يا قدس يا محراب يا مسجد
يا قدس يا محراب يا مسجد طال مدى الظلم وامتدت سنوات الأسر، وظلت جحافل الظلام تلفك لسنين طوال وأنت ما زلت أنت، محرابا ومسجدا، وقنديل هداية، ومعراج شهادة، ووردًا لكل ظامىء للمجد ساعٍ إليه، وما ذاك إلّا لأنّك أنت القدس، معراج الأنبياء، ومنارة الأديان، ومهد الحضارة، وائتلاق السماحة، وعهدة عمر الفاروق، وأمانة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبشارته بعودة العدل والندى والرحمة والخلافة الراشدة إلى الأرض على ترابك، وفي أكنافك، لتملأ الأرض عدلا كما ملئت جورًا..
يا قدس يا محراب يا مسجد طال مدى الظلم وامتدت سنوات الأسر، وظلت جحافل الظلام تلفك لسنين طوال وأنت ما زلت أنت، محرابا ومسجدا، وقنديل هداية، ومعراج شهادة، ووردًا لكل ظامىء للمجد ساعٍ إليه، وما ذاك إلّا لأنّك أنت القدس، معراج الأنبياء، ومنارة الأديان، ومهد الحضارة، وائتلاق السماحة، وعهدة عمر الفاروق، وأمانة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبشارته بعودة العدل والندى والرحمة والخلافة الراشدة إلى الأرض على ترابك، وفي أكنافك، لتملأ الأرض عدلا كما ملئت جورًا..
وأي جور يا قدس فوق ما نحن فيه؟ وأية هزيمة أكبر من أن تظلي أسيرة شرذمة من شرار الناس دينهم البوائق، ونهجهم القتل، وحصنهم أعداء الأمة المحمدية في كل بقاع الأرض؟ وأية ذلة ترهق كاهل الأمة أعظم مما ابتلينا به من الرهق والخنوع والمسالمة مع اليهود، الذين استباحوا حماكي، وشردوا بنيكي، وسيّروا التاريخ في مدارهم بالتزوير والسرقة والبهتان؟ أليسوا قوم بهت؟ من غضب الله عليهم ولعنهم، ونحن ما زلنا نتساءل: هل أنت في صميم تاريخنا؟! وهل القدس بندًا في عقيدتنا؟! وهل تحريرك فرض في أعناق أبناء الأمة الإسلامية؟! بلى والله لأنت في القلوب عقيدة، ولمسجدك في كتاب الله قبلة ومسرى، ولأرضك في كتاب الله مهبط البركة إلى يوم القيامة.
يا قدس أعيانا الرحيل والانهزام، هلّا قبلت الاعتذار؟ هلّا نظرت إلى الجموع على حدود النهر تهتف باسمك وباسم مسجدك المبارك؟ بالروح بالدم بالأحباب بالمهج العزيزة نفتديك، يا أول القبلتين يا ثالث الحرمين، يا منبر صلاح الدين بعد الحرق جددناك، بعد سنين غربتنا وسهوتنا رجعنا، قرآن ربنا يهيب بنا ويبشرنا بخزي يهود، وتتبير ما صنعوا {وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا} [الإسراء:7]، نحن والوعد الرباني على موعد مع الفجر، مع التكبير، مع العودة إلى الله، مع استلهام دروس التاريخ العصي على الزوال، باستقراء السنن الربانية، بمراجعة توجيهات علماءنا الأبرار، ولنصغ إلى (محمد إقبال) وهو يقف في المؤتمر الإسلامي الأول، وقد أحس علماء الأمة المجاهدون بخطر اليهود، وتوطئة الإنجليز لهم، وتخوفوا قبل عقود مما يحدث اليوم، فعقدوا هذا المؤتمر الذي ضم كبار دعاة الأمة وبركتها من أهل الجهاد والأدب والفقه فيقول: "على كل مسلم عندما يولد ويسمع كلمة لا إله إلا الله أن يقطع على نفسه العهد أن ينقذ الأقصى".
لقد أدرك المخلصون من رجال الأمة ومفكريها بالخطر اليهودي مبكرًا، ولفتوا أنظار العالم إليه، وسعوا إلى إجهاض المخطط الصهيوني في مهده، ولكن الاستعمار المتغلغل في جسد الأمة في تلك الفترة وما تبعها من مراحل حروب التحرر، وخروج الأمة من معاركها منهكة متشرذمة، مبتلاة بالضعف والتقسيم، جعل الأحداث والمحن تتوالى على الامة عامة، وعلى فلسطين والقدس بصفة خاصّة، فحلت بنا مصيبة الاحتلال الصهيوني، دون أن نعي درس المؤتمر الأول، ودون أن نأخذ حذرنا من عدونا، فأمسينا وقد ضعنا وضيّعنا الأقصى، منبر عزتنا، وملهم نهضتنا، ومسرى نبينا صلى الله عليه وسلم ومحرابه الذي أمّ به الأنبياء عليهم صلوات الله، وبدأنا رحلة البحث عن سبيل التحرير والعودة، والتطهير لهذه البقعة المباركة من أهل الرجس، وغدونا نركض خلف كل صوت، ونسري وراء كل سراب، وتخبطنا ما فيه الكفاية، وتنكبنا جادة الصواب مرات ومرات..
ولكن! هيهات هيهات لأمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تموت فيها روح الجهاد ما دامت سورة الإسراء تتلى آناء الليل وأطراف النهار، وها نحن ننهض من جديد، في كل يوم في رباك على ثراك لنا شهيد، علماؤنا، شهداءنا، خطباءنا، أطفالنا ونساؤنا يستنطقون المجد والتاريخ، يذكّرون بني يهود بيوم خيبر أو قريظة، وما قريظة بالبعيد.
يا قدس يا محراب يا مسجد، ظلّ شاعر الأقصى يناديك حتى لقي ربه مرضيا إن شاء الله، وما زال صدى صوته يدوي شعرًا، يؤكد أنك عقيدة في القلوب وقصيدة في المحافل وخطبة عصماء على المنابر، وغدًا تسير إليك الجموع الصامدة الآملة بقرب الفرج الرباني لتقول للطاغوت لا، لن يهدم الأقصى، ولن يحرق المنبر مرة أخرى، ولن تهزم الأمة مرة أخرى بإذن الله، فغزة دفعت ثمن العزة، وكتاب الله وعدنا بالنصر، ورسولنا الصادق المصدوق بشرنا بالفتح والتمكين، وأمته ماضية للأخذ بشروط النصر، ولن يخذلها ربها بإذن الله يا قدس موعدنا قريب، فالنصر يؤذن فجره بالانبلاج، حتى وإن ألقت عليك قرون ضعفنا بظلالها، فلم تغب شمسنا بعد، وأمة الإسلام في أجيالها القادمة ألف (صلاح، وخالد، وأسامة)، وفي صفوفها آلاف الأمناء مثل: (أبي عبيدة)، وقصائد الأمل المرجو ما زالت تناديكي: أيا قدس موعدنا ضفاف النهر، فارتقبي مسار النهر، حين تخضرّ المواسم، وتصير كل صخوره وغصونه جندًا تنادي: (يا مسلم يا عبد الله) حينها يا قدس نهرع نحو مسجدك المبارك، نحو منبرك المبارك، نصغي إلى العهدة العمرية، وتتردد في أسماعنا خطبة القاضي الفاضل، يوم حررك صلاح الدين، تعبق في سماءك رائحة ماء الورد الذي غسلك به الناصر الميمون، ونطوف في أرجاءك الطاهرة نوصل إليك باقات النشيد التي طرّز بها شاعر الأقصى دواوينه، وصارت نشيدًا في أفواه الأجيال: (يا قدس، يا محراب، يا مسجد).
ولأجل أقصانا الحزين، تهون كل الغاليات، فداء أول قبلة في الإسلام، كيف يبيع المرء قبلته ومسجده الذي إليه يؤمر أن يشد إليه رحاله، وأن يضيء قناديله، وأن يتلوا ما أنزل من كتاب الله في أفضليته وبركته «فإن لم تستطيعوا الصلاة فيه فأبعثوا بزيت يضاء في قناديله» (ضعيف أبي داود:457، وضعفه الألباني).
رقية القضاة
كاتبة إسلامية وباحثة أردنية
- التصنيف: