المراحل المنسية للنكبة السورية خطوة خطوة، كيف وصلنا إلى ما وصلنا إليه؟

منذ 2013-06-16

كان ظهور المذهب النصيري في العراق بإعلان (ابن نصير) للألوهية ثم تكفيره ومطاردته مع أتباعه، مما دفعهم للهروب إلى سورية (ذات الأغلبية العربية السنية) واستيطانهم في جبال الساحل. شعورهم بأنهم غير مرغوب فيهم جعلهم ينطوون على أنفسهم ويمتلؤون بالحقد والكراهية على محيطهم ويصبحون، بافتقارهم لزعماء حكماء، أشبه بقنبلة مؤقتة قابلة للانفجار في أول مناسبة، ومن هنا بدأت المشكلة السورية الحالية بالتشكل.

 

يظن البعض أن قصة دمار سورية اليوم بدأت قبل سنتين من حادثة أطفال درعا وما فعله ابن الخالة بهم.
ولكني أرى أن القصة مختلفة، وعليكم أن تعودوا معي لألف ومائتي سنة إلى الوراء، وليس سنتين، لكي تتوضح الأمور.

أبطال هذه القصة كثر، ولكن أبطالها الرئيسيين هم الطائفة (الكريمة) وأبناء عمومتنا اليهود، انضمت إليهما فيما بعد انكلترا وفرنسا وروسيا من القارة الأوربية، وإيران من آسية، وأخيراً لتنضم إليهم أمريكا.

القرن التاسع الميلادي:
ظهور المذهب النصيري في العراق بإعلان (ابن نصير) للألوهية ثم تكفيره ومطاردته مع أتباعه، مما دفعهم للهروب إلى سورية (ذات الأغلبية العربية السنية) واستيطانهم في جبال الساحل.
شعورهم بأنهم غير مرغوب فيهم جعلهم ينطوون على أنفسهم ويمتلؤون بالحقد والكراهية على محيطهم ويصبحون، بافتقارهم لزعماء حكماء، أشبه بقنبلة مؤقتة قابلة للانفجار في أول مناسبة، ومن هنا بدأت المشكلة السورية الحالية بالتشكل.

القرن الحادي عشر:
بدأت الحملات الصليبية على بيت المقدس، والتي كانت تمثل الجزء الجنوبي الغربي من بلاد الشام، أو ما يعرف سياسياً بسورية الكبرى، وهي الحملات التي كانت اقتصادية وسياسية صرفة، ولكن تم إلباسها ثوباً دينياً جهادياً من قبل ملوك وأمراء أوربا، انفجرت قنبلة النصيريين لأول مرة حين وجد زعمائهم في ذلك فرصة للانتقام من أعدائهم السنة، فورطوا أتباعهم بالتحالف مع تلك الحملات على مبدأ (عدو عدوي هو صديقي).

القرن الثالث عشر:
وصل الغزو المغولي الأول إلى بلادنا بقيادة (هولاكو)، فتحالف زعماء النصيريين معهم على نفس المبدأ، مورطين طائفتهم من جديد وواضعين لها في عداء للشعب.

القرن الخامس عشر:
وصول الغزو المغولي الثاني بقيادة (تيمور لنك)، وتكرر نفس القصة.

القرن الخامس عشر:
في نفس القرن، ظهرت محاكم التفتيش في إسبانيا للقضاء على بقايا المسلمين بعد سقوط الأندلس، ما لفت النظر فيها هو استهدافها لليهود أيضاً، وليس المسلمين فقط، فبدأوا يشعرون بالكراهية ضدهم في أوربة.

القرن الثامن عشر:
بداية الثورة الصناعية الأوربية، فسارع اليهود للسيطرة على رؤوس أموالها، أدى ذلك بطبيعة الحال إلى تململ الشعوب الأوربية وتصاعد مشاعر العداء ضد اليهود مما يعرف بمعاداة السامية، وساعد على ذلك أن اليهود بطبيعتهم يرفضون الامتزاج مع محيطهم من أجل الحفاظ على نقاء عرقهم، بحسب ما يعتقدون، باعتبارهم (شعب الله المختار).

القرن التاسع عشر:
تصاعد الكراهية ضدهم في أوربة وحصول مجازر بحقهم في روسيا القيصرية مما دفع (تيدور هرتزل) إلى الشعور بأن بركاناً أوربياً سينفجر ضدهم في أي وقت. فقام بتأسيس الحركة الصهيونية التي وضعت هدفها إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. وعرض المشروع على عدة دول مؤثرة.
القرن العشرين:

استمرار المجازر في روسيا القيصرية وزيادة مشاعر الكراهية في أوربة ضدهم دفع بساسة انكلترا، المعروفين بالدهاء والخبث والتخطيط البعيد، إلى دعم المشروع الصهيوني لقنص ثلاثة عصافير بحجر واحد..
العصفور الأول هو: التخلص من أعدائهم التاريخيين، اليهود، ومن نفوذهم المالي في أوربة.
العصفور الثاني هو: إرسالهم ليتصارعوا مع أعداء الأوربيين التاريخيين أيضاً، وهم العرب المسلمين الذين مازال لهم معهم ثأر من زمن الحملات الصليبية، فيطحن كل منهما الآخر.
أما العصفور الثالث فهو: توظيف اليهود كرأس حربة لهم في قلب الوطن العربي.

المشكلة آنذاك كمنت في أن فلسطين لم تكن دولة بحد ذاتها، بل جزءاً من بلد أكبر هو بلاد الشام أو سورية الكبرى، وهنا بدأت نكبة سورية الحالية تتبلور أكثر وأكثر.
عام 1916: بتوافق الدولتين الاستعماريتين الأعظم في أوربة حينها، وضعت فرنسا وانكلترا اتفاقية (سايكس-بيكو) لتقسيم سورية إلى أربعة أقسام ليصار إلى منح القسم الفلسطيني منها لليهود.
عام 1917: أصدرت انكلترا (وعد بلفور) الذي ضمن لليهود وطناً قومياً لهم في فلسطين.
عام 1920: تم تنفيذ معاهدة (سايكس-بيكو) باحتلال انكلترا لفلسطين والأردن، وفرنسا لسورية ولبنان.

وقد أثبتت الدولتان الاستعماريتان حينها عدم نسيانهما لثأر هزيمة الحملات الصليبية، فما أن دخل الجنرال البريطاني (اللنبي) إلى القدس حتى أطلق جملته الشهيرة "الآن انتهت الحملات الصليبية"، في حين أطلق الجنرال الفرنسي (غورو) من أمام ضريح (صلاح الدين) في دمشق جملته الشهيرة "ها قد عدنا ياصلاح الدين، فأرنا ماذا ستفعل".

لاحظت انكلترا وفرنسا أن إنشاء الدولة اليهودية في فلسطين هو مشروع غير مكتمل، فهذه الدولة ستكون شاذة في المنطقة وبالتالي عرضة للأخطار من محيطها العربي، ولهذا ستكون بحاجة لحماية إلى أن تقف على قدميها وتصبح دولة قوية مرهوبة الجانب.

وحماية دولة اليهود هذه يمكن تنفيذها بكلفة باهظة مادياً وبشرياً من تلك الدولتين، أو بكلفة أرخص إذا ما تم من قبل دولة أو عدة دول من الجوار.

الانتداب الفرنسي 1920-1946:
خلال وجود فرنسا في سورية، كانت تراقب عن كثب من يمكن أن يحكم سورية من بعدها ليقوم بمهمة حماية دولة إسرائيل، وبطبيعة الحال، فإن الاستعمار يلعب دائماً على ورقة الأقليات بحجة حمايتها وضمان حقوقها، وقد لاحظت خلال وجودها أن كافة الأقليات والطوائف في سورية أذكى وأوعى من أن تقبل بمهمة كهذه، ولكن لفتت نظرها (الطائفة الكريمة) لعدة أسباب، فهي تؤله زعيمها (سليمان المرشد)، وبالتالي فخداع طائفة كهذه أسهل بكثير من غيرها، وهي طائفة حاقدة على مجتمعها وليس بينها وبينه حب مفقود تاريخياً ولا دينياً، وبالتالي ستكون مثالية لتنفيذ تلك المهمة، فنصحوها، كبداية، بتغيير اسمها من (النصيرية) إلى (العلوية) لتلطخ الأول بسوء السمعة.

عام 1936: أثبت وجهاء الطائفة العلوية صحة النظرية الفرنسية، حين قدموا لدولة الانتداب وثيقة تطالبها إما بعدم الجلاء عن سورية أو بإعطائهم دولة مستقلة على الساحل، وقد كان (سليمان الأسد) جد (حافظ الأسد) أحد الموقعين على الوثيقة، كما واعترفت الفقرة الرابعة من تلك الوثيقة بحق اليهود في وطن قومي لهم في فلسطين، مشيرة إلى العامل المشترك بين اليهود والعلويين بمعاداتهم للعرب السنة، كشف مندوب فرنسا لدى الأمم المتحدة سر هذه الوثيقة العام الماضي خلال مشادة كلامية بينه وبين مندوب النظام الأسدي، فنشر كل منهم الغسيل الوسخ للآخر، ولكن أغفل المندوب الفرنسي ذكر ماذا كان رد حكومته على تلك الوثيقة حينها، والذي كشفه القادم من الأيام.

الحرب العالمية الثانية 1937-1945:
تعرض اليهود في أوربة خلال تلك الفترة لأسوأ مجازر في تاريخهم الحديث على يد ألمانيا النازية، مما دفعهم إلى الإسراع في قيام دولتهم، برزت أمريكا بعد هذه الحرب كدولة عظمى وكوريثة لنفوذ انكلترا وفرنسا، فسارع أثرياء اليهود وزادوا نفوذهم فيها.

عام 1946: حصول سورية على الاستقلال من فرنسا، وقيام حكم جمهوري برئاسة شخصية وطنية قاومت الاحتلال الفرنسي هي (شكري القوتلي)، شكل ذلك بالتأكيد عقبة أمام مشروع دولة إسرائيل القادمة وبالتالي كان لابد من القضاء على الحكم الجمهوري الديمقراطي وتسليم سورية لمن وعد بالتعاطف مع اليهود ومشروعهم، وليس لغيرهم.

عام 1947: الإعلان عن قيام حزب البعث ذو الشعارات العلمانية القومية الرنانة على يد الثنائي (ميشيل عفلق) وصاحبه (صلاح البيطار) اللذان درسا في جامعات فرنسا، أثبتت التجارب أن هذا الحزب هو صناعة فرنسية صرفة بأيد سورية مغرر بها، لتنفيذ المهمة الصهيونية، ليكون بذلك حصان طروادة الذي يوصل العلويين إلى سدة الحكم، وهذا ما حصل.

عام 1948: الإعلان عن قيام دولة إسرائيل بدعم دولي شرقي وغربي وفشل العرب في منعها.
عام 1949: كون سورية آنذاك الدولة العربية الوحيدة التي استقلت وآل الحكم فيها إلى حكومة وطنية، فقد كان من الضروري فرملتها، فقام (حسني الزعيم) ذلك العام بأول انقلاب عسكري.
عام 1955: تم اغتيال العقيد (عدنان المالكي)، نائب رئيس الأركان حينها، على يد رقيب علوي في الجيش وبتخطيط من عقيد علوي (غسان جديد)، وهو أحد أقرباء الموقعين على الوثيقة الفرنسية إياها، وأيضاً شقيق أول ضابط علوي سيقوم بانقلاب عسكري في سورية عام 1966، وكان (عدنان المالكي) قبل اغتياله بفترة قصيرة قد طلب مدراء بعض الكليات العسكرية لاجتماع أعلمهم فيه أن الحكومة السورية تلقت رسالة من الحكومة الفرنسية لتشجيع وقبول طلبات الأقليات، وخاصة العلوية، للالتحاق في صفوف الجيش، وأن الرسالة وصلته عن طريق التسلسل، وقد أعلن عن ريبته من هدف تلك الرسالة وطالب المجتمعين بالحذر من مضمونها وأهدافها.

عام 1963: بعد تجربة وحدة فاشلة مع مصر، وعدة انقلابات عسكرية، تمكن حزب البعث من الوصول إلى الحكم بانقلاب عسكري أيضاً دعاه (ثورة 8 آذار) نفذه عميد سني اسمه (زياد الحريري) غرر به وتم إبعاده لاحقاً، بدأت بعد هذا الانقلاب عملية تغلغل العلويين بأعداد كبيرة في الجيش والأمن لا تتناسب وحجمهم في المجتمع السوري، وذلك تحت غطاء أنهم من الرفاق البعثيين، وشكلت فترة حكم السني الفريق (أمين الحافظ) غطاءاً آخر لذلك التغلغل دون أن يدرك الرجل ماذا كان يحصل من وراءه حسب ما اعترف به شخصياً في مقابلات قديمة على قناة الجزيرة.

عام 1966: حصل أول انقلاب بقيادة ضابط علوي هو اللواء البعثي اليساري (صلاح جديد)، وبشراكة مع ضابطين علويين آخرين هما اللوائين (محمد عمران وحافظ الأسد)، قررت المجموعة الانقلابية إبقاء رئاسة الجمهورية مع شخصية سنية شكلية لمجرد مراعاة الدستور، هي الدكتور البعثي (نور الدين الأتاسي).

عام 1967: يبدو أن الاختيار الإسرائيلي- الدولي كان قد رسى على (حافظ الأسد) ليلعب دور حامي الدولة اليهودية. فقام بتقديم أوراق اعتماده لاستلام المنصب بإهداء (مرتفعات الجولان) السورية لإسرائيل خلال حرب حزيران من نفس العام، حين أمر الجيش السوري من منصبه كوزير للدفاع بالانسحاب الكيفي من المرتفعات دون قتال ودون سبب عسكري يدعو للانسحاب.
أيلول 1970: قدم (حافظ الأسد) هدية ثانية لإسرائيل حين قرر الأردن إخراج المقاومة الفلسطينية من أراضيه فيما عرف بأيلول الأسود، قامت الحكومة السورية حينها بإرسال الجيش لمساندة المقاومة، فحال الرجل من موقعه كوزير للدفاع دون تمكين سلاح الطيران من الاشتراك، مما أفشل العملية عسكرياً وساعد على نقل المقاومة من الأردن إلى لبنان.

تشرين الثاني 1970: قام (حافظ الأسد) بانقلاب على (رفاق) الأمس، فسجن من سجن وأبعد من أبعد واغتال من اغتال واستلم الحكم المطلق، وبدأت بذلك أحلك فترة في تاريخ سورية المعاصر.

تشرين الأول 1973: نفذ مع (أنور السادات) مسرحية ما سمي (حرب تشرين التحريرية) ضد إسرائيل لإعطاء شرعية لحكمهما، كافأته إسرائيل بعدها بإعادة شريط حدودي له لا يتعدى 10% من كامل الجولان، فأظهرته بمظهر البطل ومدت بعمر حكمه لسورية ليخدمها وتخدمه.

عام 1975: بدأت أول الخدمات المتبادلة بينهما حين سمحت له باحتلال لبنان بحجة إيقاف الحرب الأهلية (المصطنعة)، وذلك ضمن ما عرف فيما بعد بصفقة (لبنان مقابل الجولان)، وهي الصفقة والتي رتبها وزير الخارجية الأمريكي حينها (هنري كيسينجر) من خلال رحلاته المكوكية وفضحتها صحف أمريكية معارضة لاحقاً، مقابل أن يقوم (الأسد الأب) بمصادرة القرار الفلسطيني، وقد توج الأخير هذه المهمة بارتكابه مع حلفائه من الميليشيات اليمينية مجزرة مخيم (تل الزعتر) للفلسطينيين في لبنان عام 1976 والتي راح ضحيتها الآلاف من المدنيين، معطياً الفكرة لوزير الدفاع الإسرائيلي (ايريل شارون) لارتكاب مجزرتي (صبرا وشاتيلا) بنفس الطريقة عام 1982 إبان غزوه للبنان.

عام 1978: خروج مصر من معادلة الصراع العربي- الإسرائيلي بتوقيع معاهدة (كامب ديفيد) وترك النظام الأسدي يتبجح بالصمود والتصدي الفارغين لتتمكن إسرائيل من الاحتفاظ بالجولان.
عام 1979: كما أتت (الحركة الصهيونية) لتغتصب فلسطين وتمزق الوطن العربي وتخدم المصالح الغربية، فقد أتت في ذلك العام (الثورة الخمينية) لإحياء (الحركة الصفوية) لتشييع العالمين العربي والإسلامي مذهبياً وإعادة مجد الإمبرطورية الفارسية توسعياً.

ظهرت (الصفوية) في القرن الخامس عشر معلنة عدائها للعرب وللسنة في آن واحد، ونجحت في تشييع إيران وأجزاء من العراق والجزيرة العربية ودول الخليج بالقوة. وكذلك فلم تخف (الخمينية) نفس الأهداف، فتحالفت بذلك سراً أو التقت مصالحها وأهدافها مع الغرب والحركة الصهيونية، وكان نظام (الأسد الأب) هو النظام العربي الوحيد الذي أقام علاقات وثيقة مع إيران الخمينية وفتح أمامهم أبواب سورية للتشييع والاستثمار معاً، وذلك بمباركة إسرائيلية وغربية، مادامت تلك العلاقات تصب في خانة أمن وأمان إسرائيل، والكل يذكر فضيحة (إيران غيت) لاحقاً والتي كشفت تورط أمريكا وبمساعدة إسرائيلية ببيع السلاح لإيران خلال حربها مع العراق، في حين كان الغرب يعلن معاداته لإيران، أما نظام الأسد، فلم يكن مضطراً للسرية، بل دعم الخميني علناً في حربه مع العراق، مؤججاً المشاعر الطائفية في سورية والدول العربية.

عام 1980: كان الشعب السوري قد بدأ يفهم المهمة القذرة التي ينفذها (الأسد الأب) والتي زج فيها الوطن والشعب، فبدأت الأعمال المسلحة من قبل الطليعة المقاتلة لجماعة (الإخوان المسلمين) ضد النظام بالظهور على الساحة وتوجت بمحاولة فاشلة لاغتياله ذلك العام، قام شقيقه الدموي (رفعت الأسد) على أثرها بتنفيذ مجزرة (سجن تدمر) في نفس اليوم والتي تم خلالها تصفية أكثر من 500 سجين سياسي معظمهم من الجماعة بإطلاق الرصاص عليهم بدم بارد في زنزاناتهم.

شباط 1982: مع تفاقم الاحتقان الطائفي والعنف والعنف المضاد، وبعد حوادث طائفية ارتكبها النظام ومنها حادثة (نزع الحجاب) الشهيرة على يد مظليات (رفعت الأسد) في تلك الفترة، فقد تم إعلان الثورة المسلحة في حماة، استغل النظام تلك الثورة لتدمير المدينة، وارتكاب أبشع مجزرة في النصف الثاني من القرن العشرين على مستوى العالم، حين تم ذبح ما يقرب من 50 ألف مدني خلال أيام، وقد أتى تجاهل المعسكرين الشرقي والغربي لهذه المجزرة المروعة ليبرهن تمسكهما بهذا النظام المتوحش طالما أنه يحفظ أمن وأمان إسرائيل.

حزيران 1982: شعرت إسرائيل، وبسبب ضعف الحكومة اللبنانية، بضرورة تدخلها عسكرياً في لبنان لإخراج المقاومة الفلسطينية من الجنوب، تمت العملية بتنسيق عسكري غير معلن بين إسرائيل ونظام الأسد أدى إلى خروج (ياسر عرفات) مع منظمته إلى تونس، بعد أن حققت إسرائيل هدفها من الغزو، وتوقع المراقبون انسحابها إلى الحدود الدولية، أبقت على منطقة عازلة في الجنوب تحت سيطرة ميليشيا مسيحية لبنانية موالية لها بإسم (جيش جنوب لبنان)، وضحت الأيام أن إسرائيل إنما قامت بذلك لتهيئ الأجواء والأسباب لظهور ميليشيا (حزب الله) الشيعية الموالية لإيران والمتحالفة مع سورية، والتي ستكون مهمتها المستقبلية منع أي فصيل مقاوم حقيقي من الاقتراب من إسرائيل.

أيار 2000: بعد 18 عاماً من المناوشات (المسرحية) على طريقة (توم وجيري) بين إسرائيل وحزب الله، انسحبت إسرائيل من الجنوب من طرف واحد مانحة الحزب انتصاراً وهمياً، ورافعة أسهمه وأسهم حليفتيه إيران وسورية في العالمين العربي والإسلامي.

حزيران 2000: لم يهنأ (الأسد الأب) طويلاً بالجائزة التي منحته إياها إسرائيل بانسحابها من الجنوب، فرحل مورثاً الحكم لابنه بشار.
تموز 2000: بعد خطاب القسم (للأسد الابن)، ظن السوريون أن ربيعهم السياسي قد بدأ بعهد جديد يتسم بالحرية والديمقراطية كما وعد، فبدأت المنتديات السياسية والثقافية والفكرية التي لا تخضع لرقابة الدولة بالظهور، ولكن لم تمض عدة شهور حتى تراجع (الابن) عن وعوده، فتم منع تلك النشاطات وزج الكثير ممن قام بها في السجون، مثبتاً بأنه لا يفي بوعوده ولا يمكن الثقة به.
آذار 2004: النظام يرتكب مجزرة بالرصاص الحي في ملعب القامشلي بحجة تفريق الاشتباكات بين جمهوري فريقي كرة قدم، راح ضحيتها العشرات معظمهم من الأكراد، مثبتاً أن الابن كأبيه.

تشرين الأول 2005: قامت المعارضة بكافة أطيافها الدينية والعلمانية والاثنية بتشكيل هيئة سمتها (إعلان دمشق) تطالب بالتغيير السلمي والديمقراطي لنظام الحكم، رفض النظام من جديد مطالب المعارضة وزج برموزها في السجن وهرب الآخر إلى الخارج، مثبتاً بأنه غير قابل للتغيير سلمياً.

تموز 2008: وقعت احتجاجات في سجن صيدنايا العسكري من أجل تحسين معاملة السجناء، ولكن سرعان ما تطورت الأحداث وانتهت بارتكاب النظام لمجزرة راح ضحيتها حوالي 1000 سجين، وقد عرضت على النت مقاطعاً تظهر (ماهر الأسد) وهو يتجول بين جثامين الضحايا ويصورهم بكاميرته ويطلق التعليقات الساخرة.

آذار 2011: بعد أربعة عقود من المجازر والظلم والتفريق الطائفي والعرقي، وجد السوريون في ثورات الربيع العربي التي بدأت في تونس ومصر واليمن وليبيا فرصة للانضمام إليها، والتخلص من هذا الكابوس الكريه، وبالتالي فقد كانت الثورة السورية هي بمثابة الانفجار الطبيعي من جراء القهر الغير مسبوق الذي تعرض له الشعب طوال تلك الفترة، وأيضاً للجرائم التي ارتكبها العلويون في حقه عبر التاريخ على مدى 12 قرناً، وهي الجرائم التي توجت بتلك التي ارتكبت في عهدي (الأب والابن).

لم يقدر الشعب السوري حين بدأ ثورته مقدار القوة التي يتمتع بها النظام، وأنا لا أقصد هنا القوة العسكرية، فقوة جيش (أبو شحاطة) سبق وعرفنا قيمتها في ساحات المعارك الحقيقية في حروب حزيران وتشرين ولبنان، ولكني أقصد تلك القوة التي يستمدها من دعم المجتمع الدولي بأكمله له، فإسرائيل لن تتخلى بسهولة عمن أهداها الجولان، وحفظ أمنها وأمانها لأربعين عاماً، وطبعاً الغرب، وعلى رأسه أمريكا وأوربة، لا يجرؤ على التصرف في منطقتنا بما لا يوافق مصالح إسرائيل.

أما إيران فهي أيضاً لن تتخلى بسهولة عمن سمح لها أن تجعل سورية محافظتها الخامسة والثلاثين.
وروسيا بدورها لن تفرط بسهولة بآخر حليف لها على مياه المتوسط والمنطقة بعد فقدانها للعراق وليبيا.

طبعاً، وحفاظاً على ماء الوجه، لا داعي للذكر هنا بأن الدول العربية والإسلامية قاطبة (لا حول لها ولا قوة) حين يكون الأمر مرتبطاً بمصالح الدول العظمى أو القوى الإقليمية، ومن جهتي كنت وما أزال أعتقد بأن العامل الإسرائيلي هو الأكثر إعاقة لانتصار الثورة السورية من بقية العوامل.

ولكن هل يعني هذا أن الثورة ليس لها أمل بالنصر؟ طبعاً لا يعني، فإذا عدنا إلى أحداث من التاريخ القديم والحديث، نجد أن الهزيمة يمكن أن تلحق بالطرف الذي كانت المعطيات تشير أكثر على أنه سينتصر، كأمريكا في فيتنام، والسوفييت في أفغانستان، وقبلها ما حصل في معارك اليرموك والقادسية وعين جالوت وغيرها.

فهذا نظام غدار ومتوحش في آن واحد، وحلفائه أكثر وحشية وغدراً منه، وبالتالي فان مصالحته تعني إعطائه استراحة ليعود ويرتكب مجازر جديدة وأبشع في المستقبلين القريب والبعيد، وما مجزرة حماة إلا أكبر دليل على ذلك، وبالتالي فعلى الثورة المسلحة أن تستمر؛ لأنها باتت مسألة وجود أو عدم وجود، وبقاء النظام لا يمكن أن يكون مقبولاً؛ لأن ذلك سيعني تغيير التركيبة المذهبية للشعب السوري وإلحاقه بالمشروع الشيعي الذي تنظر إليه إسرائيل كخط دفاع أول عنها في حال وجابهت حرباً عربية شاملة ضدها في المستقبل، والتي قد تكون ثورات الربيع العربي مقدمة لها.

ومن هنا نفهم تضافر مساعي إيران وإسرائيل في محاربة الثورة السورية، كل واحدة بطريقتها.
وكذلك فإن محاولة دخول إيران إلى مصر من بوابة السياحة والتشييع والقروض أيضاً هو لإجهاض ثورتها من جهة والسيطرة عليها من جهة ثانية، فهكذا بدأت تغلغلها في سورية، وتدخلها المفضوح في اليمن عن طريق الحوثيين الشيعة، وأيضاً تدخلها في الشأنين الليبي والتونسي هو لنفس الأسباب.

ما أوصل سوريا إذاً إلى هذا الدمار، وأخر سقوط نظامها هو في الدرجة الأولى مجاورتها لإسرائيل، وأيضاً كون النظام الأسدي المافيوي مكلف بحمايتها وبأمنها وأمانها، ومن يحمي إسرائيل يجب على العالم كله حمايته.

ألم يقل (رامي مخلوف) منذ بداية الثورة أن "أمن إسرائيل هو من أمن سورية"؟



طريف يوسف آغا