ونشتاق إليك يا رسول الله
نشتاق إليك يا نبي الله، ونرجو الله ألّا يبعدنا عن حوضك وأن يجعلنا رفقاءك في الجنّة، يامن آخيتنا ولم ترنا والله لقد أحببناك ولم نراك.
المجلس النبوي الطاهر يضم النبي صلى الله عليه وسلم ونجوم طيبة الزّاهرة، تلك الكواكب الدرّية، الهادية المهدية، تحيط بنبيّها الحبيب، وقد حظيت برؤية وجهه الوضّاء، وشرفت بصحبته في السّلم والحرب، ونشطت لطاعته في السرّاء والضرّاء، مجلس تلألأ فيه نور النبوّة وأفاض على الدنيا هدى ورحمة وإشفاقا، وأشرقت فيه الوجوه الطيّبة بالطاعة والرضى والتسليم، ورقّت فيه قلوب معدنها البرّ، وجلاؤها اليقين، قلوب صحابة رسول الله الذين قال فيهم حبيبهم صلى الله عليه وسلّم: « » (صحيح البخاري: [3673]).
وأنّى لنا يارسول الله؟ ان نبلغ مدّهم، وعملهم وجهادهم، وافتداؤهم إياك، وإتّباعهم سنّتك اتباع المحبّ الموقّر المعظّم الطامع برضى الله وجنّته وصحبة نبيّه فيها؟
قوم ما أظلت السماء مثلهم أقمارًا، ولا حملت الأرض مثلهم أطهارًا، يحبّون نبيّهم حبّا لا تصفه الأقلام، ولا يبدّلون هذا الحب بمال ولا ولد ولانفس تحملها الضلوع، ويحبّهم نبيّهم ويحرص عليهم ولا من بعدهم بشهادة ربّ العالمين في كتابه الكريم: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة:128].
يسيرون يوما مع نبيّهم يزورون أصحابًا لهم سبقوهم بالشهادة أو قضوا نحبهم غير مغيّرين ولا مبدّلين، ويسمعون رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمّا أتى الْمَقْبُرَةَ يقول: «». قَالُوا: " أَوَ لَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟" قَالَ: «». فَقَالُوا: " كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟" فَقَالَ: «» قَالُوا: "بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ". قَالَ: «» (صحيح مسلم).
يودّ حبيب الله أن لو رأى إخوانه، أولئك الذين يشتاق إليهم، ولم يراهم ولم يصحبوه، تعلّقت به قلوبهم، واتّبعوه على أمل اللقاء في ظلال الجنّات، يطمعون بالصحبة في رحابها وقد فاتتهم الصحبة في الدنيا، ويرجون الشفاعة، فيسألون الله له الوسيلة، والفضيلة، والدرجة العالية الرّفيعة، لينالوا بها شفاعة الحبيب.
يشتاق إليهم ويخبر أصحابه بأنّه يعرفهم، يعرفنا نحن الذين لم نجتمع معه، ولم نجاهد معه، ولم نسر معه في هجير مكة، ولم نبايعه بيعة الرضوان، ولم نعش معه رهبة ليالي الخندق، لم نكن مع آل ياسر في العذاب، ولم تصهر عظامنا بالصخرة الثقيلة كما حدث لبلال مؤذن رسول الله، ولم ننحر فداء لدين الله كما نحرت سمية الطاهرة، ولم نركب البحر إلى الحبشة، ولم نطو البيداء مهاجرين إلى يثرب، ولم نقتسم أموالنا مع المهاجرين، ولكنّه مع ذلك يشتاق إلينا، ونحن والله إليه مشتاقون.
يودّ لو أنّه يرانا ،ويسمّينا إخوانه،«».،فيسأله الصحابة عليهم رضوان الله: "أو لسنا إخوانك يارسول الله؟"، ويأتي الجواب الرفيق:«».
أجل هم أصحابه وهم الذين نالوا شرف الأخوة والصحبة، ولكنّه النبيّ المحب لأمته، يحبّهم ويؤاخيهم ويحب أن يبلغ ذلك الحب أسماع أولهم وآخرهم، وأن يلامس ذلك الودّ الصادق قلوب أوّلهم وآخرهم، فيصبح اتّباعهم له أعظم، واقتداؤهم به أدوم، ورغبتهم بالورود على حوضه أشدّ، فيصفهم لأصحابه، مؤكّدا أنه يعرفهم يوم يردون عليه، ليشربوا من يده الشريفة شربة لا يظمأون بعدها أبدا، ويحرصون على ألّا يبعدهم العصيان عن حوضه، وألّا تكون مخالفة هديه سبب افتراقهم عنه يوم القيامة، فيتّبعون سنّته اتباع المحبّ، ويرجون لقاءه لقاء المشتاق.
نشتاق إليك يا نبي الله، ونرجو الله ألّا يبعدنا عن حوضك وأن يجعلنا رفقاءك في الجنّة، يامن آخيتنا ولم ترنا والله لقد أحببناك ولم نراك.
وتظل ّ فينا يا حبيب الله نورا للهداية والصلاح، وتظلّ سنّتك الرشيدة في زمان الغيّ مشكاة الفلاح، ونحنّ كالجذع الذي لفراق أحمد فاض دمعًا واشتكى، ونحنّ حين نمرّ ركبا للمدينة ساريًا، فهنا نما غرس الرسول هنا زكا، ونطوف أنحاء المدينة في جوانحنا حنينن، تتعلق الدمعات بالأهداب حرّى، حين نذكر مجلس الهادي الأمين، وعلى بساط الرّوضة العصماء نسجد للذي بعث المشفّع شاكرين، ونظلّ نرجو ربّنا ألّا نردّ مع العصاة الخائبين، ونظل نرجو أن نكون من الذين يودّ رؤيتهم نبيّ العالمين.
اللهم إجز سيدنا محمد عن أمته خير الجزاء.
رقية القضاة
كاتبة إسلامية وباحثة أردنية
- التصنيف: