لماذا نخطئ كثيرًا... ؟!

منذ 2013-03-22

إن اللائق بالإنسان العاقل أن يكون في حياته على الصواب لا على الخطأ، وعلى الحق لا على الباطل، ولكن للوقوع في الخطأ أسباب متعددة، ما هي؟؟


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فيعجب الإنسان: لماذا يخطئ الإنسان العاقل؟!

إن اللائق بالإنسان العاقل أن يكون في حياته على الصواب لا على الخطأ، وعلى الحق لا على الباطل، ولكن للوقوع في الخطأ أسباب متعددة.

أولاً: غفلته عن موقعه اللائق به:

فيخطئ الكبير لنسيانه أنه كبير، ويخطئ العالم لنسيانه أنه عالم، ويخطئ الأستاذ لنسيانه أنه أستاذ، ويخطئ الطالب لنسيانه أنه طالب علم، ويخطئ الوالد لنسيانه أنه والد وقدوة لأولاده... وهكذا بقية أفراد المجتمع إلا من رحم الله.

والمخطئ غالبًا يحمِّل المسئولية لغيره، ويرى أن غيره هو المخطئ أو هو الذي تسبب في وقوع الخطأ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يُبْصِرُ أَحَدُكُمُ القَذَاةَ فِي عَيْنِ أَخيه، ويَنْسَى الجِذْعَ فِي عَينه!» [رواه البخاري في الأدب المفرد وابن حبان، وصححه الألباني].

فيرى أحدنا أقل الهفوات التي وقع فيها أخوه، ثم هو عنده مِن العيب كأصول النخل وأصول الشجر، لكنه لا يذكرها، فينسى ما عنده من عظائم ومِن بلايا، ويذكر هفوات أخيه! وكذلك أهل البدع ينظرون في فقهاء الملة وعلماء الشريعة إلى أقل الأخطاء، وينسون أنهم مخالفون لأصول الدين وأصول الشريعة!

ثانيًا: الوقوع في أسر الشهوات والشبهات:

وفتنة الشبهات أخطر وأشد من فتنة الشهوات؛ ففتنة الشهوات عن طريق الفساد العظيم المنتشر، وخصوصًا استعمال المرأة كوسيلة من الوسائل في إفساد الشباب، ويسمونها: "بنت الليل"، فيأتون بها في الأفلام لفعل الفواحش، ويأتون بها راقصة، ويأتون بها ممثلة في الدعاية؛ ولهذا أصبحت صور النساء اليوم لا يكاد يخلو منها بيت مع الأسف.

والإنسان الذي يريد أن يحافظ على دينه ويكون بعيدًا عن مثل هذه الصور، ربما تدخل عليه رغمًا عنه، فربما تكون في كيس من الأكياس التي يأخذها من السوبر ماركت أو صيدلية من الصيدليات، أو تكون على غلاف علاج من العلاجات الضرورية التي يستعملها، حتى أصبح الإنسان يجد عناءً في شراء حاجياته الأساسية التي يريد أن يشتريها بعيدًا عن المحظورات الشرعية!

وأما فتنة الشبهات فقد انتشرت المذاهب الإلحادية والعقائد الفاسدة والفرق الضالة، والمذاهب الفكرية المنحرفة، والبدع المستحدثة، وإذا جثمت على المجتمع فتنة الشبهات مع فتنة الشهوات؛ فقد شقي وضل عن سواء السبيل.

وأما عن الأهواء... فقد قال الله تعالى: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص: 26]. فحصر الحكم في أمرين لا ثالث لهما عنده، وهو: "الحق والهوى".

وقال: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} [الكهف: 28]، فجعل الأمر محصورًا بين أمرين: "اتباع الذكر، واتباع الهوى". وقال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} [القصص: 50].

ثالثًا: التأثر بالبيئة المحيطة، وبالصحبة والمجتمع:

وهنا يُخطئ أو يضل بضلالهم، ومِن هنا تظهر خطورة الصحبة التي تتأثر فيها شخصية بشخصية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  «الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ» [رواه الترمذي، وحسنه الألباني]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِنًا، وَلا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيٌّ» [رواه أبو داود والترمذي، وحسنه الألباني]، وقال الله تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً . يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلاً . لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً} [الفرقان: 27-29].

رابعًا: عدم إدراكه لحقيقة الأمور وعدم التفريق بيْن الحق والباطل:

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الأنفال:29].

والمراد بالفرقان: ما يفرِّق به المرء بين الحق والباطل، وبين الخير والشر. وقيل: يجعل لكم مخرجًا ونجاة. فلا بد مِن تقوى الله حتى نستطيع أن ندرك حقيقة الأمور ولا تلتبس علينا.

خامسًا: عدم قبول النصيحة:

إياك أن تأخذك العزة بالإثم، وأن تستنكف وتستكبر عن قبول النصيحة.

قال ابن القيم رحمه الله: "أركَانَ الكفر أربعة: الكبر والحسد والغضب والشهوة، فالكبر يمنعه الانقياد، والحسد يمنعه قبول النصيحة وبذلها، والغضب يمنعه العدل، والشهوة تمنعه التفرغ للعبادة? ".

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَبْغَضُ الْكَلاَمِ إِلىَ اللهِ عَزَّ وَجَلّ: أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ اتَّقِ الله، فَيَقُول: عَلَيْكَ بِنَفْسِك» [رواه ابن منده في التوحيد والبيهقي في الشعب، وصححه الألباني].

ومِن حرص السلف على النصيحة اتخاذ عمر بن عبد العزيز رحمه الله مجلس الشورى: فعندما تولى إمارة المدينة اتخذ عمر بن عبد العزيز مجلس شورى من عشرة من كبار فقهاء المدينة فلم يقطع أمرًا دونهم، بل كان دائمًا يطلب منهم النصح والمشورة، وهذا دليل على خشيته لله تعالى، وحرصه على قبول النصيحة في جنب الله تعالى بلا جدال ولا تعالٍ.

سادسًا: أن يقع الإنسان في الخطأ عفوًا من غير قصد:

وقد ثبت في الحديث: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» [رواه ابن ماجه والبيهقي، وصححه الألباني].

والغرض المقصود:

أن الحريص على الحق والصواب مَن تنبه إلى هذه الأسباب وابتعد عنها، وليعلم الإنسان أنه ليس إنسانًا بجسمه وصورته، وثيابه ومظهره? لا، ولكن بخلقته وخلقه معًا؛ أما الجسم وحده فلا يكفي دليلاً على إنسانية الإنسان بدليل أنك قد ترى حيوانًا في صورة إنسان، ولكنه فقد المقومات الأساسية للإنسان.

ومن أهم المقومات العلم.

وقد سئل ابن المبارك رحمه الله: مَنِ النَّاسُ؟ فَقَالَ: "الْعُلَمَاءُ".

قَالَ: مِنِ الْمُلُوكُ؟ قَالَ: "الزُّهَّادُ".

قَالَ: فَمَنِ السَّفَلَةُ؟ قَالَ: "الَّذِي يَأْكُلُ بِدِينِهِ".

فلم يجعل غير العالم من الناس؛ لأن الخاصية التي يتميز بها الناس عن البهائم هي: "صفة العلم"؛ فالإنسان إنسان ليس بقوة شخصه فإن الجمل أقوى منه، والفيل أعظم منه. ولا بشجاعته فإن السبع أشجع منه. ولا بأكله فإن الثور أوسع بطنًا منه. بل بالعلم والتفكر والأخلاق الفاضلة.

وصدق مَن قال:
 

يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته *** وتطلب الربح مما فيه خسـران
عليك بالنفس فاستكمل فضائـلها *** فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان


فعلينا بعد أن رأينا وأيقنا أننا ربما أخطأنا كثيرًا في الفترة السابقة، وقد ظهر ذلك جليًّا في نتائج انتخابات الرئاسة، فإن الجماهير المؤيدة للتيار الإسلامي انخفضت إلى النصف تقريبًا.

وقد قال شيخنا المبارك د."ياسر برهامي" حفظه الله: ?لا بد أن نبحث عن الأخطاء التي وقع فيها أبناء التيار الإسلامي في الفترة السابقة? ".

نعم، هناك أخطاء فردية وجماعية وحزبية مِن الكبير والصغير معًا، ولكن العاقل مَن يتعلم مِن خطئه، ولا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين؛ فلا بد من عمل دراسة تربوية للبحث عن مواطن الخلل، وما هي سبل العلاج؟

عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ» [رواه أحمد والترمذي، وحسنه الألباني].

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


زين العابدين كامل - 29 شعبان 1433هـ/ 18 يوليو 2012