زيت الشجرة المباركة
رافقت شجرة الزيتون الإنسان منذ عصور سحيقة، فلقد اكتشف الجيولوجيون وعلماء الآثار بقايا أشجار وبذور زيتون، تعود إلى المرحلة التي بدأ فيها الإنسان يصقل الحجر ويبني الأكواخ ويزرع الأرض، وعن الزيتون وذكره فى القرآن والسنة وفوائده نتحدث.....
رافقت شجرة الزيتون الإنسان منذ عصور سحيقة، فلقد اكتشف الجيولوجيون وعلماء الآثار بقايا أشجار وبذور زيتون، تعود إلى المرحلة التي بدأ فيها الإنسان يصقل الحجر ويبني الأكواخ ويزرع الأرض، ويقال أن البابليون هم أول من زرع شجرة الزيتون بشكلها الحالي عن طريق التطعيم، يبلغ عدد أنواع أشجار الزيتون 150 نوعاً، وتعيش الشجرة حياة طويلة، حيث يُعتقد بأن حياتها قد تمتد من 300 - 600 سنة، أو حتى أكثر من ذلك، ويتراوح ارتفاعها بين خمسة أمتار واثني عشر متراً، وتحتاج لنموها إلى ظروف مناخية لا تتوفر إلا في محيط البحر الأبيض المتوسط، وتتمتع شجرة الزيتون بأوراق دائمة الخضرة، تتجدد كل ثلاث سنوات، وهي تنمو ببطء وكأنها تستخلص فوائد الأرض على مهل وبتركيز، وتُقّدر أعداد أشجار الزيتون الموجودة اليوم فوق سطح الأرض بحوالي 800 مليون شجرة.
الزيتون في الكتاب والسنة:
قال تعالى: {اللّهُ نُورُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزّجَاجَةُ كَأَنّهَا كَوْكَبٌ دُرّيّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاّ شَرْقِيّةٍ وَلاَ غَرْبِيّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيَءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نّورٌ عَلَىَ نُورٍ يَهْدِي اللّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللّهُ الأمْثَالَ لِلنّاسِ وَاللّهُ بِكُلّ شَيْءٍ عَلَيِمٌ} [النور: 35]، ويقول جل ذكره: {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاءَ تَنبُتُ بِالدّهْنِ وَصِبْغٍ لّلآكِلِيِنَ} [المؤمنون:20]، ويقسم تعالى في سورة التين بـ {وَالتّينِ وَالزّيْتُونِ} [التين: 1].
يقول سيد قطب رحمه الله: "ونور زيت الزيتون كان أصفى نور يعرفه المخاطبون، ولكن ليس لهذا وحده كان اختيار هذا المثل، إنما هو كذلك الظلال المقدسة التي تلقيها الشجرة المباركة، ظلال الوادي المقدس في الطور، وهو أقرب منابت الزيتون لجزيرة العرب، وفي القرآن إشارة لها وظلال حولها: {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ تَنبُتُ بِالدّهْنِ وَصِبْغٍ لّلاَكِلِيِن} [المؤمنون: 20]، وهي شجرة معمرة، وكل ما فيها مما ينفع الناس، زيتها وخشبها وورقها وثمرها" [في ظلال القرآن تفسير سورة النور ص (2519)].
وتعليقاً على قوله تعالى: {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ} [المؤمنون: 20] .
يقول د. نظمي خليل أبو العطا:
"وقد كشفت في لسان العرب لابن منظور عن معنى كلمة صبغ فوجدت: "الصبغ والصباغ والصبغة: ما يصبغ به الثياب، والصبغ في كلام العرب التغيير، ومنه صبغ الثوب إذ غير لونه وأزيل عن حاله إلى حالة سواد أو حمرة أو صفرة. وقد اشتملت هذه الآية الكريمة على أمور عظيمة، فإذا كان ربُّنا سبحانه وتعالى قال لنا أن شجرة الزيتون تعطي الدهن فهذا معلوم، ولكن {وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ}؟! وقد قرأتُ التفاسير وعلمت إنهم يقصدون الغمس للطعام في الزيت، وبالكشف في لسان العرب وجدت أن هذا صحيح، ولكن عندما قالت الآية {صِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ} نجد هنا ذكر الدهن، وعطف عليه الصبغ، وقد فهمت أن ثمار هذه الشجرة تحتوي الدهن المكون من الأحماض الدهنية ومركبات أخرى. فهي تحتوي على الأحماض الدهنية الأمينية ومنها الفنيل والإنين الذي يعطي التيروزين وهو من أحماض الميلانين في الجلد، وهذه الصبغة (الميلانين): هي التي تصبغ البشر حسب كميتها في الجلد، فإذا كانت صبغة كثيفة أعطت الجلد الأسود، وإذا خفت أعطت اللون الأصفر، وإذا غابت تماماً أعطت اللون الأبيض للشعر والجلد والرموش، ولهذه الصبغة (الميلانين) أهمية كبيرة للإنسان فالسوداني والنوبي والأفريقي يعيشون في منطقة شديدة الحرارة ساطعة الشمس، وهذا يتطلب حماية، هذه الحماية تتوفر بتوفر اللون الأسود (الميلانين)، وهذا ملحوظ في الشخص القمحي اللون عندما يقف في الشمس طويلاً فإنه يسمر، لأن الاسمرار وسيلة دفاع عن الجلد ضد الشمس. وهذا سبق علمي خطير، حيث أن شجرة الزيتون تعطي الزيت والأحماض الأمينية، ومنها الأحماض المسئولة عن إعطاء اللون الأسود -الصبغ الجلدي- أ.هـ [إعجاز النبات في القرآن الكريم د. نظمي خليل أبو العطا أستاذ النبات في الجامعات المصرية بتصرُّف].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ائتدموا بالزيت وادهنوا به فإنَّه من شجرة مباركة» [رواه ابن ماجة (3319)، والحاكم (4/122)، والمصنف (19568) والجامع (4374) وصحّحه الألباني في صحيح ابن ماجة برقم (2698)].
وروى الترمذي في سننه عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «كُلُوا الزَّيْتَ وَادَّهِنُوا بِهِ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ» [صحّحه الألباني في صحيح الترمذي برقم (1852)].
وعن ابن ماجة عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «كُلُوا الزَّيْتَ وَادَّهِنُوا بِهِ فَإِنَّهُ مُبَارَكٌ» [ضعّفه الألباني في ضعيف ابن ماجة (659)]. وفي سنن الدارمي عَنْ أَبِي أَسِيدٍ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «كُلُوا الزَّيْتَ وَائْتَدِمُوا بِهِ وَادَّهِنُوا بِهِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ» [سنن الدارامي (1243)].
أقوال أشهر أطباء الغرب:
يقول (د. ويليام كاستللي) -مدير مدرسة فارمنجهام- الشهيرة: "إن هناك زيتا واحدا يتمتع بأطول سجل من سلامة الاستعمال في التاريخ هو زيت الزيتون، فلقد تناول زيت الزيتون أجيال وأجيال، وامتاز هؤلاء بصحة الأبدان وندرة جلطة القلب عندهم، وهذا السجل الحافل بمآثر زيت الزيتون يجعلنا نطمئن لاستعماله، ونقبل عليه بشغف كبير".
ويقول (د. أهرنس) -من جامعة كوفلر- بنيويورك: "إننا ندرك تماما أن استعمال سكان حوض البحر المتوسط لزيت الزيتون كمصدر أساسي للدهون في الغذاء هو السبب وراء ندرة مرض شرايين القلب التاجية عندهم".
وينبه (د. كاستللي) إلى فوائد استعمال زيت الزيتون في حوض البحر المتوسط فيقول: "رغم أن الناس في حوض البحر المتوسط يتناولون بعض الدهون المشبعة (السيئة) المتوافرة في لحم الخروف والقشدة والسمن والجبن، إلا أنهم يستعملون زيت الزيتون بشكل رئيسي في طهي الطعام، وهذا ما يجعل أمراض شرايين القلب التاجية قليلة الحدوث عندهم".
ويقول أيضاً: "إن أفضل طريقة لطهي الطعام وتحضير المأكولات هي باستعمال زيت الزيتون بشكل أساسي، واستعمال كميات قليلة من زيت الذرة أو دوار الشمس، فالجسم لا يحتاج إلا إلى كميات قليلة من النوعين الأخيرين "، ويمتاز زيت الزيتون بغناه بالدهون الغير مشبعة".
أما (د. تريفيسان) -من جامعة نيويورك- فقد لخص فوائد زيت الزيتون في بحث نشر في مجلة (جاما) عام 1990م فقال: "لقد أكدت الدراسات الحديثة التأثيرات المفيدة لزيت الزيتون في أمراض شرايين القلب، ورغم أن البحث قد تركز أساساً على دهون الدم، إلا أن عدداً من الدراسات العلمية قد أشارت إلى فوائد زيت الزيتون عند مرضى السكري والمصابين بارتفاع ضغط الدم" [(كلوا الزيت وادهنوا به) الدكتور حسان شمسي باشا].
خواص فريدة:
الفرق بين زيت الزيتون الأخضر والأسود يكون في المذاق، حيث يكون مذاق زيت الزيتون الأخضر حاد بعض الشيء، فيه نكهة خفيفة ويتحمل الحرارة، ويستخدم في القلي والتتبيل، أما زيت الزيتون الأسود فمذاقه أكثر حدة وهو أقل تحملاً للحرارة ونكهته قوية، وغالباً ما نجده في أكلات البحر المتوسط التي تتميز بنكهتها القوية. وطرق حفظ زيت الزيتون لها أهميةً كبرى، حيث يتفاعل زيت الزيتون مع الضوء وبالتالي تقل جودته لهذا كلما كانت الزجاجة التي تحتويه غامقة أو كانت صفيحة -معدنية- كان هذا أحسن من الزجاجات الشفافة.
الأبحاث العلمية الحديثة:
يحتوي زيت الزيتون على أحماض دهنية أحادية عدم التشبع، وهي الأنسب لتغذية جسم الإنسان، ولقد ارتبط "زيت الزيتون" بالحد من الإصابة بارتفاع الكولسترول حيث لوحظ على الشعوب التي تستهلك كميات جيدة من زيت الزيتون أن نسبة الكولسترول السيئ -الضار- منخفضة في الدم، وبالتالي أدى ذلك إلى الحد من تصلب الشرايين الذي له علاقة كبيرة في التقليل من أمراض القلب والجلطة. كما لوحظ أن هناك علاقة مباشرة بين خفض ضغط الدم واستهلاك كميات مناسبة من زيت الزيتون.
وزيت الزيتون يحتوي أيضاً على نسبة جيدة من فيتامين (هـ) والبولي فينول (Polyphenole) اللذين يعرفا بمضادات الأكسدة، حيث يقوما بتغليف وربط المواد المؤكسدة وتخليص الجسم منها، وبالتالي تقليل الإصابة بالسرطان وتأخير أعراض الشيخوخة وتخفيض نسبة السكر في الدم، ولهما أيضاً أثراً كبيراً في تحريض استقلاب الخلية لإنتاج الدم بسرعة.
وفي هذا الصدد يذكر البروفسور "ميجيل جاسول" في دراسة حديثة أشرف عليها بنفسه تقدم دليلاً على أن غذاء يحتوي على 5 % من زيت الزيتون يقي من الإصابة بالسرطان مقارنة بزيت زهرة العصفر، ويفسر الفريق العلمي بقيادته دور زيت الزيتون بأنه يعرقل تكون مادة يطلق عليها "آركيدونات" مسئولة عند اتحادها مع مادة أخرى هي "بوستجلاندين - إي" عن تحريض الخلايا على الانقسام السرطاني.
كما قدم الدكتور "سموت" من جامعة "هاوارد" الأمريكية بحثاً في المؤتمر الأخير للجمعية الأمريكية لأمراض جهاز الهضم والذي عقد في شهر أكتوبر 2000م، أظهر البحث أن الزيوت غير المشبعة مثل زيت الزيتون، يمكن أن تمنع نمو جرثومة تُدعى "Helicobacter Pylori" في المعدة.
وهذه الجرثومة مسئولة عن العديد من حالات القرحة المعدية، وعدد من حالات سرطان المعدة، وأكد الدكتور "سموت" أن الغذاء الحاوي على هذه الزيوت ربما يكون له تأثير مفيد في الوقاية من سرطان المعدة، والإقلال من نكس القرحة المعدية.
كما توصل علماء بريطانيون إلى أدلة جديدة تثبت المنافع الوقائية لزيت الزيتون في علاج سرطان الأمعاء الذي يذهب ضحيته حوالي (20 ألف شخص) سنوياً في بريطانياً وحدها، فقد وجد باحثون وأطباء في جامعة "أوكسفورد" الإنجليزية أن زيت الزيتون يتفاعل في المعدة مع حامض معوي ويمنع الإصابة بمرض سرطان الأمعاء والمستقيم، ويعزو العلماء ذلك إلى أن الوجبات الغذائية التي تحتوي على كميات كبيرة من اللحم يمكنها أن تزيد من إفراز حامض الصفراء أو حامض "ديأوكسيسيكليك" الذي بدوره يقلل من فعالية أنزيم خاص يعتقد بأنه يلعب دوراً هاماً في تجدد خلايا الأنسجة المبطنة للأمعاء، ويعتقد العلماء أن انخفاض الأنزيم الخاص، الذي يُسمّى "ديامين أوكسيداس" قد يكون سبب تزايد الخلايا السرطانية في الأمعاء، وهنا وجد العلماء الدور المهم الذي يقوم به زيت الزيتون في خفض المادة الحامضية الضارة الناتجة عن تناول كميات كبيرة من اللحم وزيادة إفراز الأنزيم الذي يقي من تكاثر الخلايا الغير عادية والسرطانية [].
أيضاً اكتشف باحثون من مركز أبحاث في فيلادلفيا في الولايات المتحدة أن 50 جم من زيت الزيتون من العصرة الأولى تعادل نحو واحد بالعشرة من جرعة دوائية من الـ"إيبوبروفين" المسكن للألم، أما المادة الفعالة التي عثر عليها بكميات كبيرة في زيت الزيتون الطازج فتُسمّى"أوليو كانثال" وتثبط نشاط إنزيمات لها علاقة بالالتهاب بنفس الطريقة التي تعمل بها مادة الـ"إيبوبروفين" المسكن للألم وغيره من العقاقير المضادة للالتهابات، وترتبط الالتهاب بعدد كبير من الأعراض الصحية مثل أمراض القلب والسرطان. [].
وأخيراً ذكرت دائرة المعارف الصيدلانية الشهيرة "مارتندل" أن زيت الزيتون مادة ذات فعل ملين لطيف، ويعمل كمضاد للإمساك، كما أن زيت الزيتون يلطف السطوح الملتهبة في الجلد، ويستعمل في تطرية القشور الجلدية الناجمة عن الأكزيما وداء الصدف.
د/ خالد سعد النجار
alnaggar66@hotmail.com
خالد سعد النجار
كاتب وباحث مصري متميز
- التصنيف: