القانون والشريعة الإسلامية
ففي هذه السُّطور القليلة سنتكلَّم سريعًا عن القانون الوضْعيِّ والشريعة الإسلاميَّة العظيمة.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
وبعد:
ففي هذه السُّطور القليلة سنتكلَّم سريعًا عن القانون الوضْعيِّ والشريعة الإسلاميَّة العظيمة.
القانون الوضعي الذي جعَل نفسه إلهًا يشرِّع ويسنُّ القوانين من دون الله، مما أدَّى إلى اتِّجاه بعض الدول والجماعات إلى وضْع القانون الذي يمكن القَبول به دون الكنيسة، وهذا رَفْض لقانون الحاكِم الواحد الذي انتشَر في أوروبا، وكانت هذه بدايةَ ظهور العلمانيَّة التي لا تصلح لنا - نحن المسلمين الموحِّدين بالله ربِّ العالَمين - ولكن القانون الوضعي الذي وُضِع لجماعةٍ مِن الناس في أوروبا أو آسيا، أو أمريكا، أو فرنسا، لا يتناسب معنا دِينًا، ولا ثقافةً، ولا سياسة، ولا حياة اجتماعية، فلماذا يثورون عندما نُريد الشريعةَ الإسلامية مصدرًا أساسيًّا للدستور، والقانون في بلدنا الإسلامية؟!
الشريعة الإسلامية:
سأتكلَّم هنا بحُكم دراستي لجميع القوانين (العلماني، المسيحي، اليهودي، الرُّوماني، الاشتراكي، والقوانين المُلحِدة في الصين)، فلَم أجِد أعظم وأكمل مِن الدُّستور الذي بلَّغه لنا محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّ،م وطبَّقه في المدينة المنوَّرة، إنَّها أعظم قوانين عرفتها البشرية، فهي قوانين إلهيَّة نزلتْ مِن عند الله جلَّ في علاه (فهي صالحة لكل مكان وزمان) لا تسقط بالتقادُم، والبشريَّة كلها في أمسِّ الحاجة الشَّريعة الإسلامية، لتحكم بلاد العالَم كلِّه، فالنظام الإسلامي هو الذي حرَص على الجمْع بين المصلحتين الرُّوحية والمادية، الفردية والجماعية، وأصبح من الواجب إعادة النظر في نظام حياة البشرية كلها وفقَ منظور إسلامي.
القانون الوضعي:
القانون الوضعي هو كلُّ ما يحتاجه أو يسنُّه مجموعةٌ مِن الأفراد لتسيير أمورهم (الاقتصاديَّة، والسياسية، والاجتماعية)، فكلُّ فرد أو مجموعة قاموا بوضْع قانون لهم لحماية أمْنهم واقتصادِهم، وأداء ما عليهم من واجبات، وأخْذ ما لهم من حقوق، ولكن القانون الوضعي قانون ناقِص، لعدة أسباب.
أسباب قصور القانون الوضعي:
فهو قانونٌ يراه البعضُ حمايةً لهم، ويراه آخرون اعتداءاً عليهم، فكلُّ فرد مختلِفٌ عن الآخَر في فَهْم القانون، وكذلك كلُّ مجموعة.
وكذلك التطوُّر والزمن يَقْضي على القانون ليحلَّ محلَّه قوانين حديثة تواكِب العصر، والنُّمو الفكري والاقتصادي، والسِّياسي والاجتماعي، ففي أوروبا مثلاً في القرون الوسطى كانت الكنيسة هي مصدرَ القوانين، ويزعمون أنَّهم يحكمون بالحقِّ الإلهي المقدَّس؛ أيْ: لا اعتراض، ولا مُناقشة، ولا مجادَلة، فمن يعترِض يعترضُ على الله.
وجود الفاسدين الذين يهاجمون الشريعة الإسلامية، وكل هؤلاء لا يعرفون عنِ الشريعة الإسلامية شيئًا، ولا عن الدُّستور المدَني الذي وضَعَه علماؤنا الأجلاَّء، أو أنهم يعرفون الحقَّ وينكرونه، فهؤلاء الذين لا يعلمون غُرِّر بهم مِن الإعلام الفاسد الذي صوَّر الشريعة الإسلامية على أنها قَطْعُ يد، وقطع رقبة وجلد.. فقط، أو أنَّ الشريعة تعمل على مُصادَرةِ الحريَّات حتَّى لو بالكلمة، فهؤلاء لا يعرفون شيئًا عن حياة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ولا عن أصحاب النبي رضوان الله عليهم فليس الإسلام دينًا هاضمًا للحريَّات، ولا هو بدين الرأي الواحِد الذي لا يَقبل النِّقاشَ والشُّورى.
وها هو مثالٌ بارز في غزوة تحديدِ المصير، في أوَّل غزوة للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم يَنْزل النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن رأيه ليأخُذَ برأي سيدنا الحُبَاب بن المُنذر عندما اقترح على رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم موقعَ المعركة في غزوة بدر، وفي غزوة الخندق عندما أشار سيِّدُنا سَلْمان الفارسيُّ على الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم بحَفْر الخندق...
والأمثلة كثيرة، أليس هذا مِن الحرية، حرِّية إبداء الرأي؟ وهذا أيضًا لا تعارُض بينه وبين الإسلام.
أيها المُتَعَلْمِنون، اقرؤوا تاريخ الدولة الإسلامية، لتعرفوا في أيِّ درجات العلا نحن، ولتعرفوا أنَّ الشريعة الإسلامية نورٌ على الطريق الصحيح لبناء دولة قويَّة، فالشريعة الإسلامية هي: (الضَّبط والحزم والنِّظام، والرفق واللِّين، هي الشورى الحقيقيَّة والكرامة).
وأخيرًا كان هذا المقال بمثابة المقدِّمة للكلام عنِ القانون الوضعي والشريعة الإسلاميَّة في الأعداد القادِمة بإذن الله تعالى.
إنَّ الإسلام نظامٌ شامل لجميع شؤون الحياة، وسلوك الإنسان، فهناك أحكام العقيدة، وأحكام الأخلاق، وأحكام تتعلَّق بتنظيم علاقة الإنسان بخالقه، وأحكام تتعلَّق بعلاقات الأفراد فيما بينهم، وأحكام تتعلَّق بالقضاء، وأحكام تتعلَّق بأصول ونِظام الحُكم وقواعده، وكيفية اختيار رئيس الدولة، وشَكْل الحكومة، وعلاقات الأفراد بها، وتنظيم علاقات الدولة الإسلامية بالدول الأخرى في السِّلْم والحرب، وأحكام تتعلق بموارد الدولة الإسلاميَّة، وتنظيم العَلاقات المالية بَيْن الأفراد والدولة، وبين الأغنياء والفقراء.
والشريعة الإسلامية في شمولها تختلف مع جميعِ القوانين الوضعية، لأنَّها من عند الله، فالإسلام ختم الشرائع السابقة، والنبي محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم هو خاتم الأنبياء والمرسَلين، وشريعة الإسلام جاءتْ لعموم البشَر، ولم تأتِ لطائفة معيَّنة منهم، أو لجِنس خاص من أجناسهم، والإسلام ما قصَد - بتشريعه الأحكام للناس - إلاَّ حِفْظَ مصالح الناس في الدُّنيا وسعادتهم في الآخرة، هذه الشريعة فيها أحكامٌ عامة يمكن - بسهولة ويُسْر - تطبيقها في كلِّ مكان وزمان، وإنَّ هذه الشريعة لكونها من عند الله، قد أتتْ كاملةً خالية مِن النقص، ولكن...
أحمد عبدالمؤمن
- التصنيف:
- المصدر: