للبحث في تقاسم السلطة ما بين الليبرالية والقومية والاشتراكية والإسلامية، كان الجميع غايته البحث عن مقعد في الحكم، ومن أبرز هذه الأحزاب أو التجمعات كان تجمع الإسلاميين، وكذلك جماعة الإخوان المسلمين والذي يمثلها حركة النهضة التي يقودها الشيخ راشد الغنوشي.


أجرى الحوار: أ. أحمد أبو دقة

في تونس خرج الشعب لينتفض على طغيان استمر لعقود، ينتقص من حقوقهم ويسيء إليهم ويحاربهم في دينهم، وما أن هرب الرئيس المخلوع (زين العابدين بن علي) بدأت الأحزاب السياسية تخرج للبحث في تقاسم السلطة ما بين الليبرالية والقومية والاشتراكية والإسلامية، كان الجميع غايته البحث عن مقعد في الحكم، ومن أبرز هذه الأحزاب أو التجمعات كان تجمع الإسلاميين، وكذلك جماعة الإخوان المسلمين والذي يمثلها حركة النهضة التي يقودها الشيخ راشد الغنوشي.

ثورة تونس التي كانت بداية ما أطلق عليه لاحقا: "الربيع العربي"، امتدت نارها حتى وصلت ليبيا وعددًا من الدول العربية، وعلى هامش مؤتمر "تحديات ما بعد الربيع العربي" الذي عقد بتاريخ (9/صفر/1434) التقينا بالشيخ فتحي السعيدي رئيس جمعية الخير الإسلامية في تونس، وهي من أكبر الجمعيات الناشطة في مجال الدعوة والإغاثة، وله حضور قوي في بلاده، وتحدثنا معه عن ما يشغل بال التونسيين وكيف ينظر السلفيين وهو منهم إلى الوضع الحالي في تونس، ودار بيننا الحوار التالي..

البيان:
كيف تقيم أداء حكومة النهضة في الوقت الحالي بعد عدة أشهر على تسلمها السلطة؟
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه؛ النهضة لم تبرز أي حسم في اتخاذ قراراتها تجاه ضبط الوضع، كان من الممكن أن تحصل في المجلس التأسيسي على عدد أكبر من المقاعد، لكنها خضعت لضغوط بسببها فرض نظام القوائم في الانتخابات، وهو نظام منجز أصلا لمنع الإسلاميين من الحصول على الأغلبية وفق منطق ديمقراطيتهم، لكن وافقت النهضة عليه تحت ضغط، وهذا يبين أن النهضة دخلت دون استخدام وزنها الحقيقي، وخضعت للمناورات السياسية التي كانت تمر بها البلاد في تلك المرحلة..

النهضة لم تغير الكوادر في الصف الثاني للدولة، فتسلمت القشرة الخارجية، لكن عماد الدولة لا يزال من رجالات النظام السابق، بالإضافة إلى أن الباجي القائد السبسي وهو بورقيبي في الدم ومعادي لكل ما هو عروبي وإسلامي في تونس، لما تسلم الحكومة قبل النهضة ضخ ما يقارب 600 من كبار كوادر الدولة من أتباعه، فجاءت النهضة ووجدتهم جالسين ولم تقم بتغيير تلك المراكز وهي موضوعة كألغام مؤقتة لتعطيل أداء حكومة النهضة، تعرضت لضغوط قوية لكن تلك الضغوط لا تبرر قراراتها وأداءها، كانت كلما نصب لها فخ تقع فيه، يستدرجونها للمواجهة مع السلفيين فتُستدرج، ويضغط عليها الاتحاد العام التونسي للشغل تنبطح، كان من المفروض أن ترد الفعل بشكل حاسم كي تظهر وزنها الحقيقي أمام أعدائها.

البيان: ما هي قوة التيار البورقيبي في تونس؟
تيار الفساد الذي يُشرعِن لعمله بالانتماء إلى التيار البورقيبي هو تيار فساد عام يريد أن يضع لنفسه غطاء أيديولوجيًّا أو فكريًّا فينسب نفسه لتيار بورقيبة.. لا يوجد تيار بورقيبي في تونس.

البيان: حدثت خلافات بين النهضة والسلفيين ما هي حقيقة تلك الخلافات؟
التيار السلفي -وأنا هنا لستُ في موقع الدفاع عنه- فُرضت عليه هذه المواجهة، والدليل أن ضحايا المواجهات جميعهم سلفيين؛ القتلى والجرحى والمساجين كلهم سلفيين، وكان بمقدورهم أن يردوا لكن لم يستعملوا الرد، عملية السفارة الأمريكية -التي هي عملية غريبة جدا- كانت مظاهرة شعبية أمام السفارة الأمريكية، وكنت حاضرًا هناك ورأيت أباءً برفقتهم أبنائهم، أعمارهم ست سنوات وخمس ذهبوا ليعتصموا بشكل سلمي أمام السفارة، ثم في لحظة غريبة ينفجر كل شيء وينسحب الأمن، وتدخل مجموعة من الشباب للسفارة وتقع مواجهات، كانت خطة مدبرة للزج بالشباب في السجون، ثم جاءت الجريمة البشعة مقتل اثنين في إضراب عن الطعام في السجن وهم (بشير الغلي، ومحمد البختي) 57 يومًا وهم في إضراب جوع ولم يلتفت لهما أحد إلى أن ماتا أو قتلا؛ تركهم قتل..

تصور لو أن بطلًا فلسطينيًّا في الأسر -وكلهم أبطال- لا قدر الله استشهد بعد إضراب عن الطعام في السجون الصهيونية هل يسمى موت أم قتل؟! رغم ذلك لم يكن رد الفعل السلفي بشيء من العنف، لكن لما جد الجد وجاء الاتحاد العام التونسي الذي يسيطر عليه عدد من الفساد واليساريين للشغل، وأرادوا أن يركعوا البلد لعمل إضراب عام؛ وقف التيار السلفي ليس إلى جانب النهضة ولكن إلى جانب الشعب، وقرروا أن يوصلوا الناس إلى أعمالهم مجانا، الحمد الله الإضراب لم ينجح، ولو تواصل فيه الاتحاد العام للشغل لفشل الإضراب، وهذا من أخطاء النهضة التكتيكية.

البيان:
الاتحاد التونسي للشغل له دور في السياسية، ما هي حقيقة هذا الدور؟
الحقيقة أن الاتحاد له جذور وشرعية قوية وتاريخية، وهو أقوى من أن يقضى عليه بضربة واحدة وليس الهدف القضاء عليه هو ضمانة من ضمانات المجتمع التونسي ومكسب من مكاسبه، لكن الاتحاد بالنسبة لقياداته أغلبها كانت من اللذين غرقوا في الفساد في وقت ابن علي، وكلهم لديهم عداء للتيار الإسلامي عموما وللنهضة -إذا اعتبرنا أن مشروعها إسلامي في تونس- إما موجهون بحزب نداء تونس وهم بقايا التجمع ومجموعة من اليساريين وغيرهم من الفسّاد الذين اجتمعوا تحت راية حزب نداء تونس يقوده (الباجي القايد السبسي)، ولكم صور لسبسي مع برلسكوني، وأحد الشخصيات الخليجية، وهم يُعِدون لإنشاء هذا الحزب، تصور هؤلاء الثلاثة ما الذي جمعهم لإنشاء الحزب؟

الاتحاد مكسب للشعب التونسي، ويجب أن يعود للشعب التونسي، الاتحاد له تاريخه ومشروعيته، وفي ما مضى كان الاتحاد التونسي للشغل نائب الاتحاد العالمي للعمال في الثلاثينات من القرن الماضي، أمريكا ثم تونس، كان محور أساسي في مقاومة الاستعمار ومواجهة خطط برقيبة، وواجه في بدية عهد ابن علي مخططاته، لكن ابن علي استطاع السيطرة عليه، والآن يجب أن يعود للشعب التونسي.

البيان: هل يوجد استهداف ممنهج للإسلام في تونس؟
الشعب التونسي بإذن الله تعالى كان والآن وسيبقى حصنًا للإسلام إلى قيام الساعة بإذن الله تعالى، لم يغب لحظة عن أمته الإسلامية، الهجمة عليه كانت قاسية لمدة 200 سنة، الناس تعتقد أنها 60 سنة، وهي 200 سنة منذ ضعف الدولة التونسية قبل الاستعمار الفرنسي، ثم الاستعمار الفرنسي، ثم بورقيبة ثم ابن علي.

يكفينا كإشارة أن ما خربوه في 200 سنة عاد 30 بالمئة منه في عام واحد، الركائز التاريخية والعقدية والمؤسسات الشرعية للشعب التونسي بدأت تعود، الزيتونة عاد إلى التعليم الأصلي بقرار قضائي، والزيتونة له 25 فرع في تونس وفرعين في الجزائر، المساجد ملأى ولله الحمد وأغلبهم شباب، في يوم عادي تجد الناس تتدافع لدخول المساجد، هذا ما أرعب فرنسا وأمريكا التي عملت لعقود من أجل تدمير هذا الشعب، ولكن كل عملها في ليلة وضحاها أصبح هباء منثورا.

البيان:
كيف ترى الحضور الحزبي السلفي في مواجهة الليبراليين؟
وزير الداخلية نهضة ولكن جميع من دونه مرتبة لا يزالو من عهد ابن علي، يحاول هؤلاء ضرب الإسلاميين بعضهم ببعض، وبالنسبة للسلفيين ليست لهم مؤسسات، وليسوا منظمين هيكليا وتنظيميا، وليس لهم مجموعات مسلحة للرد على مثل هؤلاء مثل سائر الدول العربية، وليست هناك نية للرد على مثل هؤلاء.

في تونس يوجد أحزاب سلفية ولكن ليس لها تأثير شعبي ووفاق سلفي، (هل هي أحزاب شخصية؟!)
أتريد توريطنا أنت؟ توجد مجموعة من طلبة العلم والمتميزين أنشأوا مجلس الشورى، ولكن ما زال في بدايته ولم يأخذ الطابع المؤسسي القوي الذي له هيئات، ولكن يوجد تنظيم أنصار الشريعة ويتهم بأنه متطرف وهذا غير صحيح، وهو تجمع وليس تنظيم -شباب يحبون الشريعة- وجهت إليه السهام بشكل قوي، ويدفع دفعا لتشكيل نفسه كتنظيم، وهم يقولون إنهم مجموعة دعوية، وأرض تونس أرض دعوة وليست أرض جهاد، ويشتغلون في الإغاثة ويحملون المواد الإغاثية لمناطق لا تصل لها السيارات والجرارات، ويصعدون الجبال ويوصلون المساعدات للناس، وتعرضوا لهجوم شديد، لكن حضورهم قوي بين الشباب، في اجتماع بالقيرون جمعوا من 15 إلى 30ألف شخص.

البيان:
كيف تقيم مشاركتكم الاجتماعية والتنموية داخل المجتمع؟
الناس تعتقد أن الشباب السلفي في الشوارع يصرخ ويصيح وهذا خطأ؛ 90 بالمئة من الشركات التونسية تجد فيها مهندسين سلفيين وأطباء وشركات مقاولات وغيرها من المهن، ينظمون ايضا قوافل طبية للعلاج، يعالجون الآلاف من خلال عمل اجتماعي وعمل دعوي قوي ولم يتوجهوا للعمل السياسي.

البيان:
ما الجديد بخصوص الدستور التونسي؟
النهضة لا تطرح نفسها كمشروع إسلامي بالسنة للبرلمان أو الدستور، والدستور لم يطرح بعض بسبب الصراعات بين أعضاء المجلس التأسيسي، والبعض لديهم مصالح بأن تبقى المرحلة الحالية ضبابية وغير مستقرة سياسيا.

البيان:
توصف العلاقة بين تونس وفرنسا بالحميمية، هل لهذا ارتباط بالواقع؟
العلاقة بين فرنسا والنظام التونسي السابق علاقة ود وصداقة، لكن بالنسبة للشعب التونسي هي من قتلت أبناء الشعب التونسي ودمرت بيوتهم، وهي فعلت ذلك كعداء للإسلام وليس للتونسيين فقط، وهي التي وضعت العميل بورقيبة الذي أغلق الزيتونة، وكي يحارب هوية الشعب التونسي العربية المسلمة، على المستوى الشعبي إذا قلت صداقة فيوجد تعريف للصداقة، إذا كانت المعاملة التجارية أول شريك هو الاتحاد الأوروبي.

البيان:
هل أصبحت قوانين حظر الحجاب والدخول لصلاة الفجر ببطاقة من الماضي بالنسبة للحكومة التونسية؟
مرحلة منع الحجاب مرحلة قضى عليها الشعب التونسي، ويستحيل أن يتجرأ أحد على طرح هذه الأطروحات مرة أخرى.

البيان:
ما هي أسوأ الرذائل في العهد السابق وعهد النهضة؟
النظام التونسي السابق كله سيء بمقاييس عالية، التلذذ بإهانة الشعب التونسي والإنسان التونسي بكل الأساليب، أنت تنتظر أمثلة لكنها عديدة، بالنسبة للنهضة اليد المرتعشة التي تترك الغير يتجرأ على الشعب التونسي ومصالح الشعب التونسي من الداخل والخارج؛ لأن الداخل خيوطه في الخارج، مثل حزب نداء تونس ورئيسه الباجي القايد السبسي وهو يجلس مع برليسكوني.

النهضة يدها مرتعشة، وهذا مكن لغيرها منها، وكل ما يضغطون عليها ينبطح، يمكن أن أرسل لك وثائق من وزارة الداخلية تؤكد على عدم السماح بدخول الأجهزة الأمنية لأنهم من النهضة! تخيل أن شخصًا مُنع من دخول أحد الأجهزة الأمنية لأن والداه ينتمي لحزب النهضة، ووزير الداخلية نفسه من حزب النهضة!

البيان: سؤال أخير شيخنا الفاضل:
هل يوجد ظواهر لمحاربة الحجاب، وما هي نصحيتك للإسلاميين في بلادك؟
الشعب التونسي حصن من كثرت ما استعمل هذا الأسلوب معه إلى أبعد الحدود، 90 بالمئة من الدارسات في المعاهد الشرعية من النساء، والحجاب ولله الحمد انتشر بشكل كبير، الحجاب عاد في تونس بنسبة 60 بالمئة أو أكثر.

النصيحة للإسلاميين: العدو يتربص، والمطلوب الثبات والوحدة، والمسألة صعبة جدا في تونس.
 

المصدر: مجلة البيان 27/02/34