الدعاء هو العبادة
دمرت عاصفة السفينة واستطاع اثنين فقط من الرجال السباحة إلى الجزيرة، كان الرجلين أصدقاء مقربين، وكانا لا يعرفان ماذا يفعلان، واتفقا أن ليس لديهما سوى اللجوء والصلاة إلى الله، ولمعرفة أي منهما صلاته ستتقبل أكثر اتفقا على تقسيم الجزيرة بينهما، وكان أول ما صليا من أجله كان الغذاء.
في صباح اليوم التالي، شاهد أول رجل شجرة مثمرة في النصف الخاص به، وظل الآخر أرضه قاحلة وقد مرّ أسبوع، وقد شعر الأول بالوحدة، وقرر أن يصلي لزوجه، في اليوم التالي تم تدمير سفينة أخرى، والناجي الوحيد كان امرأة سبحت إلى جانبه من الأرض، وعلى الجانب الآخر من الجزيرة، لم يكن هناك شيء، ثم صلى أول رجل للمنزل والملابس والمزيد من الغذاء، في اليوم التالي، كان لا يزال لا يملك شيئًا.
وأخيرًا صلى الرجل الأول للسفينة، حتى يتمكن هو وزوجته من ترك الجزيرة، في الصباح وجد سفينة رست في جانبه من الجزيرة... صعد الرجل الأول السفينة مع زوجته وقرر ترك الرجل الثاني في الجزيرة؛ لأنه اعتبر الرجل الآخر لا يستحق الحصول على بركة الله لأن صلواته لم تستجب.
ولما كانت السفينة على وشك المغادرة، نادى الرجل صوت من السماء: "لماذا تركت صاحبك في الجزيرة؟"، أجاب الرجل الأول: أنا الأحق ببركة الله حيث كان يستجيب دعواتي فقط، ولم يجب دعواته.
فوبخه الصوت: "أنت مخطئ!" كان لديه دعاء واحد بدونه لم تكن تستحق ما أنعم الله به عليك، فقال: "قل لي" ـ يسأل الرجل الأول الصوت ـ "ما هذا الدعاء الذي جعلني مدين له به؟
فأجابه الصوت: " كان دعاؤه الوحيد أن يستجيب الله دعائك".
فلنعلم أن ما أنعم الله به علينا قد لا يكون ثمار صلواتنا وحدها، ولكن قد تكون ثمرة دعاء إخواننا لنا فعليك بتقدير إخوانك ولا تدر ظهرك لهم.
- بعد التأمل:
بعد تأملي لهذه القصة الرمزية تذكرت قصة حقيقية حدثت لزوجين، كان يواجه الزوجان مشكلة كبيرة في الإنجاب، فقد ولدت الزوجة الطفل الأول في الشهر السادس من الحمل ولأن الرئة لم تكتمل دخل في الحضانة لمدة أيام ثم توفاه الله تعالى، وكانت هذه أول صدمة في حياتهما الزوجية، وخيم الحزن والأسى المنزل إلى أن رزقهما الله بالحمل الثاني.
وبعد الفحص الطبي للزوجة تبين أنه ليس لديها أي أسباب علمية للولادة المبكرة وهذا هو قدر الله تعالى وظلت الزوجة والزوج عند وصولها إلى الشهر السادس تنتظر ولادة مبكرة كسابقتها، ولكن بالدعاء والتوجه إلى الله تعالى وصلت في الحمل إلى الشهر الثامن ولم يكتمل حتى ولدت الطفل الأول، أقصد الثاني في الترتيب، وأيضًا دخل الحضانة لعدة أيام ثم خرج إلى حضن أمه وأبيه بفضل الله تعالى وعانت الزوجة كثيرًا في رعاية هذا الطفل؛ لأنه كان ضعيفًا بسبب ولادته قبل تمام التسعة أشهر.
وبعد ثلاث سنوات رزقهما الله الكريم بالحمل الثالث، وكانت عند الزوجة نفس المشكلة "وهي احتمالية الولادة المبكرة"، وظلت الزوجة في متابعة طبية لهذ الحمل راجية فضل الله أن يتمه على خير، وفي الشهر السابع صرح لهما الطبيب أن الحمل من النوع الخطير وأنها تنتظر ولادة في أي وقت، فلجأ الزوجان إلى الله تعالى بالدعاء بل وقالوا لكل الأقارب والمعارف والأصدقاء ليدعوا لها أن يمتد الحمل إلى أن يتعدى المرحلة الخطيرة، وبالفعل بالدعاء منهما ومن كل من يعرفونهم وصلت الزوجة إلى الشهر التاسع، وحدثت المعجزة وولدت بعد اثني عشر يومًا من الشهر التاسع، وهذا بالطبع ببركة الدعاء ودعاء الناس لها بظهر الغيب.
- الدعاء صلة:
الدعاء من أشرف العبادات وأجلّ الطاعات، لا يستغني عنه العبد في حال من الأحوال، وهو صلة بين العبد وربه، وكلما كثر رجاؤه بالله وحسن ظنه به كثر دعاؤه.
وهو دليل على كمال افتقار العبد لربه واستغنائه به ولذلك أمر به الشرع قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:من الآية 60]، وقال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف:من الآية 55]، وقال عز وجل: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:من الآية 186]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » (رواه الترمذي).
- فوائد الدعاء:
1- حصول الأجر والثواب لأنه عبادة.
2- الابتعاد عن الغفلة لأن الداعي من الذاكرين لله.
3- تيسير الأمور وحصول المطلوب.
4- الدعاء يقوي مقام التوكل على الله ويعلق العبد بربه.
5- اندفاع النقم والمصائب.
6- الدعاء يرفع البلاء.
- دعاء الحبيب:
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يواظب على الدعاء قال أنس: "كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم"، « » (متفق عليه).
وقد حرص السلف رضوان الله عليهم على الدعاء في سائر شؤونهم فقد كانوا يسألون الله في كل شيء حتى العلف لدوابهم والملح في الطعام
وإذا دعا الداعي حصل له إحدى ثلاث:
أ- حصول مطلوبه في الدنيا.
ب- اندفاع الشر عنه.
ت- ادخار المثوبة له في الآخرة.
- الدعاء بالأسماء:
ويستحب للعبد أن يتوسل بين يدي الدعاء بأسماء الله وصفاته أو بالإيمان كمحبة الله ورسوله، أو بالعمل الصالح كفعل الطاعات كما في قصة أصحاب الغار.
- من أكثر الطَّرق فُتِح له:
وأعظم ما يشق على المسلم في هذا الباب أن يغلق عليه في الدعاء, قال عمر بن الخطاب: "إني لا أحمل هم الإجابة، ولكن أحمل همَّ الدعاء"، فإذا فُتح على العبد في دعائه من معاني الحمد والثناء دعا الله وحسن الظن به والتعلق والرجاء به وتعظيم الرغبة مما عند الله والثقة بوعد الله؛ فينبغي عليه أن يقبل على الدعاء وأن يصرف همته في ذلك لاسيما في الأزمان والأماكن الفاضلة، وعند نزول الضر وحصول الشدائد، ومن أكثر طرق هذا الباب فتح له،وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
- الله يحب الدعاء:
والله قادر على تحقيق حاجة العبد من غير مسألة، ولكن يحب أن يرى من عبده الخضوع والتذلل والافتقار إليه والاعتماد عليه، وهذا هو ثمرة العبادة والغاية التي من أجلها خلق الخلق.
- دعاء المرء لأخيه بظهر الغيب:
عن عمران بن الحصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » (رواه البزار).
- فضل الدعاء بظهر الغيب:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » (رواه مسلم).
من عِظم فضل دعاء المسلم لاخيه بظهر الغيب أن وكَّل الله له ملكا مهمته أن يقول له: « ».
فهي دعوة مستجابة بإذن الله ويعم الفضل الداعي والمدعوا له، والانسان الذي يدع ولأخيه بظهر الغيب هو إنسان مؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه كما في الحديث: « ».
ماذا بعد:
- عند الشدائد على الزوجين اللجوء إلى الله بالدعاء.
- دعاء الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى.
- الله يحب التذلل اليه والخضوع له وهو من تمام العبادة.
- اطلب من إخوانك الدعاء لك، وادع أنت لهم فلا تدري من أين تأتي البركة.
أم عبد الرحمن محمد يوسف
- التصنيف: