شاس بن قيس المصري

منذ 2013-03-04

شاس بن قيس هذا كان شيخًا يهوديًا قد عسا في الكفر والحقد والعداوة للإسلام والمسلمين، وكان من يهود المدينة الذين استطاعوا أن يكون لهم نفوذ وثروة وتجارة كبيرة في المدينة قبل وصول النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين إليها، وذلك بسبب تجارة السلاح بين قطبي المدينة المتنافرين (الأوس والخزرج) وبعد أن منّ الله على أهل المدينة بالإسلام وبهجرة النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، أصبح الأوس والخزرج إخوة متحابين في الله، بعد عهود من الصراع والمناكفات والحروب، وأصبح الاسم الجديد الذي يجمع الفريقين هو اسم (الأنصار)، فمر شاس بن قيس يوما على نادي من نوادي الأنصار فوجدهم متحابين فرحين مسرورين تجمعهم الألفة والمودة، فاشتعل قلبه بالغيظ والحسد والكراهية لوحدة الأوس والخزرج، فأغرى أحد شباب اليهود أن يدخل نادي الأنصار، وكان لا يوجد ما يمنع من ذلك، فاليهود من أهل المدينة وبينهم وبين المسلمين معاهدات ومواثيق، وأمره أن يتغنى بأشعار يوم بعاث، وكان يوم بعاث هو آخر قتال دامي بين الأوس والخزرج قبل الإسلام، وكان فيه مقتلة عظيمة بين الفريقين..


شاس بن قيس هذا كان شيخًا يهوديًا قد عسا في الكفر والحقد والعداوة للإسلام والمسلمين، وكان من يهود المدينة الذين استطاعوا أن يكون لهم نفوذ وثروة وتجارة كبيرة في المدينة قبل وصول النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين إليها، وذلك بسبب تجارة السلاح بين قطبي المدينة المتنافرين (الأوس والخزرج) وبعد أن منّ الله على أهل المدينة بالإسلام وبهجرة النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، أصبح الأوس والخزرج إخوة متحابين في الله، بعد عهود من الصراع والمناكفات والحروب، وأصبح الاسم الجديد الذي يجمع الفريقين هو اسم (الأنصار)، فمر شاس بن قيس يوما على نادي من نوادي الأنصار فوجدهم متحابين فرحين مسرورين تجمعهم الألفة والمودة، فاشتعل قلبه بالغيظ والحسد والكراهية لوحدة الأوس والخزرج، فأغرى أحد شباب اليهود أن يدخل نادي الأنصار، وكان لا يوجد ما يمنع من ذلك، فاليهود من أهل المدينة وبينهم وبين المسلمين معاهدات ومواثيق، وأمره أن يتغنى بأشعار يوم بعاث، وكان يوم بعاث هو آخر قتال دامي بين الأوس والخزرج قبل الإسلام، وكان فيه مقتلة عظيمة بين الفريقين..

وبالفعل دخل الشاب اليهودي وأخذ في التغني بأشعار هذا اليوم الجاهلي، فأثار الضغائن، وحرّك الأحقاد، وذّكر بالمصاب، فقام شابان من الأوس والخزرج فتقاولا، ثم تنافرا، ثم تضاربا، فحمي لكل شاب قبيلته، وتضاربوا بالسياط والنعال، ثم هرعوا إلى السلاح للقتال بظاهر المدينة، كل ذلك في دقائق معدودة، فخرج إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم والمهاجرون مسرعين وحجزوا بينهما، وأخذ الرسول في تهدئتهم وتذكيرهم برسالة الإسلام وإخوة الإيمان ووحدة المسلمين، وقال لهم: «وأنا بين أظهركم دعوها -أي العصبية- فإنها منتنة»، ففاء الفريقان إلى أنفسهم وتصالحا وتعانقا وتباكيا على ما كان منهم، بسبب كيد شيطان التحريش اليهودي، شاس بن قيس، وأنزل الله عز وجل في ذلك قوله: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّ‌قُوا...} [ آل عمران:103]، لعله يقصد: «معشرَ المُسلِمينَ اللهَ اللهَ أبِدَعْوَى الجاهليةِ وأنا بينَ أظهُرِكُم بعدَ إذْ هدَاكُم ُاللهُ إلى الإسلامِ وأكرمَكُمْ بِهِ وقطَعَ بِهِ عنكُم أمرَ الجاهليةِ واستنقذَكُم به من الكفرِ وألَّفَ به بينَكم ترجِعونَ إلى ما كنتم عليه كفارًا فعرَفَ القومُ أنها نَزَغةٌ من الشيطانِ وكيدٌ من عدوِّهِم لهم فألْقَوُا السلاحَ مِن أيديِهِم وبَكَوْا وعانَقَ الرجالُ بعضُهم بعضًا ثم انصرَفُوا معَ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سامِعِينَ مطيعينَ قد أطْفَأَ اللهُ عنهم كيدَ عدوِّ اللهِ شاسٍ وأنزلَ اللهُ في شأنِ شاسِ بنِ قيسٍ وما صَنَعَ» {قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ واللهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ} [آل عمران:98]، إلى قوله: {...وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [آل عمران:99]، «وأنزَلَ فِي أوسِ بنِ قَيظِيِّ وجُبارِ بنِ صخرٍ ومَن كانَ معهمَا من قومِهِمَا الذين صنَعُوا ما صنعوا»، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الذِينَ أُوتُوا الْكِتَابِ...} [آل عمران:100]، إلى قوله: {...وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:105]، (رويت هذه القصة مختصرة ومطولة من طرق، رواه الشوكاني في فتح القدير، 548/1).

نموذج شاس بن قيس هذا نموذج دائم الحضور في حياة المسلمين، لا يكاد يخلو منه عصر، فهو لازمة من لوازم المدافعة بين الحق الباطل، نموذج المحرّش والمحرض على الفتنة، وشق الصفوف، وبذر الخلاف والشقاق بين الصفوف، وهو يتطور عبر التاريخ، فقديما كانت أداة التحريش والتحريض بين الناس إنشاد الأشعار، والمنافرات والمفاخرات، وكان للشعر سوق رائجة عند العرب، حتى أنه من كان يريد أن يذيع أمرا هاما عبر القبائل كلها، كان يستخدم الشعر في ذلك، وكان الشعر ينتقل بسرعة عجيبة، حتى شك الناس أن الجان كانوا ينقلون هذه الأشعار.

واليوم ومع تطور العلم أصبحت أدوات التحريش والتحريض وإيقاع الفتنة بين الناس أكثر تطورا، وأنكى أثرًا وأشد فتكًا، أصبحت الأدوات فضائيات عابرة للقارات، ووسائل إعلام تفوق الخيال، ومواقع إلكترونية تنقل الخبر من أقصى الأرض لأدناها بكبسة زر، أصبح الإعلام أقوى أدوات التأثير وتوجيه الرأي العام، وتجاوز دوره من نقل الحدث إلى صناعته وتكييفه، وأصبح شاس بن قيس العصري هو الإعلام المصري الذي يمثل أكبر تحدي للثورة المصرية وحكم الرئيس محمد مرسي.

الدكتور مرسي يواجه تحديات كثيرة ومصاعب جمة في إدارة البلاد، مشاكل البلاد من الضخامة بمكان يجعل إدارة البلاد في الظروف العادية وحتى المواتية صعبة جدا، فما بالكم بظروف استثنائية مثل التي تمر بها مصر الآن! من شعب له سقف مطالب وطموحات عال، وأمن مفقود، واقتصاد مترنح، وشباب حائر، وثوار فقدوا بوصلتهم، وبلطجية مأجورين لتخريب الوطن، وقوى سياسية لا تعمل إلا لمصالحها الخاصة ومصالح من يحركها ويمولها، ولا تبالي بمصلحة البلد، وإن احترقت ووقعت بمن فيها، غير ذلك كله خصوم محليين وإقليمين ودوليين يتربصون بالتجربة المصرية الدوائر، يبذلون أقصى جهدهم من أجل إفشال التجربة الوليدة.

كل هذه التحديات كان من الممكن التعامل معها ولو مرحليا، ولكن مع وجود هذا الإعلام التحريضي الذي يمارس حربًا شعواء لا هوادة فيها على التيار الإسلامي كله والرئاسة بالأخص، فإعلام شاس بن قيس يدار بمجلس أعلى سري يجتمع يوميا للتنسيق والترتيب لشكل الهجوم على مؤسسة الرئاسة، مستفيدا من الأخطاء المتكررة من التيار الإسلامي عامة ومؤسسة الرئاسة والإخوان خاصة، ويتبع نفس طريقة مسترقي السمع الذين ورد ذكرهم في الحديث، يلقون على مسامع الناس مائة خبر كاذب، ومعه خبر واحد صادق، فيصدق الناس المائة كذبة، ويستدلون على ذلك بالخبر الوحيد الصادق.

إعلام شاس بن قيس هو أكبر تحدٍ لمصر الثورة، والتجربة الإسلامية الوليدة في مصر، فهو بمثابة الرابطة الجامعة لكل كارهي التيار الإسلامي، فهو لا يكتفي بدور المحرض فقط، بل يقوم بدور المنسق والمرتب والموجه لكل هجوم على مؤسسة الرئاسة والتيار الإسلامي، أصبح منبرا سياسيًا مميزًا لكل منتقد بحق وغير حق للحكم الجديد، والعجيب أن وسائل الإعلام في مصر بعد الثورة قد وقعت كلها بقبضة رجال أعمال دولة مبارك، فأكثر من عشرين قناة فضائية من أشد القنوات عداء للتيار الإسلامي يمتلكها خمسة من أكبر رجال الأعمال في عهد مبارك والذين كانوا أعمدة النظام الأساسية.

إعلام شاس بن قيس لم يكتف بدوره في التحريض ضد التيار الإسلامي، بل انتقل لمرحلة أشد خطورة، وهي مرحلة تفكيك بنية التحالف الإسلامي، وتمزيق أواصر التعاون والإخوة بين أكبر حزبين إسلاميين في مصر بعد الثورة -الحرية والعدالة، النور- فقد استغل إعلام شاس بن قيس الفرصة السانحة في الخلاف الذي حدث بين الجانبين لينفخ في نار الخلاف، ويفتح قنواته وفضائياته للمسئولين في الحزبين، ويستدرج الفريقين لتصريحات أشبه بأشعار يوم بعاث، لتأجيج الخلافات، وإيغار الصدور، وتفتيت الصفوف، حتى أن الدكتور علم الدين الذي اندلع الخلاف بسبب إقالته تم استضافته يوم الإقالة في 9 فضائيات من فضائيات شاس بن قيس دفعة واحدة، ليقوم إعلام شاس بن قيس بعملية تفريغ وجداني للدكتور المتألم من وقع التعامل المهين معه، فاندفع في تصريحات موجعة، ونسي أن هذا الإعلام نفسه قد أهمله طيلة 5 شهور تقريبا، فلم يظهر على شاشاته إلا نادرا، وعلى نفس النسق وعلى خطى ما حدث مع شاس بن قيس الأول والأنصار من الأوس والخزرج، اندفع الشباب المتحمسون من الإخوان والسلفيين في منافرات ومفاخرات ومنابذات مقيتة وأليمة، وأصبحوا من حيث لا يدرون أدوات في يد شاس بن قيس المصري يلعب بهم لخدمة أغراضه.

مؤسسة الرئاسة تأخرت كثيرا في التعامل مع وسائل الإعلام، ولم يستطع الإعلام الإسلامي مجاراة هذه الفضائيات، وخرج الأمر عن الطور، وإذا لم يكن هناك خطة واضحة وعاجلة للتعامل مع هذا الإعلام المسىء، ولو بالشدة والإجراءات الاستثنائية، فيؤسفني أنا أقول أن التجربة الإسلامية لن تستمر كثيرًا، وأن إعلام شاس بن قيس سينتصر في المعركة، وليهنأ وقتها مبارك ولينم قرير العين.


شريف عبد العزيز الزهيري
 

المصدر: صفحة مصر التي في خاطري - إسلامية‏