يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا

منذ 2013-01-22

إن المتنفس الوحيد لهؤلاء هو ملاينة يجدونها من بعض المنهزمين بدعوى التمرحل في ترحيلهم، ولا يستقيم مهادنتهم، فإنهم إنقلابيون، كارهون، مدعومون من الخارج.



الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَن لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، ومَن أحبه واتبع هديه، وبعد:

مُنيت ظاهرة العلمانية في مصر بعدد من الهزائم المتتالية، وبعد كل معركة فكرية يتجمعون في مكانٍ آخر ويصطفون ويتنادون، ويبدو لمن يتابعهم أن بأسهم شديد، ثم يحبط الله كيدهم، ويُفشل خطتهم.
والآن تجمع العلمانيون (الرافضون لتحكيم شريعة الله) لخوض معركة جديدة يمكن تسميتها بـ(معركة الدستور).

وقبل الدخول في توصيف الظاهرة والبحث عن أسباب تكوينها، والعوامل المؤثرة فيها، وبالتالي محاولة تحديد مسارها في المدى القريب علي أن أُذكِّر بأن كل فكرة يقف حولها من يدافع عنها بيده، ومن يدافع عنها ويدعو إليها بلسانه.

والعلمانية قد خسرت الشق العسكري في مصر، وبدايةُ ذلك كان في عهد عبد الناصر، تحديداً حين أحبط الله به انقلاب عبد الحكيم عامر، فقد سيطرت مؤسسة الرئاسة على المؤسسة العسكرية، وأحالتها إلى مؤسسة محترفة أو متخصصة، لا علاقة لها بالسياسية، ثم تحولت بعد (كامب ديفيد) إلى مؤسسة أمنية بلا أهداف قتالية، يراقب بعضها بعضاً، ولا يوجد بينها ولاء عام لشخصٍ ما من أفرادها، ولذا حين ضربت بيدٍ مخالفة (إسلامية) لم تدافع عن رؤوسها، ببساطة لأنهم كانوا كالرقباء على المؤسسة العسكرية لتبقى خلف القطيع الذي يقوده (المخلوع).
وعجَّل الله برحيلهم قبل أن يحترفوا السياسة ويتمددوا في الحياة العامة من جديد.

والمنازلة الآن مع الشق (المدني) من الجبهة العلمانية، وهذه هي المعركة الثانية لهم -بدون الجناح العسكري- بعد (معركة 24 أغسطس).


الشاغبون على اللجنة التأسيسية للدستور الآن أخلاط، منهم الرافض لأسلمة الدولة المعادي للتوجه الديني يكره الدين والمتدينين، ومنهم النصارى يطالبون بحصة أكبر في إدارة الدولة ومساحة أوسع في الانتشار.
والعجيب أنهم متضادون، فنجد (الفول) بقايا الاستبداد، وأضدادهم الثوريين؛ واليساريين وأضدادهم من الليبيراليين، وكذا الديموقراطيين، والذي جمع هؤلاء هو عداوة الدين، هو الصد عن سبيل الله، هو رغبتهم في عدم تحكيم الشريعة الإسلامية، فالمظلة المشتركة هي العلمانية (اللادينية).

وجملة الأهداف التي ينادي بها هؤلاء تتمحور حول رفض الشريعة كمهيمن على حياة الناس، ثم هم أشتات: بعضهم لا يريد المادة الثانية للدستور، وبعضهم يريد مساحة أوسع للتطاول على خالقه ورازقه ومُحييه ومميته ومحاسبه سبحانه والأنبياء صلوات الله عليهم والصحابة رضوان الله عليهم، والتاريخ الإسلامي.

ومما يلاحظ في هذه الظاهرة أنها حزبية -مجموعة أحزاب- وإعلامية، ومادتها من النشطاء والأحزاب -من هذه النوعية- لا وجود لهم في أرض الواقع غالباً، والنشطاء ثقافتهم ثقافة مقاومة ولا يستطيعون تحريك الشارع الآن، فالظاهرة تنحصر قوتها في الإعلام، وقد اختبرت من قبل عدة مرات وبان ضعفها، وآخر ذلك في يوم 24 أغسطس.


كيف نتعامل مع هذه الظاهرة تفكيكاًً أو نصحًاً وترشيدًاً؟

هناك عدة أمور نستطيع من خلالها رسم الملامح الرئيسية للتعامل مع هؤلاء، منها:
أولاً: أن هذه الظاهرة إعلامية فقط، وقد تجمعت بكل ما تملك من قوة وما استطاعت تجميع أكثر من ألف أو ألفين.

ثانياً: إن هؤلاء لا يملكون ثابتاً نحاكمهم إليه، فالليبيرالية منهج بشري وضع بأهواء بعض البشر، وتعرض للتطور والتغير، (كلاسيكية، إشتراكية، جديدة)، وكذا الديموقراطية، وغيرهما من المناهج الأرضية، والعامل الأساسي في تغير هذه المناهج هو تغير الواقع، فإنهم قابلون للانكماش والتمدد إن ضُغطوا انكمشوا، وإن تُركوا تمددوا، وهذا واضح جدًاً في نشأة الليبيرالية الاشتراكية -دولة الرفاهية- والعودة لليبيرالية القديمة بعد أزمة 1928م -الدولة الحارسة-.

ثالثاً: يتنكرون لمبادئهم هم التي يتحاكمون إليها، فأمريكا -والتي تمثل النموذج أو الطراز بالنسبة لهم- دعمت الأنظمة الديكتاتورية القمعية في أمريكا الجنوبية والدول العربية، وأوربا مثلها؛ وإنَّ عرض حالهم في داخل حدودهم الجغرافية نوع من الكذب، فما استقرت بلدانهم وطاب عيش الناس فيها إلا بظلمهم للدول الأخرى وتحويلها إلى دول تابعة مستهلكة.


وهؤلاء يقولون: "ديموقراطية"، وحين تسألهم لا تجد لهم أرضية ثابتة فمرة يقولون: "حكم الأغلبية"، ومرة يقولون: "ديكتاتورية الأغلبية"، ومرة يقولون: "الأغلبية قد لا تستمر في الانتخابات القادمة"، لذا ليس لها أن تحكم بما تشاء بل تحافظ عما وجدته!

ومرة يقولون: "بالديموقراطية التمثيلية" -أي تمثيل كافة أعضاء المجتمع كما في العينة العمدية التي تعد للاستفتاء-، وليس عندهم سوى صد الناس عن سبيل الله، وصد الداعين إلى الله، وطريقهم معوج، مرة هنا ومرة هناك لا يستقيمون على حال، وأدق وصف لحالهم هو ما وصفهم به خالقهم: {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا} [الأعراف:45].

وإذا كانت الظاهرة العلمانية لا تملك حشدًاً جماهيريًاً، أو لا تستطيع أن تحشد الجماهير تأييدًاً لخيارٍ تتبناه، وأخلاط منقسمون فيما بينهم، وقد عركهم الناس وعرفوا سوء حالهم، وتنحصر قوتها فقط في الإعلام، وإذا كانت تنكمش بالضغط وتتمدد بالترك، فإن هذا يعطينا مؤشراً أن لا نترك مساحة لهؤلاء، وأنهم فقط لا يمثلون إلا أنفسهم، وأنهم كخارق السفينة لا بد من الأخذ على يديه، وأيسر ما يجدوه هو أن نُعمل أصل (اللعبة الديمقراطية)، وهو أن (الشعب مصدر السلطات) فلا يسمع لهذه القلة.


السؤال الآن: ما مستقبل الظاهرة العلمانية في مصر؟

بكل المقاييس تنحصر الآن وتضمحل، فما دخل هؤلاء للمجتمعات الإسلامية إلا عن طريق الاحتلال الغربي، ويستمدون قوتهم من الخارج إلى يومنا هذا، ولا أدلَّ على ذلك من استنجاد أحد (رموزهم) بأمريكا وأوربا لإنقاذ الدستور.

والآن بعد أن تحررت الشعوب فلن يجد هؤلاء مكاناً للجلوس بيننا، وإننا علينا واجباً اليوم هو التخلص من هذه النخبة المشاغبة التي لا تمثل غير نفسها وقلة من المخدوعين.

إن المتنفس الوحيد لهؤلاء هو ملاينة يجدونها من بعض المنهزمين بدعوى التمرحل في ترحيلهم، ولا يستقيم مهادنتهم، فإنهم إنقلابيون، كارهون، مدعومون من الخارج.


محمد جلال القصاص

27/9/2012 م

 
المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام