جميل غازي ولفظ الصوفية.. حوار مع التوعية الإسلامية
بين الحديث السابق، وهذا الحديث عام كامل!، في موسم الحج
الذي أعقب آخر حديث -جاء رئيس التحرير الجديد، وجاء بأسئلة جديدة،
وحاصر الدكتور محمد جميل غازي، وكان هذا الحوار المفتوح الذي حذفنا
منه بالقدر الذي تبيحه مقتضيات العرض.. غير أن الكلام عن الصوفية وهو
الهدف من هذا الكتاب كله.. تركناه كما هو.
ليس فقط تعميقًا وتأصيلًا للفكرة.. فكرة كشف الأستار عن هذه الفرقة
التي فعلت بالإسلام وبعقائده ما فعلت.. وما زالوا وسوف يظلون المنطقة
المتأنية التي تجذب المسلمين.. وكأنها الرمال الناعمة تبتلع الناس
وتدفنهم دون أن يشعروا.. بل إنهم أشد خطرًا وأبعد أثرًا.. وهيا معًا
إلى الحوار المفتوح:
بنفس طريقة الإجابة السريعة: ما هي كتبكم ومؤلفاتكم؟
وضعت كتبًا في التفسير، والفقه، والحديث، والأدب، والاجتماع.. ليس هنا
مكان تحديدها أو عناوينها.. ومع ذلك فليست الكتب هي كل سبيلي إلى
الدعوة.. إنما اعتزازي الكامل بالمحاضرات التي ألقيها أسبوعيًا في
"مسجد العزيز بالله" يوم الجمعة، وبالمركز الرئيسي "لجماعة أنصار
السنة" والمركز الرئيس لجمعية "مجد الإسلام" وأماكن أخرى أدعى إليها
دائمًا في داخل القاهرة وخارجها.
متى عرفتم دعوة التوحيد؟ وعرفتكم الدعوة؟
كنت في المرحلة الابتدائية في الأزهر.. ووقع في يدي كتاب "زعماء
الإصلاح في العصر الحديث" للأستاذ أحمد أمين، وقد كتب عن الإمام الشيخ
محمد بن عبد الوهاب في أول الكتاب ترجمة طيبة.. شدتني لا سيما وإنني
لم أكن قد عرفت عن الإمام إلا ما يشوه سيرته، ويسيء إليه من أعدائه
والحاقدين عليه.. بعد هذه الترجمة.. صححت كثيرًا من الأفكار المغلوطة
عن هذا الرجل الإمام.. والحق أني حاولت بعد ذلك الحصول على كتب في هذا
المضمار.. لكن كانت هذه الكتب الخاصة بالتوحيد، والإمام.. نادرة
الوجود إن لم تكن منعدمة لأكثر من سبب.
إلى أن حدث الذي ما زلت أذكره.. وكأن عهدي به أمس إذا سمعت ضجة،
ومعركة بين زملائي الطلاب، وأحدهم كان يمسك بمجموعة من الكتب.. الطلبة
يريدون الاعتداء عليه وهو متلبس بجريمة حيازة كتب لمحمد بن عبد
الوهاب.. احتكموا إلى قضية بينهم حسما للنزاع أن أشتري الكتب.. وقبلوا
الحل، وكانت فرصتي لقراءة الشيخ من خلال ما كتبه هو.. لا ما كتب
عنه.
ماذا رأيتم في جولاتكم في البلاد الإسلامية من أمر الدعوة؟
وجدت أن دعوة التوحيد مقبولة لدى العقلاء.. مرفوضة لدى بعض الجماهير..
لأن الجماهير تصدر أحكامها من منطلق العواطف الفجة غير المدروسة،
والمتأثرة بنفوذ أصحاب المصالح، والتقاليد المتوارثة، وتحكمات الهوى،
والبيئة.
وكيف كنتم تواجهون فضيلتكم هذا الجمود؟
علمنا القرآن الكريم أسلوب الدعوة؛ فلابد من مواجهة العقل بالعقل،
والعاطفة بالعاطفة.. فمن "سيكولوجية" الدعوة أن تتوافق مع مستويات
الجماهير حتى تكون نافعة ومؤثرة، ويصلح الأسلوب الأول -العقلي- في
المناقشات الهادئة التي تدور في ندوات مغلقة.. محدودة العدد.. أما
الأسلوب الثاني فهو للجماهير الواسعة في المحاضرات ونحوها.
ما هي أنماط المضايقات التي تلقونها ولقيتموها؟
إنه نمط واحد.. لا يتغير في كل مكان.. إنهم أصحاب المصلحة في أن تعيش
الجماهير في الضلالة، وهم يدافعون عن بقائهم وبقاء مصالحهم بضراوة..
أحدهم يعمل قيمًا على صندوق نذور جده، وهو في نفس الوقت يشغل وظيفة
هامة في المجتمع.. وتعلم في أرقى الجامعات.. ولما كانت كل أسرته تتكسب
من "المولد" الذي يقام لجده، ومن صندوق النذور فقد أرسل يهددني
بالقتل.. إذا واصلت هجومي على الضلالة، والخرافة.. ولكنه لم ينفذ
تهديده.. لأنني مازلت حيًا كما ترى.
هل تتفضل فضيلتكم بذكر أنماط أخرى؟
الأنماط كثيرة ووقتي ووقتك ضيق.. وهي معروفة لدى الدعاة جميعًا، ولا
نريد أن نمن على الله بعمل.. فإن الله له المنة والنعمة، والطول،
والإحسان، ويكفي أننا أصحاء مرزوقون سعداء، ولم يجر علينا ما جرى على
الدعاة السابقين، الذين قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن
الرجل فيهم كان يوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق إلى نصفين.. فما يرده
ذلك عن دينه" أين نحن من هؤلاء؟
ما هو العدو الحقيقي في نظرك لدعوة التوحيد؟
مرة أخرى أقول: إن الأعداء كثيرون في الخارج والداخل أي من داخل حدود
العمل الإسلامي، ومن خارج حدوده.. وفي رأيي أن العدو الداخلي أخطر من
العدو الخارجي؛ ذلك لأن العدو الداخلي يحارب الإسلام وهو يقول صدقًا..
أما العدو الخارجي فهو يحاربه وهو يقول كذبًا.. فالأول منافق، والثاني
كافر.. والنفاق شر من الكفر ولذلك كانت عقوبة الله للمنافقين الدرك
الأسفل من النار.
تفضلوا فضيلتكم بإيضاح الإجابة السابقة وتفسيرها للقراء؟
يكاد العدو الخارجي يكون محددًا في الثالوث الحقير المعروف: الشيوعية
العالمية، والصهيونية العالمية، والصليبية العالمية، أما الداخلي فهم
أدعياء التصوف ودعاته، وشيوخ الفرق الإسلامية المتنابذة والمتخاصمة،
والتي ما قامت إلا لأهداف مادية، ومناصب دنيوية.
ما قولكم في أن هذه الفرق، وعلى رأسها الفرق والطوائف الصوفية تدعي
أنها تدعو إلى الله والإسلام؟
ألست معي أن كل دعوى في حاجة إلى دليل، فما هو الدليل الذي تقدمه كل
هذه الطوائف لتثبت أن ما هي عليه هو الحق الذي لا شك فيه؟.. وإذا
سلمنا جدلًا أن كل طائفة أثبتت أنها على الحق.. حينئذ يكون للحق ألف
طريق مع أن الله سبحانه وتعالى يبين أن طريق الحق واحد في قوله: {
وَأَنَّ
هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ
السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } [الأنعام: 153].
وكلهم يقولون أنهم ملتمسون من رسول الله، وأن كل الطرق تؤدي إلى
الله.. فكيف يدخل عقل عاقل أن رسول الله وضع المناهج لطرائق الرفاعية،
والأحمدية، والبيومية، والسماكية، والنقشبندية، والسيوفية والبرهانية
بالنون، والبرهامية بالميم..؟ وكيف يمكن أن تكون هذه الطرق مؤدية إلى
الله؟ وأين هي إذًا الطرق التي لا تؤدي إلى الله، والتي قال عنها
سبحانه وتعالى: { وَلاَ تَتَّبِعُواْ
السُّبُلَ }؟
فضيلة الدكتور.. ألا يمكن أن يكون اختلافهم عن نيات حسنة.. وزيادة في
اجتهاداتهم من أجل الدين؟
ما أضر المسيرة الدينية في ماضيها وحاضرها.. إلا أصحاب النوايا الطيبة
الذين بعدوا بنواياهم عن العمل الطيب.. والله يقول: { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ
أَعْمَالًا، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا } [الكهف:
103، 104] إننا نريد نوايا طيبة، ومعها أعمال طيبة كذلك، ولكي يكون
العمل طيبًا صوابًا لابد أن يكون صاحبه ملتزمًا بما صح عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم. ثم ما هذا الاجتهاد الذي تتحدث عنه، وقد اتفق
جماهير السلف رضوان الله عليهم على أنه لا اجتهاد مع النص.. وإبليس ما
كفر إلا لأنه اجتهد مع النص؛ حيث قال الله له وللملائكة: { اسْجُدُوا لآدَمَ } [البقرة: 34] وهذا
نص.. فقال إبليس عليه لعنة الله: { أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ
وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } [الأعراف: 12] وهذا اجتهاد واجتهاد
باطل.
إن كل الطرق التي عددتها فضيلتكم.. هي الطرق الصوفية؟ وتلك كما يقول
أصحابها قمة الإسلام أو الإحسان أو التقوى.. فما قولكم؟
أما أن كل هذه الطرق شيء واحد.. فهذا أمر لا يقره الصوفية أنفسهم
بدليل أنهم هم الذين سموها طرقًا، والطرق: جمع طريق - كما هو معروف-
.. ثم ما هي هذه الصوفية التي تتحدث عنها وتقول إنها قمة الإسلام أو
التقوى أو الإحسان؟ وهل تتصور أن يسكت القرآن وأن يسكت رسول الله عن
قمة الإسلام هذه فلا يتحدث عنها ولو مرة واحدة؟.. فهل ورد في القرآن
الكريم كله لفظ صوفية؟ أوفي الحديث النبوية ما يفيد ذلك؟ أو هل جرى
هذا اللفظ على لسان أحد من الصحابة أو التابعين رضوان الله
عليهم؟
إذًا لماذا يشيعون أن لفظ الصوفية مرادف للفظ التقوى أو
الإحسان؟
سبحان الله!!.. ما قرأنا في قواميس اللغة على كثرتها وضخامتها أن من
مرادفات تقوى صوفية.. وهب أن الأمر كذلك، فهل يصح لإنسان أن يقول: أنا
صوفي بمعنى: أنا تقي؟.. وهل يصح لمجموعة من البشر أن يقولوا: نحن
صوفية.. بمعنى نحن أتقياء.. مع أن الله تعالى يقول: { فَلاَ تُزَكُّوا أَنفُسَكُم هُوَ أَعْلَمُ
بِمَنِ اتَّقَى } [النجم: 32]، وعلى ذكر القواميس اللغوية..
فإنني أقول لك: إن لفظ صوفية كمصدر صناعي لم يرد إطلاقًا لأي معنى من
المعاني التي يريدها الصوفية، وإنما هو لفظ وثني قديم معناه
الحكمة.
لكن إذا سمحتم لنا فنحن نقول: إن هذه شكليات لا ينبغي أن تكون أساسًا
للفصل في قضية موضوعية هامة كهذه؟
الذي أريد أن أحدده هو أن الصوفية ليس لها سوى احتمالات عقلية أربعة:
إما أن تكون هي الإسلام أو غيره، أو زيادة عليه أو نقصًا منه.. فإذا
كانت الأولى فالله سمانا المسلمين، وليس المتصوفين، وإذا كانت الثانية
فنكون قد رفضنا الإسلام الذي ارتضاه الله لعباده، وإذا كانت الثالثة
والرابعة فليس من حق أي إنسان كائناُ من كان أن يتصرف في الإسلام
وشرائعه زيادة أو نقصًا أو إضافة أو حذفًا.
الشيوعية أقدم من ماركس:
بلا أسئلة وبلا أجوبة.. راح الدكتور يتحدث فيما أحاول أن ألخصه حرصًا
على وقت القارئ.. قال: إن هجوم الثالوث الحقير المكون من الصليبية،
والصهيونية والشيوعية أيضًا لم يبدأ من هذا العصر، وإنما بدأ ورسول
الله صلى الله عليه وسلم حي يرزق، وإذا قلت إن الشيوعية عصرية.. أقول
لك إن التسمية فقط هي العصرية، أما أهدافها فقد كانت في جماعات
"المانوية"، "المزدكية"، وتلك جماعات معروفة في التاريخ.
حرب الشيوعية، والتبشير الصليبي، والتضليل الصهيوني، لا يمكن أن يكون
بالخطب بل ينبغي أن ندرس مساربها إلى صفوف المسلمين، وأن نسد الثغرات
التي تنفذ منها هذه الأوبئة.
وذلك لا يكون إلا بالعودة إلى الإسلام الصحيح والعدالة الاجتماعية
المنبثقة منه وحده!
محمد جميل غازي
مؤسس المركز الإسلامي لدعاة التوحيد والسنة
- التصنيف: