غياهب الرحلة

منذ 2013-03-19

حال الإنسان في السفر والغربة عند غياب التربية قد يودي إلى الهلاك...


لَئنْ يعيش المرء سليم القلب معافى الوجدان في محيطه كله، لَهُوَ أَوْلَى من أن يحيا حائرَ الذهن شاردَ الفعل، يتقلب بين رمضاء التخبط، وحيرة الفكر، حينما يحل موطنًا أو مكاناً يتاح له فيه العنان فيما يقدم إليه من قول أو عمل، وبعد أن كان يراعي الحال في بلاده، وجد بارقةً من أمل الفسحة تتوق إليها نفسه، ليذيعها وبكل صراحة، بل لنقل بجاحة عن أفعالٍ لم يكن يتخيل صاحبها أن يُقْدِم عليها في دهر من عمره، وبعد أن انفك الطوق عنه، بات يجول بزيف كلامه وفداحة فَعاله بين الخلائق، فلم يراعِ حرمة الدين الذي ينتمي إليه، ولم تطرف له عين عن مكانة بلده، وما تتفيئه بين جنبيها من خير البقاع، وأقدس الأوطان، وبعد أن يُدْلِي بدلوه في وحول الرذيلة، ومستنقع البذاءة المهيلة، يعود لموطنه مُقَطَّب الجبين، عبوسَ الوجه، مُكْفَهِرَّ القسمات، ليُقَيِّدَ الطوق حوله، وليُعِيدَ سيرته الأولى، بعد أن استمات في غيه وهوانه!

هذه ظاهرة تُحَاكُ أحداثها في لحظات معتادة من السنين التي نعيشها، يتحول فيها أناس من بني جلدتنا، عاشوا بين أصقاع هذه البسيطة، وتشربوا أخلاقًا وسلوكيات تشربناها معهم، وحِيَالَ ذلك لم يطيقوا لحظةَ انقلبوا خارج ديارهم حتى انكفئوا عن تلك الأخلاقيات، ليعايشوا مثالب أخلاقيات غيرهم ويحيوا حياتهم، دون إبداء فسحة من الاستقلال للفكر والذات حول جِدِّيَّة تلك السلوكيات ورصانتها، بل وزادوا الطين بلة أنْ نقلوا الصورة غير الصورة، والزيف عن الحقيقة، ففاقوا أقرانهم من أصحاب تلك البقاع، وتحيزت الصدارةُ إليهم، وبات السبق لهم، في شأنٍ السَّبْقُ فيه إثم وندامة، وخزي وملامة.

ولو أحببنا أن نتأمل دواعيَ هذه السلوكيات، لتوقفنا على عدد من الأسباب التي وفرت لهذه الصورة قدرتها على الصمود في الواقع، فمِنْ غيابٍ تربوي فادح لترسيخ هذه السلوكيات، والتي بدت قاعدتها هَشَّةً وهزيلة، لا تُسْعِفُهَا صلابتها أمام هَبَّةِ هواء، إلى غياب الوازع الديني الذي يَخْلُقُ حصانةً إيمانية متينةً وعميقة تنأى بجانب أي نفس عن الضمور والخَوَرِ أمام أي مشهيات، إلى غيابِ الاستعلاء الفكري الإنساني، وتغييب العقل الرصين معه، فلو بَقِيَ منه ذرةٌ من حياة لما انجرف مع أبسط انبثاق!

وأخيرًا:

فإنّ الوعي لدى الإنسان بكافة جوانبه، وتناميه وتوافره في تلك الظروف والأوقات يُجَنِّبه ذلك السقوط في الدرك الذي يقع فيه كثيرون ممن وجدوا في السفر خارجًا ملاذًا للترويح السلبي القاتم، ولانضوت نفسه في غمار المثابرين، القابضين على تلابيب أخلاقهم وعاداتهم، حاملين لواء الصورة الناصعة لدينهم وبلادهم، يحكي القاصي والداني عن فضائلهم، وذلك خير من توارد تلك المثالب.


أحمد العبد القادر