يعلمون عنا ما لانعلمه عن أنفسنا
الآخرين يعلمون عنا الكثير ولهم ممثلين استطاعوا أن يتصدروا المشهد بسرعة، ولديهم تصورهم وشروطهم لكيفية تخطيط مستقبل أطفالنا، فعلينا ان نتأنى في القرارت، ولا نستدرج إلى ما يريده الآخرون، فمنصب رئيس الوزراء قبل كتابة الدستور صورة تؤكد ما ورد في الدراسة الأجنبية، فكل ما أخشاه هو من سيكون رئيس الوزراء القادم؟ وما هي صلاحياته؟ وأرجوا من الرئيس محمد مرسي أن ينتبه وسط كل هذه المسؤوليات وأن لا نكرر أي خطأ مضى (الإفراط في الثقة).
في متابعة سابقة عن مراكز الأبحاث الأمريكية وعلاقتها بالتحولات السياسية بمصر والمنطقة بعنوان سيادة الرئيس، وسيادة رئيس الوزراء في ضوء رؤية معهد كارينجي للسلام: البعد الغائب في المشهد السياسي المصري، أردنا إلقاء الضوء على سياسات أمريكا والعالم الغربي الجديدة للتدخل المباشر في تشكيل المنطقة ووضع تصور معين للشكل الجديد ولكن بمشاركة الإسلام السياسي ..
وأرجو الرجوع للرابط للمراجعة:
نستكمل المتابعة لأخطر معهد متداخل بشكل عملي في المشهد السياسي المصري وهو معهد كارنجي للسلام الدولي من خلال رجاله الذين ينتمون غالبًا للمنطقة المراد إعادة تشكيلها بعد تدريبهم طبعًا التدريب الكافي، ودفعهم إلى مراكز القرار في بلدانهم. وضربنا مثل بالسيد / عمرو حمزاوي الذي كان يعمل في هذا المعهد مدة طويلة وفوجئ المصريين به بعد الثورة مباشرة قادم من وراء البحار متصدرًا لمراكز اتخاذ القرار، ومزاحمًا في المشهد السياسي، وعمومًا القضية هنا فيما يحمله رجال كارنجي من أفكار وآليات إعادة تشكيل الوضع السياسي. وبطبيعة الحال لابد من الرجوع إلى دراسات المعهد الموجهة لرجاله في المواقع المختلفة ومنها مصر، وكما ذكرت في المقال السابق بمدى متابعة هذا المركز تحديدًا للمتغيرات والأحداث والتفاصيل أنقل إليكم اليوم دراسة خطيرة جدًا تعكس مدى جدية هذا المعهد في التدخل المباشر في رسم الشكل النهائي للدول العربية بعد ثورات الربيع وأهمها مصر طبعًا وهذه الدراسة كتبها أهم وأبرز باحثي المركز وأستاذ العلوم السياسية وهو السيد / ناثان براون... Nathan J. Brown بعنوان (مصر والشريعة الإسلامية: دليل الحيران)
من هذه الدراسة يتبين أن المسألة ليست مجرد أخبار وتحليلات سياسية عابرة لحدث يحدث هنا أو هناك ولكن الأمر يبدو أنه متابعة كاملة دقيقة جدًا وموجهة وتبرز كل القضايا المطروحة حاليًا متزامنة بكل دقة مع الأحداث، وكأن السيد براون يتحدث عن وطنه هو بل وكأنه يشغل منصبًا سياسيًا هامًا في مصر، حيث لا أعتقد أن بعض السياسيين المصريين يعلمون ما كتبه السيد براون في بحثه هذا، ويجدر الإشارة بأن تعرض هذه الدراسة لكل الإشكاليات الحالية الموجودة في مصر من حيث الدستور وعلاقته بالمرجعية الإسلامية بل حتى معنى الشريعة الإسلامية من حيث الأساس ومدى تعاطي الشعب المصري معها، ورؤية الأحزاب الكبيرة ذات المرجعية الإسلامية كحزب الحرية والعدالة للمرجعية الاسلامية. يدل على أن هذا المعهد يعرف الكثير بل والكثير جدًا عن قضايانا المتشابكة وأخشى أن أقول ربما بشكل أفضل مما يعرفه الكثير منا. وهذا الأمر ينبئ بالخطر، وقد يفسر مواقف أمريكا الغريبة أحيانًا ولا سيما موقفها من مشاركة التيار الإسلامي في المشهد السياسي. وعمومًا ما لفت نظري في تلك الدراسة السؤال الأخير للسيد / ناثان وهو: "ما الذي ينبغي على الغرب مراقبته في مصر؟"
أولًا لأن السؤال في حد ذاته يعد سؤالًا عنصريًا يتناقد مع كل الشعارات المرفوعة دوليًا كالحريات، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ... الخ، ولكنه يؤكد ما ذكرته في المقال السابق باستحالة تدشين نظام سياسي في أي دولة وخصوصًا منطقة الشرق الأوسط ولا سيما أن يكون له رائحة وطعم إسلامي، إلا عبر أدوات وآليات النظام العالمي الجديد بقيادة أمريكا ومعاونيها. فالقانون الآن أن يكون للنظام العالمي الجديد مندوب سامي على الطريقة الحديثة (وطني) أي من أهل البلد يحمل همّ البلد ... الخ يمثل النظام العالمي الجديد يملك الحد الأدنى من الصلاحيات إن لم يكن الحد الأقصى كما طلب السيد الدكتور / البرادعي (صلاحيات واسعة في حال تعيينه رئيس وزراء مصر) التي تضمن الرقابة والتوجيه كما ورد في سؤال السيد / ناثان .. الأمر الآخر المثير للانتباه في نفس السؤال هو تفرع السؤال الى عدة محاور اذكرها كما وردت في الدراسة، ويمكن الرجوع إلى رابط الدراسة من موقع كارنجي أعلاه:
■ما العناصر التي ينبغي تعديلها في قانون الأحوال الشخصية المصري الحالي، وما الذي يجب أن تقوله؟
■ما الذي ينبغي أن يكون عليه هيكل المحكمة الدستورية العليا حيث من المرجّح أن تكون لها سلطة تفسير أي اصطلاحات دستورية بشأن الإسلام؟
■كيف يجب أن يُنَظَّم الأزهر؟ وما الذي ينبغي أن تكون عليه طبيعة دوره في الدولة المصرية ومدى نفوذه الاجتماعي؟
■كيف يجب أن يكون هيكل مؤسسات الدولة الدينية الأخرى، مثل دار الإفتاء المصرية (مفتي الجمهورية، مسؤول عن تقديم تفسيرات الشريعة الإسلامية)؟
■ما الأولوية التي يجب أن تُعطى لإصلاح القانون الجنائي (بشأن هذه المسألة، من الصعب تجنّب أحكام الشريعة الإسلامية وهي مَستقطَبة للغاية)؟
■ما الذي ينبغي أن يكون عليه وضع الوثائق الدولية المختلفة لحقوق الإنسان التي وقّعت عليها مصر؟ ومَن يجب أن يكون مسؤولاً عن تفسير التحفّظات القائمة على تلك الوثائق؟ (على سبيل المثال، تصديق مصر على لجنة القضاء على التمييز ضدّ المرأة يشمل التحفّظ التالي فيما يتعلق بالمادة الثانية من الوثيقة: "إن جمهورية مصر العربية على استعداد للامتثال إلى مضمون هذه المادة، شريطة ألا يخالف هذا الامتثال أحكام الشريعة الإسلامية").
من المحتمل جداً أن تكون الجهات السياسية الرئيسة الفاعلة في مصر قد بدأت لتوّها التفكير في الجهة التي سوف تحدّد هذه القواعد وكيف سيتم تقريرها. بيد أن بعض القضايا فرضت نفسها بالفعل على الأجندة. جماعة الإخوان المسلمين، على سبيل المثال، بدأت صياغة قانون جديد للمحكمة الدستورية، وكانت إدارة الأزهر موضوع مرسوم قانون مثير للجدل صادر عن حكّام البلاد العسكريين المؤقتين قبل أن يبدأ البرلمان الحالي أعماله مباشرة.
لذا، في حين يرجّح أن المراقبين الخارجيين والناشطين السياسيين المصريين لايزالون في حيرة من أمرهم حول هذه القضايا، فربما يكون وقت الاستمرار في المناقشات فقط، في مستوى مجرّد ونظري، يقترب من نهايته بسرعة.
انتهى الجزء المنقول من دراسة السيد/ ناثان ........ وبالتمعن في تلك الاسئلة المتفرعة من السؤال الاصلي نستنتج ان الأمر يدور في محورين
- المحور الاول:
هو أن النظام العالمي الجديد أيقن تمامًا أنه لا يمكن تشكيل نظام سياسي جديد دون المشاركة الإسلامية، وفي هذا الصدد نذكر بدراسة قمنا بها عن السياسة الأمريكية الجديدة من التيارات الإسلامية وهي استراتيجية الاحتواء .. Containment، حيث نظر لهذه السياسة الجديدة الجنرال / بيترايوس قائد القوات الأمريكية في الخليج سابقًا ثم قائد القوات الدولية في أفغانستان وأخيرًا وبفضل تلك السياسة الجديدة التي لاقت إعجاب أوباما والمسؤولين الأمريكيين بعد تحقيقها نجاحات أفضل من المواجهة العنيفة تم ترقيته وتنصيبه رئيس المخابرات المركزية الأمريكية الآن ولازال يشغل المنصب. والتي يعلم الجميع تدخلها في رسم سياسات دول الشرق الأوسط وغيرها والمعروف عن بيترايوس أنه معني بشدة بمراكز الأبحاث الأمريكية كان ويستند إليها أثناء عمله في الخليج وأفغانستان ويكمل عملها على المستوى الحركي بصناعة الضغوط السياسية والاجتماعية لتمرير تلك الدراسات وتحقيقها واقعيًا. وهذا رابط فيه مختصر عن الدراسة التي قمنا بها حول تلك السياسة الجديدة:
- المحور الثاني:
هو أن تكون تلك المشاركة لها حد أقصى يضمن عدم استطاعتها أن تصبغ المجتمعات الصبغة الإسلامية. وهذا يتضح من الأسئلة الفرعية. والتي يتحدث فيها السيد ناثان عن الأزهر ودوره، والمحكمة الدستورية، والقانون الجنائي .. ووصل الحد الى النظر في دار الإفتاء المصرية، بل حتى في المفتي نفسه.
- وعمومًا وفي إطار نفس السؤال الرئيسي الذى طرحه السيد / ناثان، عن كيفية (الرقابة الغربية) نستطيع أن نفسر بعد الأحداث والتصريحات والمواقف السياسية بين أطراف السياسة المصرية بل حتى من الممكن استنتاج أسباب قبول نتائج الانتخابات الرئاسية نفسها بفوز الدكتور / محمد مرسي، وخروج شفيق من السباق. ونستطيع أيضا استشراف الوضع القادم الخاص بالقضايا الحساسة مثل
- من سيكون رئيس الوزراء ؟ او بمعنى آخر أكثر دقة من سيكون الشريك الممثل للنظام الدولي من بني جلدتنا؟
- كيف سيكون شكل الدستور النهائي؟ الذى سيحقق التوازن بين الشريكين (رئيس الجمهورية-رئيس الوزراء)؟
- كيف سيكون شكل المؤسسات الدينية الحكومية؟
- كيف سيكون شكل الوزارات المختلفة، وليس كما يظن الناس أن المشكلة في الوزارات السيادية، بل الإشكالية الكبرى عندنا وعندهم هي الوزارات المعنية بتربية الفرد، كوزارة التربية والتعليم، والثقافة، والتخطيط التي من شأنها إنتاج أجيال تحمل أفكار معينة ربما يخشى منها الغرب، ففي رأي ورأي الكثير أن هذه الوزارات هي الوزارات الأهم والاستراتيجية وليست تلك المسماة بالوزارات السيادية، التي لم تعد سيادية في ظل النظام العالمي الجديد وفرق القوة المفرط بيننا وبين الغرب في كافة المجالات.
الخلاصة:
نحن فعلًا في مرحلة شديدة الحساسية فما سوف نؤسسه اليوم سيصعب تغييره في المستقبل القريب، وأن الآخرين يعلمون عنا الكثير ولهم ممثلين استطاعوا أن يتصدروا المشهد بسرعة، ولديهم تصورهم وشروطهم لكيفية تخطيط مستقبل أطفالنا، فعلينا ان نتأنى في القرارت، ولا نستدرج إلى ما يريده الآخرون، فمنصب رئيس الوزراء قبل كتابة الدستور وغياب المجلس البرلماني صورة تؤكد ما ورد في الدراسة السابقة، وكل الأبواب تركت مفتوحة لضمان تطبيق ما أشارت إليه الدراسة وذلك لترك المجال مفتوح للعودة للخلف فلن يسمحوا بسهولة لمرور خيارات الشعب إلا من خلال ما سبق ذكره (المشاركة المحسوبة للنظام العالمي). فكل ما أخشاه الآن هو من سيكون رئيس الوزراء القادم؟ وما هي صلاحياته؟ وأرجوا من السيد الرئيس الدكتور العالم / محمد مرسي الذى أثق في رؤيته الاستراتيجية أن ينتبه وسط كل هذه المسؤوليات وكل هذا الزخم السياسي، وأرجو من سيادته وكل معاونيه أن لا نكرر أي خطأ مضى (الإفراط في الثقة) حتى من المقربين ممن أتوا على عجلة بعد الثورة مباشرة من وراء البحار.
م / خالد غريب
المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية والمعلومات.
- التصنيف: