ذبح مسلمي مالي بأموال العرب!!
ما فعله حكام الإمارات بحق مسلمي مالي يوضح بجلاء أن أكبر التحديات التي مازالت تواجه ثورات الربيع العربي هو تحرير الإرادة العربية والإسلامية من أسر مرحلة "سايكس - بيكو"...
لا أدري كيف سيقف أبناء الشيخ زايد بن خليفة رحمه الله أمام ربهم يوم القيامة حفاة عراة كما ولدتهم أمهاتهم وقد ذهب السلطان والجاه يسألهم بأي وجهٍ وحق يمدون فرنسا بالمال مساعدة لها في حملتها العسكرية على مالي، والتي افتتحتها بصب نيران طائراتها على المسلمين العزل الأبرياء، مما أدى لوقوع العديد من الضحايا ونزوح ما يقرب من ثلاثين ألف مواطن من ديارهم ويبدو أن حكام الإمارات قد اختاروا لأنفسهم أن يكونوا رأس الحربة في الحرب ضد أي مشروع إسلامي محتمل فبموازاة حربها المعلنة على الحكومة المصرية لم تجد الأسرة الحاكمة الإماراتية غضاضة من تقديم يد العون للقوات الفرنسية الغازية، فقد كانت زيارة الرئيس الفرنسي هولاند لأبو ظبي قبل أيام لتفقد القاعدة الفرنسية الموجودة في حضن إمارة "أبو ظبي" فرصة مناسبة للتقدم بطلب لـ"أشقائه" حكام الإمارة للمساعدة في حربه ضد العدو المشترك من "مسلمي" مالي، والذي قدمه حكام الإمارات عن طيب نفس تدعيماً وتقوية للجيش الفرنسي، كما أفادت أخبار الحملة عن حرص سلاح الجو الفرنسي على تدمير المساجد والكتاتيب في مدن الشمال المالي.
ما فعله حكام الإمارات بحق مسلمي مالي يوضح بجلاء أن أكبر التحديات التي مازالت تواجه ثورات الربيع العربي هو تحرير الإرادة العربية والإسلامية من أسر مرحلة "سايكس - بيكو" فرغم ثورات التحرير التي شهدتها البلدان العربية بداية من منتصف القرن الماضي، والتي وضعت على رأس أولوياتها القضاء على الاستعمار وأذنابه إلا أن الواقع يجزم أنها فشلت فشلاً ذريعاً في ذلك بعد أن تحولت إلى نظم ديكتاتورية مارست القمع ضد شعوبها على مدار حوالى ستين عاماً إلى أن هبت ثورات الشعوب العربية والتي فوجئت أنها مازالت تعاني من آثار اتفاقية "سايكس - بيكو" التي هندست وضع العالم العربي في فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى ومهدت الطريق لظهور دولة إسرائيل فقد حرصت الدول الاستعمارية على إنشاء كيانات ودويلات حارسة لمصالحها ومانعة من تحقيق استقلال القرار الوطني بعيدًا عن هيمنة الدول الكبرى كما كانت هذه الدويلات شوكة في خاصرة منظمات العمل العربي المشترك كالجامعة العربية.
كما أن الإسلاميين في مصر ودول الربيع العربي عليهم أن يكون لهم موقف واضح من هذا العدوان على مسلمي مالي إذ أن السكوت على تلك الجريمة يعد جريمة أخلاقية أربأ بالحركة الإسلامية عنها فإن ما صدر من تصريحات عن قادة فرنسا يوضح بجلاء أن الحرب في مالي هي حرب صليبية جديدة ضد ديار الإسلام بسبب تطبيق الشريعة كما صرح الفرنسيون أنفسهم ولولا أن الإرادة الشعبية التي حملت الإسلاميين في مصر وتونس إلى سُدة الحكم لتكرر الموقف ولكن الدول الغربية تستعيض عن الآلة العسكرية الخشنة بحرب التجويع والأزمات الاقتصادية الخانقة والإفشال الشعبي وتفجير الأوضاع الداخلية في كلا البلدين كما نراه في مصر بوضوح.
إن ما يجب أن تدركه الحركة الإسلامية وهى تتسلم أمانة الحكم في بلدان الربيع العربي أن أكبر تحدٍ يواجهها اليوم هو تحرير الإرادة الوطنية بعيداً عن الهيمنة الثقافية والاقتصادية والعسكرية لمنظومة الحضارة الغربية فهي حركة مقاومة في الأساس وقد نشأت في بدايات القرن الماضي كرد فعل على تغول الاستعمار الغربي بعد الحرب العالمية الأولى والتي شهدت بداية التنفيذ لاتفاقية "سايكس - بيكو" وإلغاء الخلافة العثمانية وبداية موجات الهجرة الصهيونية لفلسطين.
هذا التحدي المفروض على الإسلاميين اليوم لا ينبغي مواجهته بالفكر "الحنجوري" من عينة إلقاء إسرائيل وما وراء إسرائيل في البحر ثم نستيقظ ذات يوم وإسرائيل على بعد أمتار من غرف نومنا!! بل يجب عليها أن تسعى إلى تحرير الاقتصاد من المساعدات المذلة وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء والدواء وأن تسعى لتصنيع سلاحها عبر نهضة علمية وتعليمية مرتكزة على أسس عقائدية وأخلاقية نابعة من داخلنا وليست متطفلة على هنا أو هناك.
ما يحدث في مالي اليوم جريمة أخلاقية تضاف للسجل المتخم لجرائم الحضارة الغربية في حق الإنسانية، كما سيضاف لسجل العار لبعض الأنظمة العربية والتي وجهت أموالها لذبح المسلمين في مالي بدلاً من توجيهها لشراء الطعام والدواء للفقراء هناك وما أكثرهم !!!
سمير العركي
- التصنيف: