الإسلام دين الجمال

منذ 2013-04-10

أقرَّ دينُ الإسلام ما تتطلَّبُه الفطرةُ البشريّة من سرورٍ وفرَح ولعبٍ ومرَح ومزاح ومداعَبَة وأشواقٍ وجمال، محاطٌ ذلك بسياجٍ من أدَب الإسلام رفيع يبلُغ بالمتعةِ كمالَها وبالمرَحِ غايتَه، بَعيدًا عن الخَنا والحرام والظّلمِ والعدوانِ والغِلِّ وإيغار الصّدور وهدم المبادئ والأخلاق.


الإسلام دين الفطر جاء صالحًا لكل زمان ومكان، فهو دين عقيدةٍ وشريعة وتهذيبٍ وسُلوك وحقٍّ وجمال، يعالج شؤونَ الحياة كلَّها، ومن أجلِ هذا فلم يكن الإسلام ليتغاضَى عن نوازعِ النّفس البشريّة وما جُبِلت عليه من الإقبالِ والإدبار والجِدِّ والنّصَب والنشاطِ والسآمة والانشراح والكآبة، فقد خلَق الله الناسَ ووضَع فيهم ما وضَع مِنَ الخصائص والطبائع، وبثَّ في الحياة والكونِ ما بثَّ وسخَّر ذلك كلَّه للبشر، وقد علِمَ سبحانه أنهم بشَرٌ لهم أشواقُهم القلبيّة وحظوظُهم النفسيّة وطبائعهم الإنسانيّة، فلم تأتِ التكاليفُ والتّشريعات لتجعَلَ كلَّ كلامِهم ذكرًا وكلَّ صمتِهم فِكرًا وكلَّ تأمُّلاتِهم عِبَرًا وكلَّ فَراغهم عبادة، لكنّه مكَّنَهم ليجعَلوا بنيَّةِ القربى وصحيحِ العمل كلَّ أعمالهم ذِكرًا وفِكرًا وعبادة وعِبرًا.

لذا فقد أقرَّ دينُ الإسلام ما تتطلَّبُه الفطرةُ البشريّة من سرورٍ وفرَح ولعبٍ ومرَح ومزاح ومداعَبَة وأشواقٍ وجمال، محاطٌ ذلك بسياجٍ من أدَب الإسلام رفيع يبلُغ بالمتعةِ كمالَها وبالمرَحِ غايتَه، بَعيدًا عن الخَنا والحرام والظّلمِ والعدوانِ والغِلِّ وإيغار الصّدور وهدم المبادئ والأخلاق.

فهو دين لم يعادِ الجمال بل سما به، فكل شيء جميل طالما أنه محاط بسياج الشرع الحكيم، والجمال في الأشياء من نعم الله تعالى علينا، ولقد ذكرنا سبحانه ببعض سبحات الجمال في مخلوقاته الكونية التي سخرها لنا ومنها خلق النبات والحدائق المبهجة، واقرؤوا قولَه سبحانه: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ} [النمل:60]، وقوله سبحانه: {انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ} [الأنعام:99]، وقوله: {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} [ق:10].

وكذا الجمال في خلق الحيوان، قال تعالى: {وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ . وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ . وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ . وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [النحل:5-8]، وقال: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ . وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ . وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ . وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية:17-20].

وفي خلق السماء بما فيها من نجوم وكواكب، قال سبحانه: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ} [الحجر:16]، وقال: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} [ق:6].

ثم أمر اللهُ سبحانه المسلمَ أن يكون جميلًا وأن يكون شامة وعلامة في الناس، ولا سيما يزداد جماله في مواطن العبادة، قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [ الأعراف: 31].

عَن عَلْقَمَةَ، عَن عَبْداللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرّةٍ مِنْ كِبْرٍ، وَلاَ يَدْخُلُ النَّارَ، يَعْنِى، مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ»، قَالَ: فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: إِنَّهُ يُعْجِبُنِي أَنْ يَكُونَ ثَوْبِي حَسَنًا، وَنَعْلِي حَسَنَةً؟ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْجَمَالَ، وَلَكِنَّ الْكِبْرَ مَنْ بَطَرَ الْحَقَّ، وَغَمَصَ النَّاسَ» (أخرجه أحمد 1/412: 3913, ومسلم 1/65: 179).

يقول الإمام أبو محمّد بن حَزم رحمه الله: "طالِبُ الخَير والآخرة متشبِّهٌ بالملائكة، وطالب الشرّ متشبِّه بالشياطين، وطالِب الصّيتِ والغَلَبة متشبِّه بالسِّباع، وطالِب اللّذّات متشبّه بالبهائِم، وطالِب المال لغير مصلحةٍ ومنفعَة أقلُّ مِن أن يكونَ له في شيءٍ من الحيوانِ شبَه، بل يشبِه الماءَ الذي في الكهوف الوعِرَة لا ينتفِعُ به شيءٌ من الحيوان".


قال: "فالعاقلُ مَن لا يغتَبِط بصفةٍ يفوقه فيها سبُع أو بهيمةٌ أو جماد، فمن سُرَّ في شَجاعَتِه فليعلَم أنَّ الذئبَ والنمر أجرَأ منه، ومن سُرّ بقوّةِ جِسمه فليعلم أن الجملَ أقوى منه، ومن سُرّ بحَمل الأثقال فليعلَم أنّ الفيلَ أحمل منه، ومَن سُرَّ بسرعَة عَدوِه فليعلم أنّ الخيلَ أسرع منه، ومن سرّ بحُسن صوتِه فليعلَم أنّ كثيرًا من الطيور وأصوات أخشابِ المزاميرِ ألذُّ وأطرَب منه، فأيُّ فخرٍ وأيّ سرورٍ فيما تَكون فيه هذه البهائمُ والجمادات متقدِّمةً عليه، أمّا من قوِيَ تمييزُه واتَّسع عِلمه وحسُن عملُه فليغتَبِط بذلك؛ فإنّه لا تقدَّمه في ذلك إلاّ من كان أعلى همّةً وأكثر عملاً من خِيار النّاس". (انظر: رسائل ابن حزم: 340).

والجمال في الإسلام يشمل جميع مناحي الحياة حتى ما يظن أنه ابتلاء وثقيل على النفس كالصبر على المصائب وهجر الخصوم، والصفح على من أساء، وحتى طلاق الرجل لزوجته، قال تعالى: {فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا} [المعارج:5]، وقال: وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ {وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} [المزمل:10]، وقال: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} [الحجر:85]، وقال: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} [الأحزاب:49].

يقول الأستاذ صالح أحمد الشامي: "ألم تكن دروس الصّحابة الأولى أنّهم تعلّموا كيف يكون الصبرُ جميلاً، وكيف يكون الهجر جميلاً، وكيف يكون الصّفح جميلاً؟"


(راجع: الظاهرة الجمالية في الإسلام: صالح أحمد الشامي: ص7)

قال الشاعر:


لَيْسَ الجَمالُ بِمِئْزَرٍ *** فاعْلَمْ، وإِنْ رُدِّيتَ بُرْدَا
إِنَّ الجَمالَ مَعادِنٌ *** ومَناقِبٌ أَوْرَثْنَ مَجْدَا

 

بدر عبد الحميد هميسه