العراق البعيد عن عدسات "النشطاء"

منذ 2013-02-03

يُظن البعض أن ثورة العراقيين أكثر هدوءًا من نظيراتها، إلا أنها مرشحة للتصاعد بشكل متسارع في الأسابيع القليلة القادمة بعد أن نجحت في الأسابيع الماضية في ترسيخ حضورها، ونقل حالتها من التظاهر إلى الاعتصام الممتد الذي يمثل نموذجاً مصغراً حتى الآن لغيره من الثورات، وهو ما لا يجعل العراق يبدو بعيداً عن سيناريوهات التغيير، خاصة تلك التي حدثت في ليبيا وتتكرر في سوريا الآن.


عِراقُنا الثائر لا يَستفزُّ مشاعر الإعلام العربي والغربي، ربما لأنه يُعبِّر عن إرادة لا تتساوق مع أي إرادة دولية أو إقليمية، ربما لأنه يمضي في خضم اضطرابات ممتدة من سوريا إلى مصر، فتغمره حوادث اللحظة في البلدين اللذين يخوض أحدهما حرباً ضروساً، والآخر أعمال عنف لحساب قوى خارجية بغية تعطيل مساره الثوري.

"الوفاء لشهداء الفلوجة"، هكذا وقع اختيار الثوار لاسم الجمعة العراقية القادمة (بعد أن كانت "ارحل") التي ينتظر أن تضم مدينة البصرة في الجنوب العراقي، ذات الأثر العالي في تغيير الخريطة الثورية، وفي التاريخ والجغرافيا العراقيين، وهي جمعة يتحسَّبُ لها النظام الطائفي في بغداد بشدة، ويمكن أن يستشفَّ ذلك من ردات فعل النظام وطيفه المساند له، والذي راح يطلق رسائل عديدة للخارج، لا سيما الاتحاد الأوروبي وسفرائه، بأن التحديات الداخلية لا تعدو كونها مطالب قانونية تستغلها قوى طائفية، وإلى الداخل عبَّر حشد الطائفة الشيعية للإيحاء بأن ثورة الأنبار والشمال العراقي، والآخذة في التوسع ليست إلا عملاً هدفه النيل من الطائفة، مثلما قال رئيس الهيئة السياسية لانتفاضة العراق الشعبانية الطائفي (أبو الفقار الشمري) في بيان له: "إنه يجب أن يلتفَّ كلُّ الوطنيين الشرفاء حول رئيس الوزراء (نوري المالكي) ليس لمنصبه ولكن لأنه يمثل الخط الوطني أمام المد الطائفي الشنيع"، متسائلاً: "ماذا بعد نعت الشيعة بالخنازير، والكلُّ قد تصنَّم لا ينطقون؟!"، وشاركته المراجع الشيعية الرديفة، كالمدرسي وغيره القلق، حيث يلحظ في العراق انكسار واضح في هيبة النظام الطائفي، على الأقل في الجانب النفسي والمعنوي من الثورة، وجرأة العراقيين على تحدي نظام كانت له رهبة كبيرة قبل سنوات، وخصمت الثورات العربية وشجاعة الأنبار وما جاورها من رصيد هيبته...

الآن، وبلغة غير مسبوقة، تتفق العديد من قوى الحراك الثوري العراقي، ومنها شباب الثورة العراقية الكبرى، والحركة الشعبية لإنقاذ العراق، وائتلاف ثورة 25 شباط، وأحرار عشائر العراق، وتجمُّع شباب الأنبار، وتجمع ثوار الفلوجة، والجبهة الشعبية لإنقاذ كركوك، والرابطة الوطنية لعشائر الجنوب والفرات الاوسط، وتجمع صامدون، وتجمع شباب ثائرون... إضافة الى منظمة طلبة وشباب العراق الحر، ومنظمة العهد للدفاع عن المعتقلين، على توجيه نداء أخير للنظام الإجرامي الموالي لإيران بالتوقف عن سفك الدماء، ووقف استهداف الشباب السني، الذي عزم على ألا "يكرر مأساة الفلوجة" مرة أخرى مثلما قال النشطاء، فالرسالة التي يحاول الثوار - وينجحون فيها بالتدريج الآن - إيصالها للنظام، هي أن الدم السني لن يكون رخيصاً كما مضى، وسوف يحشر النظام في استنزاف ثوري واسع وطويل.

النظام قطعاً سيظل عنيداً لفترة ليست قصيرة، وقد بدا المالكي متحدياً حين وضع مكان كل وزير سني من الثمانية وزراء الذين وضعوا استقالتهم تحت تصرف كتلة "القائمة العراقية"، وزيراً شيعياً، وهو بذلك يعني أنه قد سيمضي في الطريق إلى نهايته، لكن شواهد كثيرة من الداخل العراقي لا تخطئها العين تؤشر إلى صعوبة موقف المالكي وعصابته، لاسيما أن حلفاءها سواء في إيران أو سوريا يواجهون تحديات متنامية، فالنظام السوري يخسر كل يوم موقعاً استراتيجياً، والحرس الثوري الإيراني يدفع ثمن استنزافه في سوريا، كما أن الغضب الشعبي الإيراني تزداد حدته يوماً بعد يوم مع زيادة معدل التدفق المالي الإيراني المنفق على "تصدير الثورة"، للحد الذي تجلى معه محاولات من المالكي لتخفيف الضغط المالي عن طهران؛ فقرر مدّ حلفائه الشيعة في جزر القمر، و"دعاته" بالصومال وموريتانيا بملايين الدولارات من أجل تصدير الثورة الإيرانية! وهو ما أثار غضباً شعبياً عراقياً أيضاً.

وحيث يُظن بأن ثورة العراقيين أكثر هدوءًا من نظيراتها، إلا أنها مرشحة للتصاعد بشكل متسارع في الأسابيع القليلة القادمة بعد أن نجحت في الأسابيع الماضية في ترسيخ حضورها، ونقل حالتها من التظاهر إلى الاعتصام الممتد الذي يمثل نموذجاً مصغراً حتى الآن لغيره من الثورات، وهو ما لا يجعل العراق يبدو بعيداً عن سيناريوهات التغيير، خاصة تلك التي حدثت في ليبيا وتتكرر في سوريا الآن.