صلاة الجماعة.. تنبيهات فقهية (2)

منذ 2013-06-07

صلاة الجماعة من الشعائر التي تنطوي علي حسنات جزيلة ومعاني عظيمة وحكم ربانية جليلة، ويكفي أن حاضري المسجد ضيوف الرحمن، فضلا عن توكيد أواصر المحبة والتآلف بين المسلمين، وترسيخ معاني الوحدة والتآذر، ولذا وجب الاهتمام بفقهها، والعناية بآدابها علما وعملا، ومن هذا المنطلق رأيت أن أقتطف من البحوث الفقهية بعض الدرر والتنبيهات النادرة التي ربما لا يتفطن لها البعض، سائلاً المولى عز وجل النفع والمثوبة وهو حسبنا ونعم الوكيل.


صلاة الجماعة من الشعائر التي تنطوي علي حسنات جزيلة ومعاني عظيمة وحكم ربانية جليلة، ويكفي أن حاضري المسجد ضيوف الرحمن، فضلا عن توكيد أواصر المحبة والتآلف بين المسلمين، وترسيخ معاني الوحدة والتآذر، ولذا وجب الاهتمام بفقهها، والعناية بآدابها علما وعملا، ومن هذا المنطلق رأيت أن أقتطف من البحوث الفقهية بعض الدرر والتنبيهات النادرة التي ربما لا يتفطن لها البعض، سائلاً المولى عز وجل النفع والمثوبة وهو حسبنا ونعم الوكيل.

- إذا أحدث الإمام أثناء الصلاة وخرج منها ولم يستخلف فللمأمومين الخيار بين أن يقدموا واحداً منهم يكمل بهم الصلاة، أو يتموها فرادى، إذا كان المصلي يدافعه البول أو الغائط ولا يجد الماء ليتوضأ به، فالأفضل له أن يقضي حاجته، ثم يتيمم ويصلي.

- لا مقارنة بين جماعة البيت وجماعة المسجد، والأجور والفضائل إنما هي لجماعة المسجد، فمن ترك جماعة المسجد واختار جماعة البيت أو العمل لم يحصِّل أجر جماعة المسجد، وهذا إن سلِم من الإثم أصلاً، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إِلَى الْمَسْجِدِ فَوَجَدَ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِثْلَ أَجْرِ مَنْ صَلاَّهَا وَحَضَرَهَا وَلَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا» (رواه أبو داود وصححه الألباني)، وهذا إذا لم يكن التأخير ناشئاً عن التقصير.

- إذا كان في المسجد يصلي النافلة وأقيمت صلاة الفريضة فإنه يقطع صلاته النافلة من غير تسليم.
- لا يجوز التخلف عن صلاة العشاء جماعة في المسجد بلا عذر، وحضور العشاء مع جماعة المسجد مقدم على مصلحة تأخيرها إذا فعلت في البيت جماعة؛ لأن ذلك واجب، وهذا مستحب.
- الصلاة خلف المبتدعة كالصوفية فيها تفصيل: فإن كان متلبسا ببدعة شركية كدعاء غير الله، أو اعتقاده أن الأولياء يعلمون الغيب، أو يتصرفون في الكون، فلا تصح الصلاة خلفه، وإن كانت بدعته غير شركية (كالتلفظ بالنية، والاجتماع على الذكر)، صحت الصلاة خلفه.
- تنفل الموظف بعد الصلاة بغير السنن الرواتب لا يجوز؛ لأن وقته مستحق لغيره بمقتضى عقد الإجارة أو الوظيفة، وأما السنة الراتبة فلا بأس بها لأنها ممن جرت العادة بالتسامح فيه من المسؤولين (مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين:15/32).

- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "التبليغ خلف الإمام لغير حاجة بدعة غير مستحبة باتفاق الأئمة، وإنما يجهر بالتكبير الإمام، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه يفعلون، ولم يكن أحد يبلغ خلف النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم ضعف صوته، فكان أبو بكر رضي الله عنه يسمع بالتكبير، وقد اختلف العلماء: هل تبطل صلاة المبلغ؟ على قولين في مذهب مالك، وأحمد وغيرهما" (مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (23/403).

- قال الشيخ ابن عثيمين: "تخطي الرقاب حرام حال الخطبة وغيرها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لرجل رآه يتخطى رقاب الناس: «اجلس فقد آذيت» ويتأكد ذلك إذا كان في أثناء الخطبة؛ لأن فيه أذيةً للناس، وإشغالاً لهم عن استماع الخطبة، حتى وإن كان التخطي إلى فرجة؛ لأن العلة وهي الأذية موجودة" (فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين (16/147).
- لا حرج على الصبي المميز أن يصف مع الجماعة، بل ينبغي تعويده ذلك وتشجيعه عليه، وتمكينه من الصف الأول وغيره إذا سَبق إليه، والتمييز يكون غالباً في سبع سنين، لكنه لا يختص حصرا بسن السابعة، فقد يكون الطفل ذكيًا نابهًا وهو في السادسة أو الخامسة، فيعقل الصلاة، ويلتزم بآداب المسجد.
- إذا ركع المسبوق قبل الوصول إلى الصف كي يدرك الركعة مع الإمام فقد وقع في المكروه، ولكن صلاته صحيحة، لما روى البخاري من حديث أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه: «أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَهْوَ رَاكِعٌ، فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الصَّفِّ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا، وَلاَ تَعُدْ».
قال الإمام الشافعي رحمه الله في الأم: "فكأنه أحب له الدخول في الصف، ولم ير عليه العجلة بالركوع حتى يلحق بالصف، ولم يأمره بالإعادة، بل فيه دلالة على أنه رأى ركوعه منفردا مجزئا عنه".

- حمل المأموم المصحف في صلاة التراويح بحجة متابعة الإمام مخالف للسنة وذلك من وجوه:
الوجه الأول: أنه يفوت الإنسان وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى في حال القيام.
والثاني: أنه يؤدي إلى حركة كثيرة لا حاجة لها وهي فتح المصحف وإغلاقه ووضعه تحت الإبط.
والثالث: أنه يشغل المصلي في الحقيقة بحركاته هذه.
والرابع: أنه يفوت المصلي النظر إلى موضع السجود وأكثر العلماء يرون أن النظر إلى موضع السجود هو السنة والأفضل.
والخامس: أن فاعل ذلك ربما ينسى أنه في صلاة إذا لم يكن يستحضر قلبه أنه في صلاة، بخلاف ما إذا كان خاشعاً واضعاً يده اليمنى على اليسرى مطأطئاً رأسه نحو سجوده فإنه يكون أقرب إلى استحضار أنه يصلي، وأنه خلف الإمام (من فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين لمجلة الدعوة العدد 1771 ص:45).

- يجب على المسلم أن يصلي الجماعة في المسجد إذا قدر على ذلك، فإذا وجد عذر فلا حرج عليه أن يصلي قبل صلاة الجماعة منفرداً ثم ينصرف، ومن الأعذار: أن يتذكر أن له مالاً يخاف عليه من السرقة أو مريضاً لا بد من مرافقته، أو موعداً يتضرر بتركه.. أو غير ذلك من الأعذار المسقطة للجماعة (موقع الإسلام سؤال وجواب).
- إذا دخل اثنان فوجدا الصف الأخير ليس فيه إلا مكان رجل واحد فإنهما يصفان جميعاً في صف جديد، فإنه لو دخل أحدهما لبقي الآخر منفرداً، ففي هذه الحالة الأفضل أن يصلياً معاً بصف جديد.

- تشبيك الأصابع مكروه لمن خرج إلى الصلاة حتى يفرغ من الصلاة، وأن الجالس في المسجد لا حرج عليه في تشبيك أصابعه إلا إ ذا كان ينتظر الصلاة، فيكره له تشبيكها.
- لا يصح تغيير النية من نفل إلى فرض؛ لأن الواجب في صلاة الفريضة أن تكون النية مقارنة لتكبيرة الإحرام، أو قبلها بزمن يسير، فلو كان يصلي نفلا -تحية المسجد مثلا- واجتمع وراءه جماعة لصلاة فرض كالمغرب لا يصح تغيير نيته لفرض المغرب.

- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "صلاة التطوع في جماعة نوعان: أحدهما: ما تسن له الجماعة الراتبة كالكسوف والاستسقاء وقيام رمضان، فهذا يفعل في الجماعة دائما كما مضت به السنة، الثاني: ما لا تسن له الجماعة الراتبة كقيام الليل، والسنن الرواتب، وصلاة الضحى، وتحية المسجد ونحو ذلك.. فهذا إذا فعل جماعة أحيانا جاز، وأما الجماعة الراتبة في ذلك فغير مشروعة بل بدعة مكروهة".

- عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْإِمَامُ ضَامِنٌ، وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ، اللَّهُمَّ أَرْشِدْ الْأَئِمَّةَ، وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ» (صححه الألباني في صحيح أبي داود).
الإمام ضامن، قال أهل اللغة: الضامن في كلام العرب معناه: الراعي. والضمان معناه: الرعاية، فالإمام ضامن: بمعنى أنه يجب عليه أن يحفظ صلاة المأمومين من البطلان، ويحفظ عليهم عدد الركعات، ولا ينقر بهم الصلاة نقرا مخلا بالأركان، ولا يقصر في العناية بشروط الصلاة وتحقيق سننها وهيئاتها، ونحو ذلك.. والإمام ضامن بمعنى: أنه يتحمل عن المأموم الجهر في الصلاة الجهرية، ويتحمل عنه قراءة السورة القصيرة أيضا، كما يتحمل سهو المأموم إذا ترك بعض السنن، بل ويتحمل عنه قراءة الفاتحة إذا جاء مسبوقا، كل ذلك من معاني الضمان المتفق عليها، والإمام ضامن أيضا بمعنى: أنه متكفل بالدعاء لجميع المأمومين إذا قنت بهم، أو دعا لهم، متكفل بتعليم المأمومين أحكام الصلاة كي لا تفسد عليهم، ولا يحرموا ثوابها الكامل.
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإٍسلام

خالد سعد النجار

كاتب وباحث مصري متميز