لا لا للشرعيـــــــــة

منذ 2013-05-31

ووضح الله تعالى صفات المفسدين وأخلاقهم وأفعالهم وأقوالهم وجرائمهم، وأهمها أنهم لا يقبلون بالشرعية ولا يعطون الحق والفضل لأهله حتى لو كانت هذه الشرعية من عند الله، فلا يوافقون عليهما ولا يعاونوها بل يتربصون بها ويتخلون عنها ويتآمرون عليها ويسخرون منها. فما ظنك لو كانت هذه الشرعية من صنع واجتهاد البشر فلا شك أنهم لها أشد عداءً وأقل نصرًا .......


يخبرنا الصادق المصدوق أن المفسدين من هذه الأمة سيتبعون الطرق والمناهج والعادات الملتوية الخبيثة التي اتبعها المفسدون من قبلنا فسيقلدونهم تقليدًا أعمى ويتمسحون بهم جملًا وتفصيلًا ظاهرًا وباطنًا. فقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ» قُلْنَا: "يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟" قَالَ: «فَمَنْ» (البخاري). وقال أيضًا: «لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه» (الشيخان).

ووضح الله تعالى صفات المفسدين وأخلاقهم وأفعالهم وأقوالهم وجرائمهم، وأهمها أنهم لا يقبلون بالشرعية ولا يعطون الحق والفضل لأهله حتى لو كانت هذه الشرعية من عند الله، فلا يوافقون عليهما ولا يعاونوها بل يتربصون بها ويتخلون عنها ويتآمرون عليها ويسخرون منها. فما ظنك لو كانت هذه الشرعية من صنع واجتهاد البشر فلا شك أنهم لها أشد عداءً وأقل نصرًا وأكثر تهجمًا وتلكأ معها وسأضرب لذلك عدة أمثلة:

1- لقد طالبت النخبة والصفوة نبيهم أن يبعث لهم ملكا {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلأِ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة:246] وجاءت شرعية هذا الملك من عند الله {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا} [البقرة: من الآية 247] فاعترضوا {قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ} [البقرة: من الآية 247]. أنكروا وعابوا على الله اختياره لهم حقدًا وحسدًا لأن طالوت لم يكن من نوعيتهم وعينتهم الفاسدة التي تزن الأمور بميزان وكاريزما المال، ولكن الله يمهد لدينه ويغرس لدعوته على أسس ثابتة من العلم والإمكانات الفكرية والخبرات والقوة وسعة الانتشار والتأثير {قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} [البقرة: من الآية 247] ثم أخذوا يتخلوا عنه ويخذلوه فوجًا بعد فوج ومؤامرة بعد مؤامرة واختبارًا إثر آخر حتى ما تبقى معه إلا القليل المخلص، فنصر الله الحق وأهله لتسير سنة الله الجارية إلى منتهاها {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة: من الآية 251].

2- وامتنع المفسدون عن تنفيذ الأمر الرباني بدخول الأرض المقدسة وإقامة الدولة العصرية القوية وتعميرها لتتبوأ مكانتها وسط الأمم ونكصوا على أعقابهم وتخلوا عن زمام المبادرة {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ} [المائدة:22] فتباطئوا وطلبوا أن يفعل نبيهم ورسولهم كل شيء دون أدنى جهد منهم {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة:24] اذهب أنت وربك أي افعل أنت وربك فكما هلك نظام فرعون بدون تدخل منهم يريدون بناء الأوطان دون جهد، كذلك ينظرون لحقوقهم دون واجباتهم، هذا الجيل يطلب أي شيء يفعله وينجزه ويخلصه ويرتبه وينهيه النبي والرئيس والمسئول لا يريدون أن يؤدوا ما عليهم، فليس لديهم استعداد للعمل والبناء والتضحية والفداء فليس لديهم استعداد لدفع ضريبة العيش الكريم والحرية والعدالة الاجتماعية.

3- تنكروا الطريق وجحدوا فضل الله عليهم ولم يشكروه على إهلاك النظام؛ بل إن شئت فقل أنهم طالبوا نبيهم بالرحيل {قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا} [الأعراف:129] فلا فارق عندهم بين قبل النبوة وبعدها ولا قبل الرئاسة وبعدها ولا قبل الثورة وبعدها فكان الله لهم بالمرصاد {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ} [المائدة:26] يهيمون على وجوههم يتخبطون ويتصايحون ويهزون ويهزؤون ولا يهتدون سبيلا {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} [البقرة:18].

4- انظر إليهم وهم يتطاولون على قيادتهم الشرعية الربانية التي يتنزل عليها وحي السماء {قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ} [النمل:47] قال مجاهد: "تشاءمنا منك ومن جماعتك التي معك"، قال قتادة: "ما أصبنا من شر فإنما هو من قبلك ومن قبل من معك" ،فإذا كان هذا قولهم مع من يتنزل عليه جبريل فكيف يفعلون مع قيادة من اختيار البشر تصيب وتخطئ.

5- والقضية لا تنفك عن نطاق المناكفة السياسية بجوار البعد العقائدي والفكري فقد قالوا الأيام بيننا سجال أطعموا فأطعمنا وسقوا فسقينا وكسوا فكسونا فقالوا منا نبي فأنا لنا ذلك.

6- ورغم أن عددهم قليل لا يكاد يذكر {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ} [النمل:48]؛ إلا أنهم سليطي اللسان {سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} [الأحزاب: من الآية 19] {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران:118].

7- قالوا على محمد صلى الله عليه وسلم أن قراره ليس بيده وليس من عقله وليس من تلقاء نفسه، إنما تأتيه التعليمات والأوامر والأخبار من عند غيره {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل:103].

8- وأيضًا {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ} [الفرقان:7] تهمته أنه متواضع يخالط الناس يصلي في المسجد يلقي الكلمات يتحدث مع المصلين يهتم بالفقراء ويسمع لهم.

9- اتهموه بأنه قسم الدولة نصفين فيفرق بين الرجل وأبيه وبين المرء وزوجه وبين الأخ وأخيه؛ كما اتهم فرعون من قبل موسى عليه السلام {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} [غافر:26] فهل موسى هو الذي يبدل الدين؟! هل كان عليه السلام هو من يظهر في الأرض الفساد؟!!

10- بل سجنوا محمدًا صلي الله عليه وسلم ثلاث سنوات في شعب أبي طالب.


11- وبعد ما كان يسمى الصادق الأمين أطلقوا عليه ومن معه كاذبون.

12- وفي طور إقامة الدولة تعرض لعدده محاولات اغتيال لم تحدث في مرحلة الابتلاء والتضييق.

13- واتهموه في زوجه عائشة رضي الله عنها.

14- بل قذفوه بالحجارة (البلاك بلوك) عندما أرسلت قريشًا خمسين رجلًا يحاولون إلحاق الأذى بصف المسلمين يوم الحديبية، فقبض عليهم المسلمون فأرسلت قريشًا مجموعة أخرى ترمي جيش المسلمين بالحجارة والنبل (مولوتوف العصر)، فقبض المسلمون على اثني عشر رجلًا منهم وكل ذلك ليصدوا عن سبيل الله ويطفئوا نور الحق بأفواههم. ويأبي الله إلا أن يتم نوره فبايع النبي أصحابه بيعة الرضوان على السمع والطاعة في المنشط والمكره في العسر واليسر، وألا ينازع الأمر أهله وعلى ألا يفر أحد منهم والثبات في هذه الأحداث الجسام هي التي تجلب رضى الله وهي أسمي الغايات {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح:18] فتحًا داخليًا محليًا قريبًا ففتحت مكة بإذن الله، ثم أتت الآيات تبشر بالفتح العالمي فاستعينوا بالله وابشروا، {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ شَهِيدًا} [الفتح:28].


ماهر إبراهيم جعوان

Editorial notes: Maher510983@yahoo.com
المصدر: جريدة المصريون